مودة بحاح
بعد أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد، ألغى مصرف سوريا المركزي منصة تمويل المستوردات، وسمح للمستوردين بتمويل مستورداتهم من مصادرهم، فتنفسوا الصعداء ظنًا منهم أنهم استراحوا من عبء هذه الجهة المالية التي شابها الفساد والتلاعب، ولكن الأيام مضت وبقيت أموالهم محبوسة، ولم يتمكنوا من استردادها.
في شهر آب/أغسطس عام 2023، أصدرت لجنة إدارة مصرف سوريا المركزي القرار رقم (1130/ل إ)، بخصوص آلية تمويل المستوردات وإنهاء العمل بالقرار 970 لعام 2023. ويرى الصناعي عاطف طيفور، في حديثه، أن هدف المنصة كان إيجابيًا من الجانب النظري، وهو توفير القطع الأجنبي للمستوردين في وقت تعاني فيه البلاد من شح بالقطع الأجنبي وضغط على سعر الصرف، ولكن ظهر الفساد في المنصة من خلال تجميد أموال أشخاص معينين مقابل تسريع الأمور لأشخاص آخرين كانوا محسوبين على السلطة السابقة.
وفكرة المنصة تتلخص في قيام المستورد بإيداع وتجميد الأموال فيها لأشهر، لإعادة ترتيب أولويات المستوردات وبناء احتياطي مؤقت للمركزي، بهدف تمويل مستوردات المودع بسعر معين، ولكن بعد أن يأتي دوره يتغير سعر صرف الدولار تحت ضغط التضخم، ما يكبده خسائر ومصاريف.
ويوضح الصناعي والخبير الاقتصادي، مازن ديروان، في حديثه ، أن التأثير السلبي للمنصة يكمن في تجفيف السيولة في الأسواق بشكل كبير ما أدى إلى جمود في الأسواق وبطء في الحركة الاقتصادية، كما تسببت المنصة في إطالة دورة رأس المال للتجار والصناعيين، مما سبب ارتفاعًا بالتكاليف وزيادة في أسعار جميع السلع، وهذه الإطالة في دورة رأس المال خلقت فرصة للفاسدين الذين قاموا بدور السماسرة المأجورين لتسريع عمليات التحويل، على حد قول ديروان.
وبدوره، يوضح الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي لمنصة اقتصاد، يونس الكريم، أن التأثير السلبي للمنصة يتمثل في تعقيدات الحصول على التمويل، فضلًا عن كون القرارات الصادرة عن المركزي مبهمة وآليات تنفيذها متعلقة بسلطة النظام، الأمر الذي ولد تعقيدات كثيرة في تطبيقها، ويضيف الكريم أن ثمة نقطة سلبية ثانية تكمن في ظاهرة الفساد، فالدولار يُمنح أولًا للشركات الكبيرة ذات الصلة مع النظام، في حين تُحرم منه الشركات الصغيرة أو يتم الحصول عليه مقابل رشى معلومة.
تعقيد الأمر
في 24 كانون الأول/ديسمبر 2024، ألغى المصرف المركزي العمل بهذه المنصة كما ذكرنا، ولكن المشكلة لم تحل، ولم يهنأ الصناعيون والتجار بهذا القرار رغم ترحيبهم به في البداية، والسبب أن أموالهم لم تخرج من المنصة وبقيت عالقة فيها، حتى وقت لا يعرفون متى يحين.
ويشرح الخبير الاقتصادي، يونس الكريم، أن قرار الإلغاء، كقرار، يحوي عددًا من النقاط الإيجابية، فهو كان مطلب كل الصناعيين والتجار، وبالتالي الإلغاء أعطاهم الأمل باستعادة أموالهم وبالاستفادة من الفرص المتاحة، ولكن القرار حمل سلبيات في الوقت نفسه، لأنه فتح باب الاستيراد والتنافس على القطع الأجنبي دون خطة واضحة حول أولويات الاستيراد، مما حرم البنك المركزي من التحكم بسعر صرف القطع الأجنبي من خلال فرض ما يمكن استيراده وما لا يمكن، فضلًا عن تزامن ذلك مع سياسة تجفيف السيولة التي اتبعت من المركزي، مما ضاعف من أثر تجميد أموال المنصة، التي يعتقد الكريم أنها ليست بالمبالغ الكبيرة، وبرأيه هي 600 مليون دولار فقط، ولكنها تُمثل الحركة السلعية لكثير من التجار. وهو أمر يؤكده الصناعي طيفور، موضحًا أنه إذا بقيت هذه الأموال محبوسة، فهذا يعني أن الرأسمال التشغيلي صفر، وأن الاقتصاد صفر لأن هذه الأموال هي التي تشغل البلد. غير أن طيفور يقدر المبالغ بـ حوالي 4 مليار دولار، لم يفرج إلا عن مبلغ صغير منها لبعض الفعاليات الاقتصادية.
وبرأي طيفور، الاستمرار بحجز الأموال سيضر بسمعة الدولة داخليًا وخارجيًا، مؤكدًا: “حاليًا يوجد وضع استثنائي فالجميع يراقب، ولكن الخوف يكمن باستمرار هذا الوضع وهذا يعني تململ الصناعيين وقيام المنظمات المالية العالمية بتصنيف البلد بطريقة سلبية”.
لهذا يؤكد ديروان على ضرورة إلغاء المنصة وإعادة الأموال التي دفعها التجار والصناعيون بأسرع وقت ممكن، لأن أصحاب الأموال المودعة صبروا كثيرًا، رغبة منهم بالتعاون مع الحكومة الحالية في التغلب على الصعاب الناتجة عن فساد وسوء إدارة النظام البائد، وأي تأخير إضافي فيه ظلم كبير.
وتحدث ديروان عن حلول يشوبها الفساد تتمثل بقيام بعض المصارف بالتواصل مع المودعين واستغلال حاجة بعضهم للمال فتؤمن لهم أموال المنصة بأسعار للدولار تزيد عن 50 بالمئة من أسعار السوق، وهذا يعني أن بعضهم يُفرض عليه شراء الدولار المحجوز بقيمة حوالي 17 ألف ليرة سورية بينما سعره في السوق يتراوح بين 9 آلاف و12 ألف ليرة.
جفاف السيولة
الجميع يطالب بإعادة هذه الأموال المحجوزة في وقت تعاني فيه البلاد، أساسًا، من أزمة في السيولة، ويرى الخبير الاقتصادي، يونس الكريم، أن حل المشكلة يتحقق بوجود مصرف مركزي حقيقي شفاف فيه حوكمة، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارات الاقتصاد والنفط والزراعة، أي الوزارات التي لها علاقة بالاستيراد. والنقطة الثانية، برأي الكريم، تأتي من تشجيع المستثمرين على استيراد سلع معينة، بعد أن يكون المصرف المركزي قد بدأ برفع القيود عن السيولة باتباع نظام “الدولرة” الجزئية، أي السماح بالتعامل بالدولار إلى جانب الليرة كوسيلة للدفع، ولكن ليس بشكل اعتباطي.
ومن الحلول التي يقترحها الكريم، عودة البنوك للعمل مما يسهل عودة النشاط الصناعي والذي يجب أن يتزامن مع عودة المعامل وإصدار قرارات واضحة لآلية افتتاحها، وكل ذلك يحتاج لبعض الوقت، ربما ستة أشهر، حسب تقدير الخبير الاقتصادي.
المصدر: الترا سوريا.