في ظل المرحلة الحالية التي تشهدها سوريا، تتعقد الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية بشكل غير مسبوق، مما يجعل السياسات النقدية تحت دائرة الضوء كعنصر أساسي في البحث عن الاستقرار. قضية نقل الطباعة النقدية من روسيا وإيران إلى أوروبا تثير العديد من التساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق ذلك في ظل المعوقات التقنية والتشريعية والمالية، بالإضافة الى مدى امكانية بناء مؤسسة نقدية تكون داعمة في عمل الحكومة الانتقالية.
نقل الطباعة النقدية: تحديات وحقائق
إن الحديث عن الطباعة النقدية لا يقتصر على الجانب الرغبة فحسب كما يتم تداوله في سوريا؛ بل يمتد إلى أبعاد استراتيجية وجيوسياسية حاسمة. أن فكرة نقل عمليات الطباعة من روسيا وإيران إلى أوروبا تكشف عن مجموعة معقدة من التحديات، تتلخص فيما يلي:
- العوائق التقنية: تتطلب البنية التحتية للطباعة النقدية في أوروبا إعدادات دقيقة تشمل تطوير الرسوم والأبعاد والألوان، مع ضرورة اعتماد نوعية ورق متخصصة وكليشة أمان حديثة. إن هذه المتطلبات الفنية والتجهيزية تفرض تحديات باهظة التكلفة وتحتاج إلى استثمارات ضخمة في مجال التكنولوجيا والتصميم والتركيب، مما يجعل نقل هذه العمليات إلى أوروبا مهمّة معقدة من الناحية الفنية والتشغيلية.
- التشريعات والقوانين: تختلف الأطر القانونية والتنظيمية المعمول بها في مجال الطباعة وإدارة العملة من دولة إلى أخرى، مما يمنع أي عملية نقل قاطعة دون إجراء مواءمة تشريعية شاملة وطويلة الأمد. ويزداد التعقيد في ظل مرحلة انتقالية تمر الحكومة الانتقالية السورية التي لا تزال تحمل إرثًا من النظام السابق، إضافةً إلى العقوبات الدولية بعضها تعتبر عقوبات تهدد امنها الوطني —أضافة العقوبات اخرى المتعلقة بتمويل الإرهاب والتي تضع أي قرار تشريعي تحاولة حكومة الانتقالية استصداره تحت المجهر الدولي، مما يجعل إصدارها قضية ذات أبعاد أمنية وسياسية عالمية.
- التكلفة الاقتصادية والمالية: يمثل التحول إلى نظام جديد استثمارًا ماليًا هائلًا، حيث تفرض متطلبات التكيّف مع النظم المالية الأوروبية تكاليف إضافية. وقد أظهرت الإحصاءات أن تكلفة الوحدة النقدية في ايران/روسيا تراوحت بين 3 إلى 15 سنتًا، بينما تبدأ التكلفة في أوروبا من 25 سنتًا، مما يبرز فارق التكلفة بوضوح ويفسح المجال أمام تساؤلات حول جدوى هذا النقل اقتصاديًا.
- حصر الطباعة : ان حصر الطباعة في معادلة بين روسيا او اوربا دون خيرات اخرى ،يغلق الافق المتاحة للمركزي ويحولها الى عبء سياسي جديد على الحكومة الاتنتقالية، فقد اشارت تقارير ضيقة ان هناك احتمالية انه تم طباعة عملية سورية في الجزائر عام 2021 ، بعد محاولتها لنقل الى الهند او الباكستان.
- التضخم: لا يقتصر تأثيره على ارتفاع الأسعار المحلية وتقليل قدرة المواطنين على شراء السلع والخدمات؛ بل يُعد أيضًا أحد العوائق الرئيسية أمام عمليات الطباعة النقدية. يمكن تشبيه التضخم بالتهابات داخل جسم الإنسان، حيث يعوق تطبيق أي علاج فعّال قبل معالجة هذه الالتهابات. وبالمثل، فإن السيطرة على التضخم تُعتبر خطوة أساسية لتوفير بيئة نقدية مستقرة تدعم تنفيذ سياسات الطباعة بشكل أكثر فعالية ودون آثار جانبية على الاقتصاد.
في ضوء هذه التحديات التقنية والتشريعية والمالية، يصبح نقل عملية الطباعة النقدية قرارًا استراتيجيًا يتطلب دراسات عميقة وتنسيقًا دوليًا متكاملاً لضمان توافقه مع المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية الراهنة.
إدارة السيولة في غياب قيادة البنك المركزي
ي سوريا، يُعد غياب القيادة الواضحة والفاعلة في البنك المركزي أحد العوامل الجوهرية التي تُضعف إدارة السياسات النقدية. إذ يعتمد النظام على تعيينات تقليدية تعتمد على خبرات محدودة، ما يؤدي إلى توزيع غير متكامل للسلطات الوظيفية ويتيح المجال لتداخلات بناءً على ارتباطات سابقة مع قوى غير مرئية تشبه إلى حد بعيد النظام السابق. هذه الظروف تُفضي إلى اعتماد سياسات نقدية غير شفافة، مثل إعادة توزيع السيولة أو حبسها، دون آليات رقابية فعّالة.
وفي هذا السياق، تُستغل قضية “الطباعة” كأداة لتشتيت الانتباه عن التحديات الاقتصادية الأساسية؛ فبدلاً من معالجة مشكلات التضخم الذي يؤثر سلباً على القوة الشرائية وينهك قيمة العملة، يتم توجيه الخطاب العام نحو الجدل حول الطباعة. وهكذا تُستخدم هذه القضية لإخفاء أو تبرير سياسات نقدية أخرى تتسم بالغموض، مما يُعرقل تحقيق الاستقرار النقدي الضروري للتعافي الاقتصادي.
غياب القيادة المؤسسية للبنك المركزي
│
▼
تنفيذ سياسات غير شفافة ومبهمة تقود الى ضعفها
│
▼
تحويل النقاش العام إلى مواضيع ثانوية
▼
تدهور الثقة واستقرار الاقتصاد ونفور المستثمرين