الرئيسية » عودة سوريا إلى SWIFT: انفتاح مالي حقيقي أم خطوة رمزية؟

عودة سوريا إلى SWIFT: انفتاح مالي حقيقي أم خطوة رمزية؟

بواسطة Younes

غنوة كنان

بعد سنوات من العزلة المالية، تعود سوريا إلى نظام “سويفت” للمدفوعات الدولية خلال أسابيع، في خطوة تُعتبر الأبرز منذ رفع جزئي للعقوبات الأميركية في مايو الماضي. فهل تمثل هذه الخطوة بداية حقيقية لاندماج النظام المالي السوري بالأسواق العالمية، أم تبقى مجرد إجراء رمزي بانتظار إصلاحات أعمق؟

الامتثال والجاهزية البنكية

رغم الإعلان الرسمي عن عودة سوريا إلى نظام ، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه الخطوة لا يزال يواجه عقبات تقنية وتشريعية متداخلة؛ ما يجعلها في نظر بعض المحللين أقرب إلى إعلان رمزي ما لم تترافق مع إصلاحات بنيوية جذرية في النظام المالي.

الخبير الاقتصادي خالد التركاوي يلفت في تصريحه إلى أن المصارف السورية، وبعد أكثر من 13 عاماً من الانقطاع، أصبحت تعمل بأنظمة تشغيلية مختلفة تماماً عن المعايير العالمية. ما يجعل أولى الخطوات الضرورية هي إعادة تحديث البنية التحتية المصرفية، خاصة في ما يتعلق بأنظمة الامتثال ومكافحة غسل الأموال والتعاملات الإلكترونية.

ويؤكد أن نظام (SWIFT) لا يقتصر على كونه أداة تحويل، بل هو منظومة رقابية دقيقة تتطلب جاهزية تقنية وتطبيقات متطورة وقدرة على التفاعل اللحظي.

ويضيف أن أحد الشروط الأساسية لتفعيل النظام هو وجود شبكة من البنوك المراسلة التي تضمن موثوقية التعاملات بين البنوك السورية ونظيراتها حول العالم، وهو ما يستلزم توقيع اتفاقيات وعقود تعاون، فضلاً عن معالجة قضايا الاتصال وسرعة الاستجابة، والتي لا تزال تعاني منها المصارف السورية. ومع ذلك، يعتبر التركاوي أن الخضوع لمعايير SWIFT قد يدفع البنوك السورية إلى تحسين أدائها الداخلي وتطبيق المعايير الدولية، بما في ذلك تعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي.

ويوضح أيضاً أن البيئة التكنولوجية بدورها تطرح تساؤلات إضافية: هل ستُستخدم رسائل البريد الإلكتروني لتأكيد التحويلات؟، وما مدى سرعة استجابة الإنترنت في ؟. وهل تمتلك البنوك تطبيقات متخصصة تتيح لها التعامل الفوري مع شبكة SWIFT؟. هذه الأسئلة تكشف أن التحول ليس مجرد قرار إداري، بل يتطلب بنية رقمية جاهزة وفعالة.

في المقابل، يركّز يونس الكريم الخبير الاقتصادي المختص بالشأن السوري، على أن العقبة الأكبر ليست تقنية، بل تتعلق بغياب البيئة التشريعية والمؤسسية اللازمة للامتثال. ويرى أن معظم المصارف تضم شخصيات خاضعة لعقوبات أوروبية وأميركية، ولا توجد قوانين فعالة لتطبيق الشفافية أو محاربة الفساد.

ويضيف في تصريحه، أن ما جرى حتى الآن من تسويات سياسية داخلية مع تلك الشخصيات لا يُقنع المجتمع الدولي، بل يرسّخ انطباعاً بأن النظام المالي لا يزال غير مؤهل للعمل بشفافية.

ويحذر الكريم من أن النظام المصرفي في سوريا، في صيغته الحالية، لا يمكنه كسب ثقة المصارف العالمية، خاصة في ظل استمرار شركات غير مرخصة مثل «شام كاش» بالتحكم في حركة السيولة، وغياب فروع لمصارف دولية إضافة لغياب أي إصلاح حقيقي لدور المصرف المركزي الذي لا يملك، بحسب تعبيره، رؤية نقدية واضحة، بل يتصرف بردود فعل ظرفية دون استراتيجية.

كما يلفت إلى أن العقوبات التي تم رفعها جزئياً بدافع إنساني لم تُترجم حتى الآن إلى أي تغيير جذري في بيئة الأعمال، ويشير إلى أن البنوك الدولية، قبل اتخاذ أي قرار بالتعامل مع سوريا، ستعتمد على تقارير الإنترنت، والمقالات الدولية، ومراجعات المستشارين المصرفيين، وهي جميعها – حتى اللحظة – لا تصب في صالح دمشق.

ومن ناحيته أكد عامر شهدا الخبير المصرفي والاقتصادي السوري، أن أبرز العقبات تكمن في مدى جهوزية البنوك السورية للتعامل. وأكد أن البنوك لن تستطيع الاستفادة من SWIFT إذا لم تكن تملك كوادر بشرية مدرّبة، خصوصاً في العلاقات الخارجية، والتواصل مع البنوك المراسلة، وفهم الرسائل المشفّرة الخاصة بالنظام، والتي تتطلب دقة عالية؛ لأن أي خطأ صغير فيها يمكن أن يوقف العملية بالكامل.

من المستفيد من SWIFT؟

يرى التركاوي أن القطاع المالي سيكون أول المستفيدين، إذ يُتوقع أن تعود البنوك إلى العمل بعد سنوات من التوقف؛ ما يمهّد الطريق لتيسير حركة التحويلات، وتوسيع نشاط المؤسسات الإنسانية، وتسهيل وصول الأموال للأسر التي تعتمد على تحويلات أقاربها في الخارج.

ويضيف أن قطاع التجارة الخارجية، سيتحرّك بدوره مع استعادة القنوات الرسمية، إلى جانب تأثيرات مباشرة على الاقتصاد غير الرسمي مثل نشاطات الفريلانسرز، الذين طالما عانوا من محدودية الخيارات البنكية.

أما الكريم، فيقدّم نظرة أكثر حذراً، موضحاً أن الاستفادة النظرية من SWIFT تبدأ بالفعل من تحريك التجارة الخارجية، حيث يفتح باب الاستيراد على مصراعيه، وخلالها يبدأ تنشيط استيراد مستلزمات الإنتاج الصناعي، وصولاً إلى تحريك قطاع العقارات.

لكنه يُشدّد على أن هذا السيناريو يصطدم بواقع ضعف البيئة القانونية وغياب ثقة البنوك الدولية، ما يجعل الحديث عن آثار اقتصادية أوسع «سابقاً لأوانه».

ويؤكد الكريم أن الوضع الحالي لا يتيح لـ SWIFT سوى دور إنساني محدود، يتمثل في تسهيل تحويلات المنظمات غير الحكومية والمانحين الدوليين إلى الداخل السوري. ويرى أن أي أثر تجاري أو صناعي مستدام يتطلب بيئة تنظيمية سليمة، وإصلاحاً مؤسسياً عميقاً داخل المصرف المركزي، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

ويرفض شهدا الربط المباشر بين SWIFT وتدفّق الاستثمارات، ويعتبره مبالغة، موضحاً أن المشكلة ليست في نظام التحويل، بل في البيئة العامة. فالمستثمر عندما يريد دخول السوق السورية، لا يسأل فقط عن وجود نظام SWIFT، بل يبحث عن مصارف يمكن الوثوق بها، وعن قوانين واضحة، وسوق محلي فيه طلب واستهلاك فعلي. لذلك، يرى أن الاستثمار الحقيقي يبدأ من المجتمع، لا من الأنظمة البنكية فقط.

تجفيف السوق السوداء

تشكل كلفة الحوالات المالية واحدة من أكثر المسائل إلحاحاً في الاقتصاد السوري، وهي من أبرز المجالات التي قد تستفيد سريعاً من إعادة تفعيل نظام SWIFT. في هذا السياق، يتفق كل من خالد التركاوي ويونس الكريم على أن الطرق غير الرسمية تُثقل كاهل السوريين بكلف مرتفعة، وأن أي خطوة نحو القنوات الرسمية قد تُحدث فارقاً حقيقياً، لكن بشرط توافر الثقة والجاهزية البنكية.

يشير التركاوي إلى أن التحويلات عبر الطرق غير النظامية كانت، في بعض الحالات، تُكلّف المرسل نحو 10% من قيمة الحوالة، ويُقدّر أن هذه الكلفة يمكن أن تنخفض إلى أقل من 1% عند استخدام قنوات SWIFT لكنه يُحذر في الوقت ذاته من أن انخفاض الكلفة وحده لا يكفي، فنجاح النظام مرتبط بثقة المتعاملين وقدرة البنوك المحلية على تسليم الأموال بسرعة ومن دون تأخير أو نقصان.

من جانبه، يذهب يونس الكريم إلى أن الكلفة الحالية للحوالات عبر شركات الصرافة الرسمية مثل ويسترن يونيون قد تصل إلى 15%؛ ما يجعلها غير مجدية بالنسبة لأغلب العائلات، خصوصًا أن نحو 70% من الحوالات تكون أقل من 100 دولار في حين كانت سابقاً تتم عبر القنوات غير الرسمية لا تتجاوز ٧%.. ويُشير إلى أن هذه التكاليف المرتفعة، بالتزامن مع الغلاء المعيشي في الداخل، دفعت كثيرين إلى التوقف عن إرسال الحوالات بشكل ملحوظ، وهو ما ظهر جلياً خلال عيد الفطر الأخير.

ويرى الكريم أن تفعيل SWIFT سيسمح بخفض الكلفة إلى ما بين 4 و10 بالألف، وهي نسبة رمزية تُعيد للحوالات قيمتها خاصة لقطاع الأعمال، وتحفّز على استخدامها. كما يُلفت إلى أن بعض التجار أصبحوا يُفضّلون حمل الأموال يدوياً من إلى سوريا أو اللجوء لنظام «المقايضة» بدلاً من التحويل البنكي، ما يُضعف القطاع المصرفي ويحول دون إعادة بناء احتياطاته من العملة الأجنبية.

المصدر :إرم بزنس

مقالات ذات صلة