في إطار جهود إعادة البناء في سوريا، تسعى الحكومة الانتقالية إلى تأمين مصادر تمويل لمشاريع حيوية، لا سيما في قطاع الكهرباء الذي يُعتبر ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد الوطني وإعادة تأهيل البنى التحتية. وتأتي هذه المحاولة بدعم دبلوماسي واقتصادي من جهات قطرية وسعودية، إلا أن التضارب الملحوظ في التصريحات الصادرة عن الجهات الرسمية المعنية بدراسة فرص التمويل أثار تساؤلات جدية لدى المستثمرين حول مصداقية تلك البيانات، إذ يشعر الآخرون بأن الحكومة تعلن عن إنجازات لا تتوافر لديها الإمكانيات اللازمة، سواء نتيجة نقص الخبرات أو محاولة لإخفاء واقع اقتصادي صعب.
في هذا السياق، أعلن محمد سليمان الجاسر، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، عن مباحثات جارية مع سوريا ولبنان لتمويل مشاريع إعادة البناء مع تركيز خاص على قطاع الكهرباء الذي يمثل محوراً استراتيجياً للتنمية. وقد أكد الوفد السوري خلال اللقاءات على أهمية مشاريع الطاقة، مستعرضاً إمكانية الحصول على استثناءات من العقوبات الدولية للمشروعات الحيوية، خاصةً في ضوء الظروف الاقتصادية الحرجة. وتزامنت هذه التصريحات مع زيارة وزير المالية السوري وحاكم البنك المركزي إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الربيع لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سعياً نحو الحصول على دعم مالي يُساهم في إعادة تأهيل البنية التحتية وتنشيط النشاط الاقتصادي؛ ذلك بعد تصريحات سابقة لمسؤولين مثل عبد الله الدردري مدير برناج الأمم المتحدة الإنمائي، التي ألمحت إلى موافقة البنك الدولي على قرض بقيمة 50 مليون دولار لتشغيل محطة دير علي، الحلقة الاستراتيجية التي تربط بين سوريا ولبنان.
على الرغم من هذه الاستراتيجيات والتصريحات التفاؤلية، تشير مؤشرات عدة إلى أن الجهود الحكومية لم تُثمر بعد عن نتائج ملموسة؛ إذ أفادت بعض الجهات بأن محاولات الحصول على التمويل وتخفيف العقوبات قد فشلت في تجاوز مستوى التعليق الإنساني لتتداخل في الأبعاد الاقتصادية، مما يثير تساؤلات لدى المستثمرين حول مدى حماية هذه الإجراءات للثروات الوطنية أو كونها مجرد ستار سياسي يخفي واقعاً اقتصادياً متردياً.
ومن جانبه، يتضح أن التحركات الإقليمية تلعب دوراً محورياً في دعم الجهود السورية؛ حيث تتبنى المملكة العربية السعودية وقطر مبادرات دبلوماسية وقانونية متكاملة لتخفيف وطأة العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، بما يدفعها نحو مزيد من التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. وقد أدت هذه التحركات إلى إصدار تدابير أولية تتضمن استثناءات للمشروعات الحيوية، مما عزز من صورة الاقتصاد السوري وزاد من جاذبيته أمام الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، فإن تضارب التصريحات والآراء بين الجهات المختلفة حول جدوى هذه المبادرات يكشف عن فجوة واضحة في التخطيط والتنفيذ، مما يضع الحكومة في مواجهة تحديات قانونية واقتصادية متشابكة يصعب تجاوزها دون تنسيق دولي شامل.
على صعيد متصل، يتداخل النشاط التجاري مع السياسات الاقتصادية؛ فاستمرار تشغيل بعض الجهات الخاضعة للعقوبات، سواء وفقاً لنصوص قانون سيزر الأمريكي أو بنُظم العقوبات الأوروبية، يثير تساؤلات حول مدى استفادة الاقتصاد الوطني من النشاطات التجارية مقابل تأثيرها على جهود تجاوز العقبات المالية. وقد تتحول المحاولات التجارية التي تبدو كمساعي لعبور العقوبات إلى أدوات سياسية تُستغل لجني اعتراف دولي سريع أو لتعزيز مبادرات سلام سطحية.
ختاماً، يعكس المشهد الحالي في سوريا تداخلاً معقداً بين الأبعاد القانونية والاقتصادية؛ ففي الوقت الذي تبرز فيه طموحات إعادة البناء وتحديث البنى التحتية، يُطرح تساؤل جوهري حول قدرة الحكومة على تحويل التصريحات والوعود إلى إنجازات ملموسة. ويستلزم ذلك إصلاحات قانونية تضمن شفافية الإجراءات وتبني سياسات متوازنة تجمع بين ضغوط العقوبات الدولية والمصالح التنموية، ليتحول المستقبل الاقتصادي للسوريا إلى إطار مالي متماسك قادر على جذب الاستثمارات وتعزيز الثقة الدولية في مشاريعها الحيوية. كما يدعو هذا السياق إلى متابعة دقيقة للمستجدات المالية والسياسية في المنطقة وإعادة النظر في استراتيجيات التمويل بما يضمن تنمية مستدامة وحماية فعالة للثروات الوطنية.