في خطوة تقترب من فصولها من رسم الجغرافية السورية ، يتكشف المشهد السوري النفطي كملعب لصراع سياسي متأصل بين الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا وحكومة دمشق المركزية. ففي 9 مايو 2025، التقى حسن محمد علي، الرئيس المشترك لمكتب العلاقات العامة في مجلس سوريا الديمقراطية، بستيفن برانسون، نائب المدير التنفيذي لشركة ExxonMobil الأمريكية، في مدينة القامشلي. وقد جاء هذا اللقاء في وقت تتسارع فيه التحولات السياسية والقانونية، وسط سباق محموم لكسب ولاء القوى الخارجية، أبرزها الولايات المتحدة، وتحديد معادلات الطاقة والثروات الوطنية في منطقة غنية بالنفط والغاز.
الإطار القانوني والتشغيلي: بين النموذج المستقل والسيادة الوطني
يُبرم الاتفاق بين الإدارة الذاتية وشركة ExxonMobil ضمن إطار مستقل عن حكومة دمشق، التي تُصر بموجب دستورها وقوانينها الوطنية على أن جميع الموارد النفطية ملك سيادي للدولة السورية. ومن هنا يبرز التساؤل القانوني الأساسي: في حال اشتدت مواءمة المصالح السياسية بين دمشق والإدارة الذاتية، هل ستنتقل الاتفاقية إلى النظام القانوني لسوريا؟ وهل ستخضع للإدماج مع قوانين الدولة لضمان حقوق دمشق في تناول حصتها من الثروات؟
تستحضر هذه التساؤلات سيناريو إقليم كردستان العراق، الذي أبرم عقودًا نفطية مستقلة مع شركات أجنبية على الرغم من احتجاج الحكومة العراقية المركزية. انتهت تلك التجربة بنزاعات قانونية حادة واضطررت أربيل لاحقًا لإعادة التفاوض بشأن آليات إدارة العائدات النفطية. قد يشير هذا السيناريو إلى أن الاتفاق السوري كما هو اليوم يمثل مرحلة مؤقتة، قد تُعاد صياغتها إذا ما فرضت الدولة سيادتها الوطنية على كافة الموارد بصورة قانونية الصرفة.
بنود الاتفاقية النفطية بين الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا وشركة ExxonMobil
من خلال بنود الاتفاق نهعلم ان الاصيغة هي نهائية وليست صياغة تفاوض مقترحة كاتفاقية تعاون ، فهي تجمع بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية والقانونية والتشغيلية. فيما يلي نستعرض أهم بنود الاتفاق والترتيبات المعلنة:
1. دور الشركة الأمريكية كمقاول
- تنفيذ الخدمات المتفق عليها: تعمل شركة ExxonMobil بمثابة مقاول خارجي يتم التعاقد معه لتنفيذ خدمات محددة، بحيث يتم الحصول على أجرها من خلال بيع كمية محددة من النفط بسعر خاص.
- نقطة محورية: أرباح الشركة تقتصر على تعويض قيمة الخدمات المقدمة دون الحصول على أي حصة مباشرة في الاحتياطي النفطي، الذي تظل ملكيته للإدارة الذاتية.
2. تفاصيل الخدمات المقدمة
- الخدمات التقنية: تقوم ExxonMobil بإدارة وتنفيذ عمليات التنقيب والتنمية والاستغلال في مساحة محددة وفق بنود العقد، مما يشمل:
- إدارة برامج الاستكشاف والتنقيب.
- تنفيذ عمليات تطوير الآبار وتشغيلها.
- الخدمات المالية: تلتزم الشركة بتوفير التمويل اللازم لتنفيذ المرحلة الأولية من البحث والحفر والدراسات الفنية، وذلك وفق آلية تمويلية تتمثل في:
- تقديم قروض بدون فوائد لأنشطة البحث والدراسات الأولية تُسترد فقط عندما يتم التوصل إلى نفط تجاري.
- توفير قروض بفوائد محددة لتمويل عمليات التنمية والاستغلال تفترة تطوير الآبار.
- تحمل المخاطر: تختص ExxonMobil بتغطية كافة النفقات المتعلقة بعمليات البحث والتنقيب والتطوير، ويتحمل المشروع كامل المخاطر التشغيلية في حال عدم التوصل إلى نفط تجاري.
3. الهيكلة المالية ونظام توزيع العائدات
- استرداد النفقات: تُسترد نفقات التشغيل التي تتكبدها ExxonMobil بنسبة 40% من الإنتاج السنوي الإجمالي.
- توزيع الإنتاج: يتم توزيع النفط المتبقي وفق النسب التالية:
- 65% تذهب للإدارة الذاتية.
- 35% تُمنح لشركة ExxonMobil.
- آلية التقييم والتسعير: يُستخدم المتوسط المرجح للأسعار المحققة خلال العام لتحديد قيمة النفط الذي يُسترد منه التمويل. وفي حال وجود عقود بيع طويلة الأمد بسعر أعلى، يُمنح الخيار لشركة ExxonMobil بين:
- قبول التقييم بسعر أعلى لتسديد نفقات التشغيل.
- أو تسليم النفط للإدارة الذاتية مقابل الحصول على قيمته نقداً.
- بند الشراء المحلي: تحتفظ الإدارة الذاتية بحق شراء 25% من حصة ExxonMobil بسعر التكلفة الأصلي بالإضافة إلى 20 سنتًا أمريكيًا للبرميل، مما يؤكد التوازن بين تدفق العائدات واستدامة أسعار السوق المحلية.
- تصرف حصص الإنتاج: إذا لم تحتفظ الإدارة الذاتية بحصتها بشكل مباشر، فإن ExxonMobil تتعهد بتسويق تلك الحصة وفق نظام يحمي احتياجات الاستهلاك المحلي.
احتمالات إعادة التفاوض في ظل تحولات السلطة
بموجب هذا الاتفاق الشامل يبقى السؤال كيفية اعادة تطبيق الاتفاق في حال سيطرة حكومة دمشق على لابار النفطية ، هل هذه المعادلة المالية قابلة لإعادة التفاوض من جديد وخاصة ان لقاء ترامب الشرع فتح صفحة جديدة مع تعد الشرع بوصول شركات النفطية الامريكية الى سورية بيسر ، اما ان الامر قد يقود إعادة صياغة نسب التوزيع بما يكفل للدولة حصة أكبر من عائدات النفط والغاز، لتعزيز السيادة الوطنية على الثروات.
البعد الأمني: تأمين الحقول وسط هشاشة السيادة
ليس الجانب القانوني أو الاقتصادي وحدهما من يحدد مصير هذه الصفقة، بل تدخل الشعارات الأمنية في معادلة اللعب أيضًا. في ظل التحولات المستمرة وفي وقت يعد النظام السياسي السوري متذبذبًا على مدار الساعة، يصبح تأمين المنشآت النفطية، وخطوط الإمداد، وإدارة المخاطر الأمنية تحديًا كبيرًا. فأي تغيير في الموازين القانونية أو التوزيعية قد يترك فجوات أمنية تستهدفها عوامل خارجية تسعى لاستغلال الاضطرابات وخاصة من قبل القوى المحلية و مليشيات الايرانية و داعش .
لذا لابد من اخذ هذه الاحتمالات بالاعتبار لانها قد تسرع عملية التفاوض بين الادارة الذاتية و حكومة دمشق مما يحمي تلل الاستثمارت وتجعل تفاوض مع الشركة اسهل ولمصلحة جمع الاطراف.
الطريق إلى المستقبل: تقاطع المصالح والسيادة الوطنية أم صدام قادم؟
يعكس هذا الاتفاق مدى تعقيد المشهد السوري الذي يتداخل فيه البعد الاقتصادي مع المعارك القانونية والسياسية والأمنية. ففي حين تحاول الإدارة الذاتية استخدام نموذج اقتصادي مشترك مع شركة عالمية كوسيلة لكسب ود الولايات المتحدة وتأكيد استقلالها الاقتصادي، تصر حكومة دمشق على استعادة السيطرة على الثروات الطبيعية وإعادة رسم المعادلات بما يخدم المبادئ الوطنية وسيادتها القانونية.
في نهاية المطاف، ستحدد التحولات السياسية مستقبل هذه الاتفاقيات؛ إذ قد يؤدي الانفتاح السياسي بين دمشق والإدارة الذاتية إلى إعادة ترتيب مفاصل العقود النفطية، مما يعيد للدولة السورية رسم حدود مشاركتها في المشهد النفطي ويضمن لها حصة أكبر من العائدات. ومع استمرار الضغوط الدولية والمحلية، تظل الصفقة النفطية الحالية اختبارًا حقيقيًا لعلاقة القوى بين الداخل السوري والداعمين الخارجيين، في ظل احتمالات إعادة التفاوض والتعديل المستمرين مع تغير موازين القوى في قلب المنطقة.
مع بقاء السؤال قائمًا حول مصير الاتفاق، يتضح أن المستقبل يحمل تحديات وآفاقًا محفوفة بالمخاطر والفرص على حد سواء، مما يستدعي رقابة دقيقة من قبل المحللين والخبراء حول كيفية تطور هذه المفاوضات وتأثيرها على السياسات الاقتصادية والأمنية في سوريا والساحة الإقليمية.