الرئيسية » واقع اقتصادي صعب: كيف يواجه السوريون الأزمة المعيشية الخانقة

واقع اقتصادي صعب: كيف يواجه السوريون الأزمة المعيشية الخانقة

بواسطة Younes

هبة محمد

لم يعد السوري قادرا على تقديم أكثر من فنجان قهوة لضيوفه، وفي بعض الأحيان يتعذر وجوده، نظرا لارتفاع تكلفة تحضير القهوة التي يساوي الكيلو منها اليوم ثلث مرتب الموظف الشهري، الأمر الذي يعكس الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعشيها الشعب السوري، إذ يصعب تأمين الوجبة الأساسية للأسرة، والتي قد تكون شديدة الارتفاع، بسبب الغلاء وتدني مستوى المعيشة.
وعلى الرغم من تعهد الإدارة السورية الجديدة في دمشق، ومساعيها من أجل تأمين مستوى معيشي جيد للمواطن السوري، إلا أن «كرة التدهور الاقتصادي في سوريا مستمرة في التدحرج» حسب ما تقول السيدة فاطمة الجوخدار، وهي معلمة في مدرسة ثانوية تابعة للقطاع العام، وسط العاصمة دمشق.

وما بين الخطاب والطموح، تظل تساؤلات السوريين مفتوحة حول ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستنجح في تحقيق ما وعدت به من رفع سوية المعيشة المتدنية، سيما أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها البلاد لا تبدو قريبة من خط النهاية.

هوة بين الدخل والمتطلبات

وتقول الجوخدار: لم أكن أعتمد على مرتبي الشهري، فهو لا يتجاوز 400 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 40 دولارا فقط، ولمواجهة الواقع المعيشي الصعب، فإني ألجأ إلى عمل إضافي عبر تدريس اللغة العربية بشكل خاص للطلاب، بعد نهاية دوامي الرسمي، بينما يعمل زوجي كسائق سيارة أجرة في أحياء دمشق رغم أنه خريج كلية التجارة والاقتصاد.

وأضافت: «رغم أننا عائلة مكونة من 3 أشخاص، فإننا نعتمد على الحوالات الخارجية من الأهل لتدريس ابنتي في مدرسة خاصة، قسطها السنوي يعادل 500 دولار أمريكي، وقد ارتفع مؤخرا بعد سقوط الأسد إلى 750 دولارا، بسبب ارتفاع قيمة العملة السورية مقابل الدولار».
وزادت: الهوة واسعة بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية، وهذه هي سبب المشكلة في عموم سوريا، ولا يمكن التكهن ما إذا كانت الحكومة قادرة فعلا على تحسين الوضع المعيشي البالغ السوء.

لا أجور ولا عمل ولا سيولة

ياسر أبو الخير، صاحب مهنة خياطة، يقول لا يوجد عمل ولا أجور ولا سيولة بيد معظم الناس، ورغم أن أسعار المواد الغذائية انخفضت بعد سقوط نظام الأسد، إلا أننا بسبب قلة السيولة اليوم بتنا لا نملك موردا ماليا ثابتا، ولمواجهة هذا الواقع المعيشي الصعب فقدت تعددت المهن للشخص الواحد، وبات الصغير قبل الكبير يسعى لأن يكون شخصا منتجا للحصول على لقمة العيش. وأضاف: التكاليف الشهرية للحياة اليومية هي ثابتة فيما دون الحالات الطارئة، لكن زادت معدلات البطالة بعد فصل الكثير من الموظفين، وإصابة سوق العمل بالجمود، وإغلاق عدد كبير من المعامل والمصانع، بسبب فرار أصحاب رؤوس الأموال المواليين لنظام الأسد، وكل هذا التحول حصل فجأة.

الاعتماد على الحوالات من الأقارب في الخارج… وإيجاد عمل ثان

سلام الطباع، وهي ربة منزل، تقول: لم تطرأ أي تغيرات إيجابية على حياتنا وواقعنا المعيشي، مليون ليرة سورية أي ما يعادل 100 دولار تقريبا، تكفي العائلة المكونة من 5 إلى 6 أشخاص، أقل من أسبوع لتلبية للاحتياجات الأساسية فقط، وتحتاج هذه العائلة شهريا إلى ما لا يقل 8 ملايين، إذا كانت مستقرة في بيت ملك، وليس لديها دفع أقساط جانبية.

ولمواجهة هذا الواقع المعيشي الصعب يلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على مصادر إضافية للدخل، من أهمها الحوالات المالية من المغتربين خارج سوريا، كما تغير الكثير من العادات الغذائية عبر تقليص الإنفاق على الغذاء إلى الحدود الدنيا.

أسباب التدهور

المدير التنفيذي لمنصة «اقتصادي» يونس الكريم شرح  أسباب تدهور المعيشة في سوريا، قائلا: تدهور المعيشة في سوريا يعود إلى ما قبل سقوط نظام الأسد، وهناك أسباب داخلية تعود لعدم رغبة الدول في التعامل مع نظام الأسد، أو بناء علاقات تجارية مع شخصيات اقتصادية سواء كانت محسوبة على الحكومة الرسمية أو نظام الأسد، لكي لا يشكل ذلك دافعا لاستمراره في عملية القتل أو دعمه اقتصاديا.

السبب الثاني برأي المتحدث، هو العقوبات، إذ إن طبيعة العقوبات الأمريكية تجعل من الصعوبة إجراء أي عمل اقتصادي بين طرفين، يكون أحدهما من المعاقبين سواء كان قطاعا أو شخصية بما تسمى العقوبات الثانوية.

أما الأسباب الداخلية فتعود إلى «الفساد الذي يلتحم بالاقتصاد السوري حيث لم يعد هناك أي وجه لإمكانية ظهور نشاط اقتصادي حقيقي يدعم السوريين، والنقطة الثانية من الأسباب التي أدت إلى هذا الفقر المدقع هو الصراع ما بين أجنحة النظام الاقتصادية مثل أسماء الأسد ورامي مخلوف، ثم الصراع بين أسماء الأسد وماهر الأسد، والقائمة تطول. كما لفت الباحث الاقتصادي إلى تحول الاقتصاد إلى اقتصاد ظل يعمل عن طريق المخدرات والتهريب الذي بات يلتهم الاقتصاد الحقيقي، وأيضا تقسيم البلد إلى منطقة الإدارة الذاتية التي تسيطر على الثروات الأساسية والريعية، والتي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوري والنفط الغاز والقمح، ومن ثم سيطرة القوى الدولية المساندة للنظام مثل روسيا وإيران على ما تبقى من ثروات داخل مناطق نفوذ الأسد.

وبالنتيجة فإنه وفق المصدر، كل هذه الأسباب أدت إلى انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية وبالتالي ظهر التضخم وارتفاع الأسعار.
وحول الحلول والسياسات التي تبناها السوريون لمواجهة الواقع المعيشي الصعب، يقول كريم: السياسات التي تبناها الناس لمحاربة هذا التدهور تقوم على عدة مستويات، المستوى الأول هو الاعتماد على الحوالات المالية التي تأتي من المغتربين، سيما أن 40 في المئة من الشعب السوري مغترب، بين نازح ولاجئ، وهم الذين يدعمون من تبقى، إضافة إلى أن السوريين باتوا يعملون بأكثر من مهنة وخاصة المهن الشاقة التي تقوم على عملية البحث عن الحديد ومخلفات الحرب وإعادة تدويرها، والاعتماد على المساعدات الإنسانية، وهنا نحن لا نتكلم عن مناطق النظام فقط بل كل الجغرافية السورية، سواء العمل فيها أو تلقي المساعدات، إضافة إلى المخدرات والأعمال غير الشرعية والعسكرة. ومن أساليب مكافحة التدهور أيضا تغير أولويات الناس، فبات عدد الوجبات أقل ونوعية الحياة أقل، وزيادة عدد العاملين في العائلة لدرجة أن يعمل الأطفال والنساء والجميع ما أثر على التركيبة الاجتماعية.

بعد سقوط النظام، جاءت سياسة حكومة تصريف الأعمال ثم الحكومة الانتقالية، وصرحت بأن الاقتصاد هو اقتصاد حر بشكل مخفف عن العبارة الفجة بأن الدولة غير قادرة على تقديم خدماتها إلى السوريين وعليهم أن يتدبروا أنفسهم، وبدأت تأخذ خطوات كبيرة في هذا المجال، من حيث تسريح الموظفين والعاملين وضعف الخدمات، ثم فتحوا باب التطوع في العسكرية، فعاد الناس إلى العسكرة من جديد وهذه مشكلة خطيرة، وفق وصفه.

وأضاف: عملت الحكومة الجديدة على تقليص دعم الدولة للسلع الأساسية من الخبز والمحروقات، فارتفعت احتياجات الناس من مليونين شهريا إلى 6 ملايين، وبالتالي حتى الحوالات المالية تم استبعادها ولم تعد تكفي، إضافة إلى سياسات البنك المركزي من حبس السيولة مما أدى إلى تخفيض حوالات الأفراد، إذا أضفنا لهذه العمولات التي تتقاضها الجهات الخارجية لإيصال الحوالات وباتت غير مقنعة وغير كافية مع استمرار تسعير الأسعار عند أرقام تمثل ضعف سعر سوق السوداء، هذا الأمر جعل الحياة أكثر صعوبة فارتفعت احتياجات العائلة إلى 6 ملايين ليرة للعائلة المكونة من 5 أفراد وسطيا.

المصدر: القدس العربي,

مقالات ذات صلة