الرئيسية » زيارة لامي إلى دمشق.. بريطانيا تبحث عن دور جديد في المنطقة

زيارة لامي إلى دمشق.. بريطانيا تبحث عن دور جديد في المنطقة

بواسطة Younes

احمد الكناني

تشير التقديرات السياسية إلى أهمية غير معلنة تنطوي عليها زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى دمشق مؤخرًا، وإعلانه إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا والتي جاءت عقب رفع العقوبات البريطانية عن مؤسسات مثل البنك المركزي السوري و23 كيانًا أواخر نيسان/ أبريل الماضي.

وتحمل هذه الزيارة دلالات عميقة من منظور سياسي، وتحولًا في السياسة البريطانية نحو الانخراط البراغماتي مع الحكومة السورية الجديدة، بهدف دعم الاستقرار وتقليل مخاطر الهجرة غير النظامية، تدمير الأسلحة الكيميائية، ومكافحة الإرهاب، وهي مصالح مباشرة لبريطانيا. إلا أن ما سرب عن ملفات إقليمية جرى بحثها مع الرئيس الشرع يشي بدور جديد وخطوط ترسمها السياسة البريطانية في المنطقة.

زيارة متأخرة!

يعتقد الأكاديمي والباحث، مروان حمي، أن اختيار التوقيت يعكس عدة عوامل: أولًا، التغيير السياسي في سوريا بعد الإطاحة بالأسد، مما فتح نافذة لإعادة تقييم العلاقات مع قيادة جديدة تبدو أكثر استعدادًا للتعاون مع الغرب. ثانيًا، قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنهاء العقوبات على سوريا قبل أيام من زيارة لامي، مما شجع بريطانيا على التحرك بسرعة لتجنب التخلف عن الولايات المتحدة في التأثير على المشهد السوري، إضافة إلى أنه من المحتمل أن تكون بريطانيا قد أجرت اختبارات مبدئية لنوايا الحكومة السورية الجديدة، مثل التزاماتها بتدمير الأسلحة الكيميائية وحماية الأقليات، وكذلك لما ورد في تصريحات لامي عن الحاجة إلى “انتقال سياسي شامل وشفاف”.

فيما يرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية سركيس قصارجيان أن الزيارة وإن جاءت متأخرة في سياقها الدبلوماسي إلا أن بريطانيا من أوائل الدول التي راهنت على الرئيس الشرع في تسلم زمام المرحلة الانتقالية، وقدمت له الدعم الأمني والاستخباراتي لإسقاط النظام، كذلك رفعت العقوبات عن وزارات سيادية مثل الداخلية والدفاع، ومؤسسات أمنية وعسكرية، حتى قبل إعلان ترامب رفع العقوبات رسميًا عن سوريا.

لندن وجهة قادمة

يعتقد الباحث حمي أنه قد تكون هناك مطالب بريطانية تمت تلبيتها جزئيًا من قبل دمشق، فيما يتعلق بضمان حقوق الأقليات أو التعاون الأمني، وعليه فإن تأخر زيارة الشرع لبريطانيا سببه قرار استراتيجي لتعزيز موقفه أو انتظار حلحلة ملفات داخلية وإقليمية حساسة، لاسيما أنه يواجه تحديات داخلية تتعلق بتوحيد الفصائل السورية وتطمين الأقليات، بالإضافة إلى ضغوط إقليمية من دول مثل وخاصة إسرائيل.

ولفت حمي إلى أن من المرجح أن تكون الدعوة البريطانية مشروطة بتقدم ملموس في ملفات مثل الشمولية السياسية وحقوق المرأة، كما أشار لامي في تصريحاته، ومن المتوقع أن تتم زيارة الشرع لبريطانيا لاحقًا، وربما تأتي الزيارة بعد مفاوضات حول قضايا مثل إعادة فتح السفارة السورية في لندن أو إنشاء مجلس اقتصادي سوري-بريطاني، كما ورد في بيانات الجانب السوري.

ترسيم الحدود مع لبنان

شكل ملف ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان محورًا رئيسًا في مباحثات الرئيس الشرع مع وزير الخارجية البريطاني، وهو ما تم تسريبه عقب لقاء جمع الوزير لامي والرئيس اللبناني جوزيف عون مباشرة بعد مغادرته دمشق، حيث تم التطرق لقضية الترسيم وضبط الحدود بين سوريا ولبنان.

يعتقد الخبير الاقتصادي، يونس الكريم، أن بريطانيا تعمل جاهدة على إنجاز ملف ترسيم الحدود لأسباب متعلقة بتقليص الدور الروسي في طرطوس وطرابلس، والإيراني في لبنان، لا سيما وأن بريطانيا تشكل امتدادًا للنفوذ الأوروبي والأميركي في المنطقة، لافتًا إلى أن أي عملية تطبيع في العلاقات السورية الاسرائيلية ستواجه هذا الملف بما في ذلك قضية مزارع شبعا، منوهًا إلى الدور البريطاني في العمل على إطلاق عمليات الاستثمار البحرية، عبر الشركات البريطانية بعد ترسيم الحدود البحرية.

فيما يرى الباحث مروان حمي أن دور بريطانيا قد يتركز في تقديم الدعم الدبلوماسي والفني لعمليات الترسيم، مثل تمويل برامج المراقبة الحدودية أو دعم الأمم المتحدة في الإشراف على العملية، مع الاستفادة من خبرتها في الوساطة الدولية. ومع ذلك، أي دور بريطاني مباشر قد يكون محدودًا بسبب حساسيات إقليمية، خاصة مع وجود إسرائيل كطرف فاعل في المنطقة، يعزز ذلك دعوة لامي الحكومة الإسرائيلية إلى “إعادة التفكير” في أعمالها العسكرية في سوريا، ما يجعل دورها وسيطًا دبلوماسيًا أكثر من كونه طرفًا تنفيذيًا مباشرًا في ترسيم الحدود.

دعم بريطاني؟

لم تخل زيارة وزير الخارجية البريطانية من تقديم الدعم والمساعدة المالية إلى سوريا والتي قدرت بقيمة 94.5 مليون جنيه استرليني، وفي هذا الإطار يشير الخبير الاقتصادي يونس الكريم إلى تركيز الدعم البريطاني على المجتمع المدني في سوريا، مشيرًا إلى أن الدعم البريطاني للمجتمع المدني يشكل لها قاعدة بيانات يبنى عليها في اجراءاتها السياسية والأمنية، إضافة إلى تشكيل المعلومات الكافية حول البيئة الاستثمارية للشركات الأوروبية المستثمرة في سوريا.

فيما يؤكد حمي بأن الدعم البريطاني يأتي في إطار تعزيز نفوذها في مواجهة قوى مثل روسيا وإيران، اللتين دعمتا نظام الأسد سابقًا، وكذلك موازنة العلاقات مع إسرائيل ودول الخليج مثل الكويت، التي زارها لامي لمناقشة الأمن الإقليمي. هذه المصالح تتطلب من بريطانيا الموازنة بين دعم إعادة إعمار سوريا (من خلال حزمة مساعدات بقيمة 94.5 مليون جنيه إسترليني) والضغط من أجل إصلاحات سياسية، مع الحفاظ على علاقاتها مع حلفاء المنطقة.

المصدر: الترا سوريا

مقالات ذات صلة