في التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقة ريف دمشق، تبرز تحركات متشابكة ومتعددة الأطراف تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية والدولية وتحديداً من خلال المطارات الحيوية كنقطة استراتيجية. ففي 30 مارس 2025، وصلت مجموعة من المهندسين من لواء الطيران القتالي الثالث في سلاح الجو الأمريكي إلى مطار الضمير العسكري، برفقة تشكيلات صغيرة من مقاتلي اللواء الأول القتالي “ST Brigade Combat Team 1” ومقاتلي الفرقة الجبلية العاشرة “10th Mountain Division” التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية. ولم يكن هذا التحرك منفرداً، إذ رافقهم عدد من مقاتلي جيش سوريا الحرة المدعومين من قوات التحالف الدولي بقيادة النقيب علاء أبو محمود، بالإضافة إلى وحدات من قوات الصناديد التابعة لقوات سوريا الديمقراطية تحت إشراف حسن علي الأحمد.
يقع مطار الضمير العسكري عند الإحداثيات التالية:
33°مما يجعله نقطة وصل حيوية على الأوتوستراد الدولي “M5” الذي يربط دمشق بحلب.
جاءت زيارة المهندسين ضمن جولة تفقدية شاملة للتعرف على الوضع الراهن للبنية التحتية للمطار وإعداد دراسة لإعادة تأهيله بشكل كامل استعداداً لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية، يُتوقع من خلالها نشر أنظمة الطائرات بدون طيار من طراز MQ-1C Gray Eagle بهدف تعزيز قدرات المراقبة والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية. هذا التحول في البنية التحتية لا يقتصر على دعم عمليات محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في البادية السورية فحسب، بل يسعى أيضاً إلى توسيع نفوذ جيش سوريا الحرة من خلال تأمين الدعم الجوي الأمريكي والبريطاني في المنطقة.
يأتي إنشاء القاعدة ضمن إعادة تشكيل استراتيجية الانتشار العسكري الأمريكي شرق دمشق، حيث تهدف هذه الخطوة إلى تعديل توازن القوى الإقليمي وإثارة تحديات جديدة أمام تركيا، خاصة بعد محاولات الحكومة التركية لإنشاء قاعدة جوية خاصة بها في سوريا في إطار سياسات أمنية تهدف إلى حماية المصالح القومية.
ففي مطلع فبراير 2025، قام وفد عسكري من وزارة الدفاع التركية برحلة تفقدية إلى مطار الضمير، ضمَّ وفدهم مجموعة من الخبراء الفنيين وضباط القوات الجوية لدراسة إمكانية التوسع في المطار وإنشاء معسكرات تدريبية وتركيب مدرجات إضافية لاستيعاب مقاتلات الـ F-16 والطائرات العسكرية، إضافة إلى نشر أنظمة أسلحة جوية وبرية على محيط المطار.
على صعيد آخر، شهدت المنطقة تحركات سابقة من قبل جيش سوريا الحرة، إذ تم إرسال مقاتلين إلى مدينة الضمير بتاريخ 28 مارس 2025 للسيطرة على المدينة وفرض طوق أمني محيط بالمطار. ساهمت مجموعات الهندسة التابعة للجيش أيضاً في تنفيذ حملات تمشيط لإزالة وتفكيك الألغام في محيط المطار، ما يدل على حرص الأطراف المحلية على تأمين نقطة استراتيجية ذات أهمية لوجستية وعسكرية.
كما تمهّد التحضيرات لمرحلة لاحقة من خلال وصول مجموعات قتالية من عدة وحدات أمريكية مثل فرقة المشاة الرابعة، والفرقة الجبلية العاشرة، واللواء الأول إلى قاعدة التنف بتاريخ 23 مارس 2025، وذلك لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع مقاتلي جيش سوريا الحرة. شملت هذه التدريبات عمليات الإنزال الجوية النهارية والليلية، التي شهدت إشراف ضباط أمريكيين، في خطوة تهدف في نهاية المطاف إلى نقل هذه الوحدات إلى مطار الضمير العسكري.
الحرب على داعش ومراقبة التحركات الإقليمية
إلى جانب دعم محاربة داعش، تكشف هذه التحركات عن بُعد استراتيجي يتخطى إطار مكافحة الإرهاب؛ فقد أصبحت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية عنصراً رئيسياً في استراتيجية المطورين العسكريين في المنطقة. إن نشر أنظمة الطائرات بدون طيار مثل MQ-1C Gray Eagle يعزز قدرات المراقبة والاستطلاع ضد تحركات داعش في البادية السورية، مما يُمكّن القوات الأمريكية والحلفاء من استجابة سريعة لحالات التجدد في التهديد الإرهابي.
ومن الجهة الأخرى، تُعد مراقبة التحركات الحكومية السورية الجديدة من المسائل المحورية، خصوصاً في ظل المخاوف المتعلقة بنقل وتداول الأسلحة الكيميائية. فمع إمكانية وجود أكثر من مئة موقع يُشتبه باحتوائه على أسلحة كيميائية، أصبحت مراقبة نقل هذه الأسلحة وضمان عدم انتهاك الحدود القانونية والدولية أولوية قصوى، ما يتطلب تعاوناً دولياً مشتركاً مع منظمات متخصصة مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
كما تكتسب مراقبة التحركات التركية والروسية أهمية خاصة في هذا السياق؛ إذ تسعى تركيا لتعزيز نفوذها عبر إنشاء قواعد خاصة بها وزيادة تواجدها العسكري في المنطقة، بينما تتابع روسيا هذه التحركات بحذر شديد، مما يزيد من تعقيد التوازنات الإقليمية ويضع السيناريو في إطار تنافسي جديد بين القوتين. في حال بقاء الحكومة السورية الجديدة على موقف “غض الطرف” علناً تجاه انتهاكات الفصائل الأجنبية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الفوضى وتعزيز موقف هذه الفصائل، مما قد يفتح الباب أمام زيادة التدخلات الخارجية وتصاعد التوترات في المنطقة.
يُظهر تطور الأحداث في منطقة ريف دمشق أهمية مطار الضمير العسكري كنقطة استراتيجية تجمع بين مصالح الولايات المتحدة وتركيزها على دعم محاربة داعش وتوسيع نفوذ جيش سوريا الحرة، وتدخل تركيا وروسيا في سعيهما لتعزيز مصالحتهما الإقليمية. كما يبرز الدور الحاسم لمراقبة التحركات الحكومية السورية خاصة فيما يتعلق بنقل الأسلحة الكيميائية، مما يزيد من حساسية الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. وفي حال استمرت الحكومة السورية الجديدة في غض الطرف تجاه انتهاكات الفصائل الأجنبية، فقد يُترتب على ذلك مزيد من الفوضى وتشديد التدخلات الخارجية، مما يعقد فرص تحقيق استقرار دائم في سورية.
تمثل هذه التحركات والدراسات المشتركة كافة الجهود الدولية والإقليمية لتعديل التوازنات العسكرية في المنطقة، ودورها كعنصر محوري في إعادة رسم خريطة القوى في الشرق الأوسط، وسط سياق من المنافسة والتنافس المتصاعد بين الأطراف الكبرى.