الرئيسية » قرار وقف إنتاج المشروبات الكحولية بمعمل الريان: بين الدولة الدينية والدولة العلمانية

قرار وقف إنتاج المشروبات الكحولية بمعمل الريان: بين الدولة الدينية والدولة العلمانية

عرق الريان

بواسطة Younes

تداولت مصادر مقربة من الحكومة السورية قرار وقف إنتاج المشروبات الكحولية في معمل الريان الواقع في محافظة السويداء، وذلك ضمن السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها الحكومة في ظل تحولات سريعة على عدة أصعدة. جاء القرار كنتيجة لمراجعة شاملة للأداء الاقتصادي للقطاع، مع الأخذ في الاعتبار الانخفاض الملحوظ في الاستهلاك المحلي وتأثير المتغيرات الثقافية والدينية على السوق.

خلفية المعمل وأهدافه

تعود جذور معمل الريان إلى عام 1969، حيث أنشئ بموجب المرسوم التشريعي رقم 1793 تحت مظلة الشركة العربية السورية لتصنيع العنب “الريان” في السويداء. وقد أسس المعمل بهدف استغلال الفوائض من مادة العنب لإنتاج العرق والنبيذ وتنشيط زراعة الكروم في المحافظة، مع بطاقة إنتاجية تصل إلى 1300 طن ورأسمال مقداره 2 مليون ليرة سورية.

الجذور الثقافية والدينية للصناعة

يعتبر العرق رمزًا من رموز التراث في مناطق جنوب سوريا وبشكل خاص في محافظة السويداء، إذ يرتبط بتاريخ عريق من تقاليد الضيافة وأصول الأجداد.

ورغم القيمة الثقافية الكبيرة التي يمثلها العرق كجزء من الهوية الوطنية، فإن قرار إغلاق المعمل يُظهر تناقضًا؛ إذ تظهر الحكومة كانها  تبني توجهات دينية ضمن سياستها التنموية،  وهذا قد يُفسر على أنه تقليص لحرية التعبير الثقافي وتقييد لتعددية التقاليد العرقية للطوائف.

معطيات الإنتاج والاستهلاك

يحتل معمل الريان موقعًا محوريًا في صناعة مشروب العرق التقليدي، إذ كان يُنتج سنويًا ما يتراوح بين 8,000 إلى 10,000 لتر، مع تخصيص حوالي 40% منها لإنتاج كحول طبي. وتُعتبر سوريا ثالث أكبر منتج للعنب في الوطن العربي، إذ تُسهم بما يعادل 10% من الإنتاج العربي و0.4% من الإنتاج العالمي، ما يُترجم إلى تصنيع نحو 700 طن سنويًا من المشروبات الكحولية في مصانع البلاد. وعلى الرغم من ذلك، تبقى قدرات التصدير محدودة؛ حيث تُخصص أقل من 10% من الإنتاج لأسواق مختارة مثل ألمانيا والنمسا والولايات المتحدة، بينما يظل سوق الدول العربية خارج دائرة التصدير.

الآثار الاقتصادية والثقافية للقرار

لا يقتصر أثر قرار إغلاق المعمل على الجانب الصناعي فحسب، بل يمتد ليشمل تأثيرات اقتصادية واجتماعية واسعة. فقد يترتب على هذا القرار تأثير سلبي على مزارعي الكروم والعمالة المتخصصة في حلقات هذه الصناعة التقليدية، إضافة إلى زيادة التكاليف في القطاع الصحي نتيجة الحاجة لاستيراد البدائلعن الكحول الطبي. كما يعتبر المنتج علامة مميزة في الهوية السياحية والثقافية للمنطقة.

ما يثير تساؤلات حول أثر القرار على التوازن الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة.

التجارب الدولية والعبر المستفادة

تعكس التجارب الدولية تنوع النهج في التعامل مع قطاع المشروبات الروحية، حيث يُمكن الاستفادة من النماذج التي توفق بين تطوير القطاع والحفاظ على الهوية التراثية وتحقيق فوائض اقتصادية ، وتبقى العامل الديني الذي على ما يبدو هو المحدد لكيفية الاستفادة من هذا القطاع  بين تنويع الأسواق و الترويج للهوية الثقافية للمناطق وجذب الاستثمارات السياحية وثقافية الاقتصادية  وبين التوازن بين القيود والتنمية.

بالنظر إلى الدول العربية وتجاربها في قطاع المشروبات الروحية، نجد اختلافًا كبيرًا في السياسات والنهج المتبعة حسب السياقات الاقتصادية، الثقافية، والدينية. إليك بعض الأمثلة:

1. لبنان: صناعة تقليدية مع صادرات قوية

  • يشتهر لبنان بإنتاج مشروب العرق باستخدام تقنيات تقليدية تُعتبر جزءًا من تراثه الثقافي. يُعد العرق اللبناني من المنتجات الرائدة في التصدير إلى الأسواق الدولية، وخاصة دول أوروبا وأميركا الشمالية.
  • وفقًا لإحصائيات حديثة، تُسهم صناعة النبيذ والعرق في لبنان بحوالي 15% من إجمالي الصادرات الزراعية، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويوفر فرص عمل كبيرة.

2. المغرب: تطوير قطاع النبيذ للتصدير

  • يُعتبر المغرب ثاني أكبر منتج للنبيذ على مستوى الوطن العربي. وعلى الرغم من القيود الاجتماعية المتعلقة باستهلاك الكحول، فقد ركزت الحكومة على التصدير للأسواق الأجنبية. تُقدّر قيمة صادرات النبيذ المغربي بحوالي 10 ملايين دولار أمريكي سنويًا.
  • تركز الدولة على دعم زراعة الكروم، حيث يُزرع حوالي 50,000 هكتار من الأراضي بالعنب، مما يوفر فرص عمل لمئات الآلاف من السكان.

3. تونس: نموذج لإدارة الإنتاج والاستهلاك

  • في تونس، يُعد النبيذ جزءًا من التراث الوطني، حيث يعود إنتاجه إلى العصر الروماني. تحتل تونس مكانة متقدمة في التصدير، حيث تُصدر حوالي 25% من إنتاجها إلى أوروبا.
  • كما تتبنى الدولة سياسة مرنة توازن بين السماح بالاستهلاك المحلي ضمن ضوابط قانونية، والاستثمار في المنتجات القابلة للتصدير.

4. مصر: الإنتاج الأكبر محليًا

  • تُعد مصر من أكبر منتجي النبيذ على مستوى المنطقة العربية، إلا أن معظم الإنتاج يتم تصنيعه للاستهلاك المحلي. تُنتج مصر سنويًا ملايين اللترات من المشروبات الروحية، مدفوعة بزيادة عدد السياح الباحثين عن التجارب التقليدية.

من خلال هذه النماذج، يمكن لسوريا أن تستفيد من دعم المنتجات التقليدية مثل العرق، واستهداف الأسواق الدولية كمصدر رئيسي للدخل، مع المحافظة على الموروث الثقافي للسكان المحليين.

نظرة مستقبلية: تحديات وآفاق

يثير وقف الإنتاج في معمل الريان تساؤلات جدية حول مستقبل صناعة المشروبات الكحولية التقليدية في سوريا. إذ انه بضوء السياق الحالي للظروف التي تعصف بالتشكيل السياسة السورية،فانه لن  يفسر القرار ببساطة كنتيجة لانكماش الطلب المحلي، بل سوف ينظر  إليه كإجراء يراد به التعدي على التراث الثقافي لسكان الجنوب وتقيد  حرياتهم حقوقهم في مواصلة الصناعات التقليدية والفكرية . ومن هنا، يجب على حكومة دمشق التريث وإيجاد بدائل مناسبة والابتعاد عن التفسيرات الدينية المتشددة التي قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والتوترات خاصة في ظل التخوف الدولي من تجاوز السلطات للحدود في التدخل في حقوق الطوائف

مقالات ذات صلة