نور ملحم
يمثل القطاع المصرفي في سورية إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث يتألف من ستة مصارف حكومية، أقدمها المصرف الزراعي التعاوني الذي تأسس عام 1888، إضافة إلى المصرف التجاري السوري، المصرف الصناعي، المصرف العقاري، مصرف التوفير، ومصرف التسليف الشعبي. وقد لعبت هذه المصارف دورًا رئيسيًا في تمويل المشاريع الاقتصادية ودعم النشاط التجاري. وشهد القطاع المصرفي توسعًا ملحوظًا منذ عام 2004، مع تأسيس 11 مصرفًا خاصًا وأربعة مصارف إسلامية، عقب صدور قانون عام 2002 يسمح بإنشاء بنوك خاصة ومشتركة، حيث ساهم ذلك في تنشيط القطاع المصرفي وتنوع الخدمات المالية في البلاد.ورغم هذا التوسع، يواجه القطاع المصرفي في سورية تحديات كبيرة نتيجة العقوبات الاقتصادية، التي فرضت قيودًا صارمة على التعاملات المالية، وأثّرت بشكل مباشر على قدرة المصارف المحلية على الوصول إلى الأسواق العالمية. ومع تصاعد الحديث عن إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية، تبرز آمال جديدة بإعادة تنشيط النظام المصرفي، واستعادة الثقة في المؤسسات المالية، وفتح المجال أمام الاستثمارات الدولية، مما قد يساهم في دعم الاقتصاد السوري وتسريع عمليات إعادة الإعمار. غير أن نجاح هذه المرحلة يعتمد على سرعة تنفيذ إجراءات رفع العقوبات واستجابة الأطراف الفاعلة، إضافةً إلى التخطيط السليم لضمان تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام.
وقبل عام 2011، كانت سبعة مصارف لبنانية تعمل في سورية، وهي: بنك سورية والمهجر، بنك عوده – سورية، بنك بيبلوس – سورية، فرنسبنك – سورية، بنك الشرق، بنك سورية والخليج، وبنك بيمو السعودي الفرنسي، إلا أن الأزمة السورية أدت إلى خروج مصرفين من السوق، مما أثّر بشكل مباشر على حجم النشاط المصرفي داخل سورية. إلى جانب ذلك، كانت هناك ثلاثة مصارف لبنانية تعمل في المنطقة الحرة، وهي: سوسيتيه جنرال، بنك لبنان والمهجر، والشركة المصرفية العربية، التي يمتلك البنك اللبناني الفرنسي غالبية أسهمها. ويعكس ذلك امتداد النشاط المصرفي اللبناني إلى السوق السورية قبل أن تتراجع حركة التمويل بسبب التطورات السياسية والاقتصادية في البلاد.
في هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي فادي عياش، في حديثه، إن التطورات الإيجابية الأخيرة بشأن إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية، رغم تعقيداتها، تمثل فرصة مهمة لتحقيق تعافٍ اقتصادي واستقرار نسبي. وأوضح أن إلغاء العقوبات الأميركية سيحفّز الدول والتكتلات الاقتصادية على الاستثمار في إعادة إعمار سورية، كما سيساعد على تسريع اندماج الاقتصاد السوري في النظامين الإقليمي والعالمي، ولا سيما في المنظومة المصرفية الدولية، التي تُعد شرطًا أساسيًا لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات.
وأشار إلى أن هذا التحول قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ”تيار الإقلاع”، حيث ستبرز الحاجة إلى قدرات تمويلية ضخمة في المرحلة الأولى، مما قد يرفع التكاليف ويؤثر مؤقتًا على سعر الصرف والدخل والأسعار، لكنه توقع أن تعود التوازنات الاقتصادية تدريجيًا، وتبدأ بتحقيق معدلات نمو إيجابية. ولفت عياش إلى أن نجاح هذه المرحلة سيعتمد على سرعة تنفيذ إلغاء العقوبات، ومدى استجابة الأطراف الفاعلة، إضافة إلى التخطيط السليم للاستفادة من الفرص المتاحة، مشددًا على أن الحكومة مطالبة بالاستعداد الكامل لهذه المرحلة، عبر إعداد خطة اقتصادية شاملة تضمن تحقيق التعافي والنمو المستدام، وتواكب التحولات المقبلة لضمان استثمار الفرص بالشكل الأمثل.
بدوره، أكد المحلل الاقتصادي يونس الكريم في حديثه ، أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية تسببت في شلل شبه كامل للقطاع المصرفي، حيث لم تكن تستهدف هذا القطاع بشكل مباشر في البداية، باستثناء القيود الأميركية والأوروبية، إذ ظل الاتحاد الأوروبي أحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للنظام السوري. وأوضح كريم أن العقوبات أدت إلى انسحاب العديد من البنوك الدولية خوفًا من اعتبارها شريكة في جرائم الحرب، كما تراجع مستوى التكنولوجيا المصرفية والتدريب والعلاقات الخارجية، إضافةً إلى غياب التطورات التشريعية التي تمكّن المؤسسات المالية من مواكبة الأنظمة الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب والتعاملات المصرفية.
أما بالنسبة لقطاع التأمين، فهو يُعدّ جزءًا حيويًا من المنظومة المالية في سورية، حيث يضم 12 شركة تأمين خاصة تعمل إلى جانب المؤسسة العامة السورية للتأمين، وهي الشركة الحكومية الوحيدة في هذا المجال، وتقدم هذه الشركات خدمات متنوعة تشمل التأمين الصحي، تأمين المركبات، تأمين الممتلكات، والتأمين ضد الكوارث، مما يسهم في دعم السوق المالية وتوفير حلول اقتصادية للأفراد والمؤسسات. ورغم أن بعض شركات التأمين العاملة في سورية لديها ارتباطات دولية أو شراكات مع مؤسسات تأمين أجنبية، مثل الشركة السورية الكويتية للتأمين والشركة السورية الدولية للتأمين – آروب، التي تُعد جزءًا من مجموعة تأمين عالمية، إلا أن هذه الشركات تواجه عقبات كبيرة بسبب القيود المفروضة على التعاملات المالية الدولية، مما أدى إلى اقتصار نشاط معظم الشركات.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي سمعان الخير ، أن رفع العقوبات الاقتصادية عن شركات التأمين يمكن أن يشكل نقطة تحوّل رئيسية في القطاع المالي، حيث سيتيح لهذه الشركات التوسع في خدماتها واستعادة نشاطها الطبيعي. وأضاف الخير أن استعادة الثقة المالية ستساعد شركات التأمين على إعادة بناء علاقاتها مع المؤسسات المالية العالمية والاستفادة من الخبرات الدولية في إدارة المخاطر. ومن الناحية الاستثمارية، أوضح سمعان الخير أن إزالة العقوبات يمكن أن تحفّز دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق السورية، مما يعزز فرص التوظيف، ويدعم تطوير التكنولوجيا المالية، ويساعد على تحسين القدرة التنافسية عالميًا. كما سيساهم ذلك في تحسين فرص التوظيف، نظرًا إلى الحاجة إلى كوادر مالية ومهنية قادرة على إدارة عمليات التأمين وفق المعايير الحديثة. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا التحول مرتبطًا بقدرة المؤسسات المصرفية وشركات التأمين على الاندماج مع المتغيرات الاقتصادية والاستفادة من الفرص المتاحة.