في لقاء وصف اعلامياً بالرسمي ضم نخبة من رجال الأعمال السوريين والعرب، تم استعراض فرص الاستثمار المستقبلية في سوريا، في محاولة لرسم ملامح ما يُوصف بـ”الاقتصاد السوري الجديد”. شارك في هذا الحدث رجل الأعمال السوري/البريطاني عدنان شماع، إلى جانب شريكه فادي إيلي حلاق، المؤسس المشارك لشركة بلو فايف كابيتال، كما انضم إليهم الدكتور فيصل خالد كانو، عضو مجلس إدارة مجموعة كانو ذات النفوذ الاقتصادي في الخليج، والتي ترتبط بشراكات استراتيجية مع شركات كبرى مثل مايرسك وتُعد مورداً رئيسياً لشركة أرامكو السعودية.
وجاء اللقاء في سياق تفاعلات سبقتها زيارة لرجل الأعمال السوري/القطري معتز الخياط، رئيس مجلس إدارة مجموعة Power International Holding (PIH)، حيث دار النقاش حول آليات المساهمة في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة.
ورغم أن هذا الحراك الاستثماري يشي بنوايا إيجابية للنهوض بالواقع الاقتصادي، إلا أن اللقاءات أثارت جدلاً واسعاً وتساؤلات جوهرية حول طبيعة هذا النموذج الاقتصادي الجديد. إذ ظهرت انتقادات حادة لما وُصف بتغوّل دور الوسطاء وتآكل الأدوار المؤسسية للدولة، حيث تتجه بعض الشخصيات المحسوبة على “الدوائر الاقتصادية العليا” نحو لعب أدوار تشبه السمسرة أكثر من كونها فاعلة في الاستثمار الحقيقي.
ففي الوقت الذي يُفترض أن مؤسسات الدولة هي من تنظم المناقصات وتدير الموارد، يبدو أن آليات اتخاذ القرار باتت تخضع لتأثير غير رسمي من رجال أعمال نافذين، كما يُلاحظ في حالة بيت الخياط، الذي تحوّل – وفقاً لعدد من المراقبين – من لاعب اقتصادي إلى وسيط داخل شبكات النفوذ، بطريقة تُذكّر بالدور الذي لعبه محمد حمشو سابقاً كـ”سمسار” غرفة الاقتصاد داخل القصر الجمهوري.
غياب المناقصات العلنية والاعتماد المتزايد على العلاقات الشخصية بدلاً من المعايير المؤسسية أضعف الثقة بالبيئة الاستثمارية وأثار شكوكاً حول مصداقية التوجهات الاقتصادية للدولة. هذا التوجه لا يشير فقط إلى ضعف في البنية المؤسسية، بل يُنذر بخطر أعمق يتمثل في ترسيخ نظام اقتصادي يقوم على المحسوبية والولاءات بدلاً من الشفافية والكفاءة.
إن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى عزوف المستثمرين الحقيقيين، خاصة من الخارج، عن الدخول في السوق السوري، لما يكتنفه من ضبابية وغموض في الإجراءات، فضلاً عن تغييب المعايير التنافسية التي تُعد أساساً لأي اقتصاد سليم. ومع تفشي دور السماسرة وغياب الحوكمة، تبدو الدولة عاجزة عن فرض معايير الإنصاف وتكافؤ الفرص، وهو ما يُهدد بخلق اقتصاد غير مستقر وغير قابل للنمو المستدام.
ولعل أبرز ما تطرحه هذه الانتقادات هو الحاجة الملحة لإصلاحات هيكلية تعيد للدولة دورها المركزي كمُنظم وضامن للعملية الاقتصادية. ويشمل ذلك ضرورة سن قوانين صارمة تُعزز من الشفافية، وتُعيد الاعتبار للمناقصات العامة المفتوحة، وتحاصر أدوار الوساطة التي تنخر في جسد الاقتصاد الوطني.
في الختام، لا شك أن الرغبة في النهوض بالاقتصاد السوري وإعادة تدوير عجلة الاستثمار تمثل خطوة ضرورية في سياق ما بعد الحرب، إلا أن النجاح في ذلك مرهون بإرادة حقيقية لكسر الحلقة المفرغة من النفوذ غير الرسمي، واستعادة الدولة لسلطتها التنظيمية بعيداً عن شبكات المصالح الخاصة. فدون هذه الإصلاحات، سيبقى المشهد الاستثماري محكوماً بالتجاذبات، عاجزاً عن تحقيق التنمية المتوازنة أو جذب رؤوس الأموال الجادة.