في ظل التقلبات الجذرية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، بات تأثير التعريفات الجمركية والعقوبات الأميركية يشكل أحد أبرز المكونات التي تعقّد مسيرة التعافي الاقتصادي في سوريا.
السياسات الأميركية الجديدة ، لا تؤثر على الاقتصاديات الكبرى فحسب بل يتضاعف تاثيرها على الاقتصاديات الهشة كالسوريّا.
حيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتاريخ 3 نيسان عن تعرفة جمركية شملت 180 دولة، من بينها 18 دولة عربية؛ إذ تصدّرت سوريا القائمة بنسبة 41%، تلاها العراق بنسبة 39%، ثم ليبيا بنسبة 31%، والجزائر بنسبة 30%، وتونس بنسبة 28%، والأردن بنسبة 20%. بينما وُضعت تعريفات جمركية نسبتها 10% على باقي الدول العربية (قطر، الإمارات، السعودية، مصر، الكويت، السودان، اليمن، لبنان، جيبوتي، عمان، البحرين، والمغرب).
و قد أوضح ترامب أن هذه الإجراءات تهدف إلى تصحيح اختلال الميزان التجاري وتعزيز الإنتاج المحلي الامريكي دون الالتفات على تداعياته الدولية.
1. التأثيرات المباشرة على الاقتصاد السوري الحالي
أ. تراجع الاستثمارات الأجنبية
على الرغم من بدء تطبيق العقوبات الأميركية منذ عام 1979 في سوريا الذي اعاق اي تطوير اقتصادي بالبنى التحتية والقطاعات الرئيسية و بمقدمتها النفط اضافة الى اعاقة الحصول على القروض من المؤسسات المالية الدولية ، ومع لتطبيق التعرفة الجمركية الجديدة ” الترامبية ” يتوقع أن يؤدي إلى انخفاض حاد في الاستثمارات الأجنبية ضمن الاقتصاد السوري. فقد شهد قطاع النفط والطاقة سابقاً انخفاضاً يقارب 80% في الاستثمارات نتيجة للعقوبات، ما أسفر عن خسائر تُقدر بنحو 2 مليار دولار سنوياً. ومن المرجح أن تتعرض هذه القطاعات لمزيد من الصدمات مستقبلاً قد تجعل القطاع معطل لسنوات ، مما يعرقل قدرتها على دعم التعافي المالي.
كما أن التعرفة الجمركية قد تمنع دخول الشركات الأميركية للسوق السوري نتيجة عدم جدوها الاقتصادية مما يؤدي إلى تقييد فرص التعاون الفني والتكنولوجي في قطاعات صناعية أخرى، ما قد ينعكس على تعقيد الأسواق وتمهيد الطريق لتباطؤ النمو في قطاعات التكنولوجيا والاتصالات نتيجة ارتفاع التكاليف وتراجع القدرة الشرائية، كما الخوف ان تعمل الحكومة الامريكية على منع شركات دول الاخرى الى احلال مكانها.
ب. زيادة تكلفة الواردات وتعطيل مشاريع الإعمار
يعتمد الاقتصاد السوري بشكل كبير على استيراد المواد الخام والمعدات الحيوية لإعادة الإعمار وتنشيط الإنتاج، مما يجعل تأثير السياسات الجديدة ملحوظاً في نقطتين أساسيتين:
- ارتفاع تكاليف الاستيراد: تشير التقديرات إلى أن تكلفة استيراد المعدات والمستلزمات الصناعية قد يرتفع إلى الضعف نتيجة للتعريفات الجمركية الجديدة المقررة، وهو ما سينعكس مباشرةً على تكاليف الإنتاج المحلية وارتفاع الأسعار. ويتأثر بذلك مجموعة من البضائع الأساسية مثل الآلات والمعدات الصناعية، والأدوية والمستلزمات الطبية، وكذلك السيارات وقطع غيارها، بالإضافة إلى المنتجات الغذائية كالحبوب والزيوت النباتية.
- تعطيل سلاسل الإمداد: أدت هذه الرسوم الجمركية إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، إذ ارتفعت تكاليف الشحن وتعقدت العمليات اللوجستية، مما تسبب في تقلبات بأسعار الشحن وحدوث تأخيرات في تسليم البضائع، بالإضافة إلى خلق حالة من الارتباك في قطاع الشحن العالمي تؤثر سلباً على توفير السلع الاستهلاكية.
2. التأثيرات غير المباشرة وآفاق المستقبل الاقتصادي
أ. انعكاسات التضخم وانخفاض القدرة التنافسية
لم يقتصر التأثيرات على القطاعات المباشرة فحسب، بل سوف تمتد لتطال الاقصاد بأكمله. فارتفاع أسعار السلع المستوردة يؤدي بلا شك إلى زيادة تكلفة الإنتاج المحلي. وفقاً لبعض التحليلات الاقتصادية وتوقعات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، قد يسهم استمرار فرض التعريفات الجمركية في رفع معدلات التضخم العالمي بنسبة تصل إلى 2.7% خلال عام 2025. وبالنظر إلى حساسية الاقتصاد السوري للتقلبات، فقد يؤدي ذلك إلى تضاعف تأثير التضخم محلياً نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتراجع الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى زيادة تكاليف التأمين والنقل بسبب اضطرابات سلاسل التوريد. علاوة على ذلك، فإن فقدان الصادرات للسوق الدولية، التي كانت لها أهمية خاصة في بعض القطاعات مثل النفط الخام والمشتقات، يمكن أن يؤثر سلباً على القدرة التنافسية للمنتجات السورية.
ب. التأثير على العلاقات الاقتصادية الدولية
تساهم السياسات الجمركية الأميركية أيضاً في خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق الدولية، مما يعيق عمليات التجارة بين الدول ويضر بالاقتصاد السوري الصغير. كما أن تراجع الدعم المالي وتراجع العلاقات الاقتصادية مع دول داعمة كالسعودية يزيد من التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري، مما يؤدي إلى تفاقم حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في البلاد.
3. تأثير السياسات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد السوري
أ. ارتفاع التعريفات الجمركية وتأثيره العالمي
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن استمرار رفع التعريفات الجمركية على المستوى العالمي قد يؤدي إلى زيادة أسعار المواد الخام بنحو 20%، مما يشكل عبئاً إضافياً على الدول التي تعتمد على الواردات. وفي حالة سوريا، من المحتمل أن تُضاف هذه الزيادة إلى تكلفة الاستيراد بما يقارب مليار دولار سنوياً، مما يصعّب من مهمة تحقيق التعافي الاقتصادي.
ب. تغييرات أسعار الفائدة الأميركية وتأثيرها
تلعب سياسات الاحتياطي الفيدرالي دوراً محورياً في السياق الاقتصادي العالمي، حيث أن رفع أسعار الفائدة بنسبة 2% كإجراء لمكافحة التضخم يؤدي إلى زيادة كلفة الاقتراض عالمياً. هذه الزيادة تُعرّض الأسواق الناشئة، بما في ذلك سوريا، لضغوط مالية إضافية تؤثر على استقرار العملة الوطنية وتقلّل من جاذبية الاستثمارات الأجنبية.
4. السيناريو المستقبلي للسياق الاقتصادي السوري
تشير الإحصاءات إلى أن الاقتصاد السوري يواجه تحديات اقتصادية جسيمة ذات أبعاد عالمية، لا تنبع فقط من العقوبات والتعريفات الجمركية الأميركية، بل أيضاً من تقلبات الاقتصاد العالمي. وفي هذا الإطار، يصبح من الضروري تبني سياسات استراتيجية شاملة ترتكز على عدة محاور أساسية:
- تنويع مصادر الدخل والعلاقات التجارية: من الضروري استحداث أسواق جديدة والبحث عن شركاء تجاريين بديلين للتخفيف من الاعتماد على الأسواق التقليدية.
- تعزيز الصناعات المحلية والابتكار التقني: يجب الاستثمار في تطوير الصناعات الوطنية وتحفيز الابتكار لتقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز القيمة المضافة للمنتجات المحلية.
- إصلاح الهيكل الإداري والاقتصادي الداخلي: يُعدّ تحسين الأداء المؤسسي وتنفيذ إصلاحات شاملة في الأجهزة الحكومية والاقتصادية من الخطوات الحاسمة لاستعادة الثقة لدى المستثمرين.
من خلال تبني هذا النهج الاستراتيجي، يمكن لسوريا أن تسير بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد حر ومستقر، يعيد الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب ويضع البلاد على مسار النمو المستدام رغم التحديات المعقدة التي يفرضها التطبيق المستمر للسياسات الاقتصادية العالمية.