محمد الكساح
تتعدد السيناريوهات التي يتحدث عنها خبراء اقتصاديون حول مصير الشبكة المصرفية الحكومية والخاصة في سوريا، بين الدمج والإلغاء والتوسع، في حين تقف عوائق كبيرة أمام تطبيق أي من هذه السيناريوهات وعلى رأسها العقوبات الغربية، وضعف القدرة الشرائية، وعدم ثقة الفاعلين الاقتصاديين بقدرة الشبكة المصرفية على توفير عوامل النجاح لاستثماراتهم داخل البلاد.
وفي السياق، يبدو أن خطة توسيع الخدمات المصرفية الإسلامية بمنح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية خيار افتتاح فروع مصرفية إسلامية لن تحقق النجاح المطلوب، في ظل تدهور الشبكة المصرفية السورية وخطة تجميد السيولة التي يتبعها البنك المركزي، وبعض التضارب الذي يشوب تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع.
ويتكون القطاع المصرفي الحكومي في سوريا من 6 مصارف وهي المصرف الزراعي التعاوني والتجاري والصناعي والعقاري والتوفير والتسليف الشعبي، بينما تتألف الشبكة المصرفية الخاصة من 11 مصرفا تقليديا و4 مصارف إسلامية.
ما السيناريوهات المتوقعة؟
ويرى الباحث ومدير منصة “اقتصادي”، يونس الكريم، أن “المصارف الحكومية الآن على مفترق طرق يتعلق بمصيرها”، مضيفًا أن هنالك سيناريوهات عدة حول الشبكة المصرفية الحكومية، يتضمن السيناريو الأول إعادة وضع الخطة السابقة التي وضعت في العام 2010 قيد التنفيذ، وهي خطة تنص على دمج المصارف لزيادة قدراتها المالية بالموازاة مع فتح المجال أكبر للمصارف الخاصة.
وتنص الخطة على دمج مصرفي التوفير والتسليف الشعبي في كتلة واحدة، ودمج المصرفين الصناعي والزراعي في كتلة ثانية، مع بقاء المصرف التجاري دون دمج، ما ينتج 3 مصارف حكومية كبيرة بقدرات أكبر.
أما السيناريو الثاني الذي يتحدث عنه الكريم، فيتضمن زيادة رأسمال المصارف الحكومية عبر افتتاح الباب أمام الاكتتاب فيها، وهذا السيناريو وارد جدًا وتم طرحه في العام 2008، لكن لم يتم تنفيذه بالرغم من إعادة طرحه في العام 2013.
تقف عوائق كبيرة أمام تطبيق أي من السيناريوهات المتعلقة بمستقبل المصارف، وعلى رأسها العقوبات الغربية، وضعف القدرة الشرائية، وعدم ثقة الفاعلين الاقتصاديين بقدرة الشبكة المصرفية على توفير عوامل النجاح لاستثماراتهم داخل البلاد
ويشمل السيناريو الثالث إلغاء المصارف الحكومية التي تعاني من تعثر، مثل المصرف الصناعي وبنكي التوفير والتسليف الشعبي، والإبقاء على المصرفين العقاري والتجاري.
ماذا عن المصارف الإسلامية؟
وفيما يتعلق بالمصارف الإسلامية وتوسيع هذا القطاع، يلفت الكريم إلى أن حكومة تسيير الأعمال السابقة فتحت المجال للتوسع من خلال إحداث نوافذ إسلامية ضمن المصارف التقليدية، لكن نتيجة تضارب كل منهما فإن هذا الخيار غير قابل للتطبيق لارتفاع كلفته ولتوفيره مساحة كبيرة للاحتيال على البنك المركزي.
ويضيف أن “محاولة دمج مصرف تقليدي مع مصرف إسلامي ستكون لها ارتدادات كبيرة على الشبكة المصرفية كونها توجه رسالة سلبية للمستثمرين الذين يفضلون بيئة استثمارية وفق نموذج الاقتصاد الحر الذي أعلنت السلطة الجديدة تبنيه، دون خطة واضحة للتطبيق حتى الآن”.
بينما يلفت الخبير في الاقتصاد الإسلامي، يحيى السيد عمر، في حديث لـ”الترا سوريا”، إلى أنه “لا بد من التأكيد على أن المشكلة التي تواجهها المصارف السورية حاليًا، لا تتعلق بطبيعة النظام المصرفي، بل بمشكلة السيولة والقوانين والتشريعات المتقادمة والعقوبات الغربية، لذلك عمليًا لن تستطيع المصارف الإسلامية تحقيق أثر حقيقي ما لم يتم معالجة هذه التحديات”.
ما أبرز العوائق؟
وحول أبرز العوائق التي تواجه تطوير الشبكة المصرفية الحكومية والخاصة، يوضح يونس الكريم أنها تشمل انهيار القدرة الشرائية للمواطن السوري، وعدم وضوح السياسة المالية التي يتبعها البنك المركزي، يضاف إلى ذلك، وفقًا للكريم، عدم وجود دستور وتنفيذ فعلي للقوانين وعدم توفر استقرار أمني واقتصادي لجذب الفاعلين الاقتصاديين، وأخيرًا وجود العقوبات الغربية التي تمنع الشبكة المصرفية من التواصل مع العالم الخارجي.
بدوره، يؤكد يحيى السيد عمر أن “القطاع المصرفي السوري يعاني من تحديات عدة بعضها داخلي والآخر خارجي، وأبرز التحديات الداخلية أزمة السيولة وضعف البنية التكنولوجية المالية وغياب الثقة بالمصارف السورية، والقوانين والتشريعات القديمة التي تنظم العمل المصرفي، أما على المستوى الخارجي، فأهم التحديات هي العقوبات والعزل عن نظام سويفت للتبادل المالي”.
ويرى أن القطاع المصرفي بشكل عام يعد عصب الحياة الاقتصادية، وهو المسؤول عن تجميع المدخرات من الأفراد والشركات وإعادة ضخها في السوق الاستهلاكي والإنتاجي، لذلك غالبية الدول المتقدمة لديها أنظمة مصرفية متطورة، بينما في سوريا لا يمكن الحديث عن انتعاش اقتصادي قبل إصلاح النظام المصرفي ومعالجة التحديات التي يواجهها، مرجحًا أنه “في حال عدم وجود حلول فعالة سيتأخر الإنعاش الاقتصادي وقد لا يكون هناك تحسن في المؤشرات الاقتصادية”.
وما يزيد من حدة هذه العقبات، وفقا للسيد عمر، أنها “تتداخل ما بين السياسة والاقتصاد، لأن الانفتاح المالي التام على سوريا ورفع حظر نظام سويفت، يرتبطان بشكل مباشر بالاعتراف الدولي الرسمي بالحكومة السورية، وحاليا تم قطع أشواط هامة في هذا المجال، لكن لم نصل إلى مرحلة الاعتراف التام”.
المصدر : الترا سوريا.