هبة محمد
توجّه وفد سوري برئاسة وزير المالية السوري محمد يسر برنية، إلى الولايات المتحدة، أمس الأحد، للمشاركة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهدف «تعزيز فرص إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي».
وسيحضر الوفد الذي يضم أيضا وزير الخارجية أسعد الشيباني وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، الاجتماعات الربيعية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، وتتناول قضايا مثل الآفاق الاقتصادية العالمية، التنمية الاقتصادية، استئصال الفقر، وفعالية المعونات، حيث يلتقي الوفد في هذه الاجتماعات محافظي البنوك المركزية، ووزراء المالية والتنمية، وكبار المسؤولين من القطاع الخاص، وممثلي المجتمع المدني والأكاديميين، حيث تُعقد هذه الاجتماعات في شهر أبريل/نيسان في واشنطن العاصمة.
وتعد هذه المشاركة الأولى لسوريا في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المقرر عقدها في واشنطن هذا الشهر، منذ نحو عقدين.
وقال الوزير السوري خلال رحلته إلى واشنطن، في منشور عبر تطبيق «لينكد إن» إن وفد سوريا يحمل معه حزمة واسعة من الاجتماعات واللقاءات الثنائية.
وأعرب برنية عن أمله في أن توفر تلك اللقاءات الفرص لدعم جهود إعادة إعمار سوريا، وبناء المؤسسات، وإرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي والمالي، ووضع الاقتصاد السوري في مسار التعافي، وأن تنعكس هذه الجهود بشكل إيجابي على مسار عودة سوريا إلى المجتمع والنظام المالي الدوليين، وتحسين فرص الحياة الكريمة والمعيشة للشعب السوري.
الفرص والدلالات
وتحمل هذه الزيارة جملة من الدلالات الهامة لسوريا، حسب المستشار الاقتصادي والمالي الدولي الدكتور أسامة القاضي الذي وصف الاجتماعات في واشنطن بأنها «على درجة عالية من الأهمية».
وعزا القاضي السبب إلى أن الوفد سوف يجتمع مع حكام المصارف العالمية ووزراء المالية العالميين، كما سيطرح المجتمعون رفع العقوبات عن البنك المركزي، باعتباره أولى اهتمامات السوريين، فضلا عن شرح أهمية رفع هذه العقوبات.
وأضاف: كنت قد تقدمت للحكومة السورية باقتراح بأن يبحثوا مع ممثلي الاتحاد الأوروبي وحكام المصرف المركزي، دخول سوريا منظومة «سيبا» التي تشابه منظومة «سويفت» وإن كانت بحجم أصغر للتحويلات المالية، حيث يشترك فيها حوالي 38 دولة، أكثر من 10 منها ليست أوروبية.
ولفت إلى أن إدخال سوريا ولو بشكل مؤقت إلى منظومة «سيبا» والتوافق على هذه المسألة خلال اللقاءات في واشنطن مع الأوروبيين، بحيث تكون التحويلات من أوروبا باليورو، وافتتاح فروع لمصارف أوروبية «فرنسية وألمانية وإيطالية وإسبانية» وغيرها من الدول أوروبية، حيث يتم التحويل من داخل البنك في الدول الأوروبية إلى فرعه في سوريا، كل ذلك سوف يسهل دخول التجار ورجال الأعمال إلى سوريا، وهناك الكثير من رجال الأعمال المتحمسين لدخول السوق السورية.
رسالة أمريكية
وحول الرسائل من هذا الاجتماع، رأى القاضي أن وجود أعضاء من الحكومة السورية في الولايات المتحدة الأمريكية، هو رسالة إيجابية لواشنطن ومن واشنطن، إذ إنها إشارة لقبول هذه الحكومة من جهة، وعلى خطى إزالة العقوبات والاعتراف بالحكومة.
ولفت إلى أن وجود الوفد السوري في واشنطن هو فرصة ذهبية للقاء الصحافة الأمريكية والعالمية، من أجل شرح واقع الاقتصاد السوري، وضرورة إزالة العقوبات عن البنك المركزي، حتى تسهل التحويلات المالية من أجل الاستثمارات والالتزام بمعايير الشفافية الدولية في البنوك، وهذا كان مطلبا دوليا في دول مجاورة مثل لبنان سابقا.
عندما تقدم سوريا أوراقها على أنها جاهزة للشفافية والمساءلة والانفتاح على العالم، هذا سيعطي خطوة إيجابية بتقديم سوريا كبلد يحترم المعايير الدولية بالصيرفة، وآن الأوان للصيارفة السوريين الذين أسسوا المصارف اللبنانية سابقا في عام 1958، العودة إلى بلدهم سوريا وتأسيس مصارف بمعايير دولية وبأوزان ثقيلة.
وحول أهم الملفات المطروحة على طاولة المباحثات في واشنطن يقول المدير التنفيذي لمنصة «اقتصادي» يونس الكريم إن أهمها ملف دعم سوريا اقتصاديا ورفع العقوبات وإمكانية تقديم منح ومساعدات لإعادة الإعمار، خاصة في مجالات مثل تحسين البنية التحتية وشبكة الكهرباء بدعم خليجي.
وأهمية الملفات تعود إلى عدة أسباب، وفق المتحدث، النقطة الأولى يعتبر التعامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والإنشاء، خطوة أساسية لرفع العقوبات، ورسالة إلى المستثمرين بأن ثمة قبولا بالحكومة الحالية، وبالتالي، تشكيل دعم سياسي كبير.
رسالة إيجابية وخطوة أساسية نحو رفع العقوبات
النقطة الهامة لهذا الاجتماع «هي تأمين سيولة سريعة لموازنة السياسات النقدية التي تتردى في سوريا، نتيجة واقع العقوبات والأحداث الاقتصادية العامة، وكذلك الانطلاق نحو إعادة الكهرباء لأن ذلك يشكل بادرة جيدة نحو الداخل السوري بأن الأمور بدأت تتحسن، كما أن توفير الكهرباء يشكل داعما أساسيا».
وفي رأي الباحث الاقتصادي، فإن الاجتماع بحد ذاته يؤكد أن الجهود العربية قد أثمرت بدعم الحكومة الحالية، وبالتالي هذا من شأنه أن يدفع الحكومة الحالية إلى المزيد من التعاون مع الدول العربية، وتحقيق توازن بسياسات المنطقة والتي تم الاتفاق عليها مسبقا.
وحيال الفرص المتاحة أمام سوريا اليوم، اعتبر المتحدث أن هذه الفرص تتوقف على الفريق الذي ذهب إلى الولايات المتحدة الامريكية، وخطته وآلية طرحها، لافتا إلى أن هذا اللقاء يعتبر «نقطة دبلوماسية حيوية، لجهة ذهاب وفد سوريا المكون من وزراء الخارجية والمالية وحاكم البنك المركزي، ويرسل رسالة تبين أن التركيز ينصب على تلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة، وهو ما قد يُفهم على أنه إشارة إلى وضع أزمة دون رؤية استراتيجية متكاملة».
وقال: كان من الممكن أن يُشكل حضور وزير الطاقة محمد البشير إضافة نوعية، إذ يُمكن أن يُخصص دوره لشرح الخطة المستقبلية على مدى خمسة أعوام انتقالية. هذا التوضيح يساعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على فهم أن سوريا لا تسعى فقط لتأمين تمويل نقدي فوري، بل لديها رؤية استراتيجية واضحة لإصلاح الاقتصاد وإعادة الإعمار على المدى المتوسط.
بيئة جاذبة للمستثمرين
هذه الرؤية، وفق الكريم، تعد من الأمور الأساسية التي تأخذها المؤسسات الدولية في الاعتبار قبل تقديم دعمها، حيث تحتاج هذه المؤسسات إلى آلية لفهم الدولة التي ستتعامل معها وتقييم مصداقية خطة الإصلاح والتطوير الشاملة، لافتا إلى أن إظهار رؤية طويلة المدى وتفصيل خطوات الإصلاح الهيكلي يمكن أن يعزز من فرص سوريا في تأمين حزم دعم مالي أكبر، وبالتالي إرسال رسالة للمؤتمرين أن هدف الحكومة هو إيجاد بيئة جاذبة للاستثمارات المستقبلية. بهذا الشكل لا يُظهر الموقف السوري الحاجة الماسة للتمويل فحسب، بل يُبرز أيضاً الجاهزية والقدرة على استثمار هذا التمويل في إعادة بناء الدولة على أسس ثابتة ومستدامة وضرورة رفع العقوبات.
مراقبة الحكومة
وحول المخرجات المتوقعة من اجتماعات واشنطن، توقع مدير منصة «اقتصادي» أن الاجتماع مع البنك الدولي سوف يثمر بمساعدة لسوريا بموضوع الكهرباء.
جازما بأن هذه الاجتماع سوف يثمر بالمساعدة، لكن سوف تكون المساعدة بمثابة خطوة لمراقبة الحكومة السورية وآلية إدارتها هذه المنحة، وكيف سوف تعمل على استغلالها، لإعادة بناء شبكة الكهرباء بشكل يشجع المؤسسات التمويلية والدولية على تقديم المنح والمساعدات لسوريا.
وقال: لا بد من نجاح الاجتماعات، بسبب وجود إرادة دولية مسبقة حول منح سوريا مساعدات سوريا بخصوص الكهرباء نتيجة تداولات سابقة منذ عام 2022 كانت تخص لبنان وتخفيف أثر العقوبات على السوريين، لكن الآن قدرة الوفد السوري على تبيان آلية احتياج هذه الأموال وآلية استخدامها من شأنها أن تزيد المبلغ الذي يمكن أن تحصل عليه سوريا، كذلك تبيان آلية التخطيط تسهل عليه مراجعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، للملف السوري، وهذا يعطي بدوره دعما معنويا.
وكان حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحُصرية قد أعرب عن سعادته بمرافقة وزير المالية في هذه المهمة، مشدداً على أن إعادة دمج سوريا في النظام المالي الدولي تمثل أولوية قصوى في هذه المرحلة، كذلك أكد في منشور التزام الوفد السوري ببذل كل الجهود الممكنة لتحقيق هذه الغاية، متمنياً أن يعمّ السلام والازدهار الجميع.
المصدر: القدس العربي.