منصور حسين
يبدو أن أوضاع سوريا الراهنة التي تثير مخاوف الدول الغربية من الانفتاح السياسي والاستثمار فيها، نشطّت أعمال شركات الاستخبارات التجارية والتحقيقات الأمنية الخاصة، التي بدأت سباق التنافس لتعزيز حضورها في دمشق، باعتبارها سوقاً واعداً في المجال الاستشاري وتقييم المخاطر الجيوسياسية.
فهم تركيبة السلطة
وبحسب موقع “إنتلجنس أون لاين” الفرنسي، المختص في مجال الاستخبارات، تحولت سوريا إلى وجهة ناشئة لشركات تقييم المخاطر الجيوسياسية والتحقيقات الدولية، التي تسعى لفهم تركيبة السلطة الجديدة وتقييم فرص الانخراط الدبلوماسي والاقتصادي.
وكشف الموقع عن دخول العديد من الشركات الخاصة إلى سوريا وأخرى وسّعت نشاطاتها في البلاد مؤخراً، ومنها شركة “GardaWorld” الكندية و”Control Risks Group” الإنكليزية، التي بدأت تعزيز فرقها التحليلية لمتابعة المستجدات السياسية والاقتصادية على الأرض.
إضافة إلى افتتاح شركة “Field Intelligence” مكتبها الخاص في دمشق، وهي شركة أسسها مستشار الأمم المتحدة السابق في لبنان وليبيا والمستشار السابق لمجموعة “تاتا” الهندية، حيث يحظى المؤسسان بدعم استشاري من الرئيس السابق للاستخبارات الدفاعية البريطانية فيليب أوزبورن.
وسبقتهم شركة “Access & Co” المتواجدة عبر فرعها اللبناني في دمشق، بالتعاون مع مؤسسات مالية دولية ومنها البنك الدولي، وتعمل معهم على مهامٍ استخباراتية تجارية، وتتلقى دعماً من مسؤولين سابقين في أجهزة الاستخبارات الفرنسية.
كما تُظهر شركة الاستخبارات الفرنسية ” ADIT”، اهتماماً بدخول السوق، حيث كان مقرراً قيادتها وفوداً موسعة بمشاركة مجموعات اقتصادية كبرى مثل ” Lazard وAccor” الفرنسيتان، بدعم من الخارجية الفرنسية، قبل تأجيل الزيارة نتيجة التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل.
الاستخبارات التجارية موجودة بالفعل
ويوضح الخبير الاقتصادي في مجال المنظمات الدولية أحمد عزوز، أن شركات الاستخبارات التجارية والاستشارات، موجودة في سوريا منذ سنوات الثورة والحرب، إن كان في مناطق سيطرة المعارضة أو النظام البائد، لكن بصورة غير مباشرة، عبر تأسيس أو دعم منظمات إغاثية ومدنية مقابل الحصول على بيانات تخص المنطقة.
وتهتم شركات الاستخبارات التجارية وتقييم المخاطر الجيوسياسية، بجمع وتحليل المعلومات والبيانات المتعلقة بالأسواق والمنافسين والسياسات الحكومية على المستوى الاقتصادي والأمني، لمساعدة الدول والمستثمرين على اتخاذ قراراتهم والقطاعات ذات العوائد المرتفعة، عبر جمع البيانات وتقديم التوصيات ودراسة السوق والمستهلكين وتتبع المنافسين ودراسة المخاطر، بما يمنح العميل قدرة تنافسية أكبر وفهم لمتطلبات السوق والخطط الحكومية في الدول المستهدفة.
ويقول عزوز : “أصبحت نية هذه الشركات دخول سوريا علانية، بعد سنوات من العمل في الظل، وهو ما يعد أمراً طبيعياً مع الاستعداد لمرحلة إعادة الإعمار الجاذبة للدول وصناديق الاستثمار السيادية وكبرى الشركات العالمية، وبالتالي فإن دخولها يجب أن يكون مبنياً على معلومات واضحة حول السوق وفرص الربح والقطاعات المستهدفة، ما يجعل من شركات جمع البيانات وتقييم المخاطر مصدراً رئيسياً للمعلومات الخاصة بالوضع الأمني وتحليل سياسات الحكومة الجديدة، والمستقبل المنتظر للدولة وتوجهاتها”.
خطوة في صالح سوريا؟
ويعتبر عزوز أن وجود هذه الشركات “خطوة جيدة وهامة في الوقت الحالي، كجهة موثوقة في تقديم البيانات، في ظل غياب مراكز الدراسات والأبحاث الاستشارية السورية، الأمر الذي يسهّل عمل الدولة، ويغطي مجالاً لا يزال ضعيفاً في البلاد، عبر توفير المعلومات للمستثمرين المحتملين، إضافة إلى استفادة الحكومة السورية بشكل خاص من هذه البيانات ومساعدتها في تقييم الأوضاع”.
وبالإضافة إلى الفوائد البيانية، يضيف عزوز أن “فرص العمل التي توفرها، تمثل عاملاً هاماً من ناحية رفع كفاءة الموظفين السوريين، إن كان في المجال الأمني، مع الاعتماد الكبير على الكوادر السورية في الحماية، أو العمل التحليلي وجمع البيانات، حيث أن حضورها يقتصر على الكوادر الرئيسية، ما يسهم بنقل الخبرات من الشركات الدولية إلى المحلية.
مخاطر وتهديدات
لكن مدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم، يشير في حديثه ، إلى ضرورة توافر مقومات جاذبة لهذه الشركات، تساعدها على تنمية أعمالها والدخول باسمها التجاري، بدلاً من العمل تحت مسميات مختلفة، كما كان حتى في زمن استقرار النظام البائد، “خصوصاً وأنها مرتبطة مع مكاتب محاماة ومصارف وحكومات خارجية، ما يعني حاجتها إلى وجود بنية تحتية قوية وظروف ملائمة”.
ويضيف الكريم، أنه في مقدمة ما تحتاجة هذه الشركات، “يأتي القدرة على الوصول إلى المعلومات، وترخيص عمل مكاتب المحاماة الدولية، إضافة إلى تواجد مصارف عالمية فاعلة في سوريا، ومع غياب هذه الأساسيات، قد تلجأ الشركات للسماسرة، ما يعرضها للمساءلة القانونية التي تحمل ارتداداتها على الاقتصاد السوري ومصداقيته”.
ومع ذلك، يشدد الكريم على ضرورة متابعة ورقابة عمل هذه الشركات، وضبطها بقوانيين صارمة، “حيث أن انتشارها دون ضوابط رقابية، قد يحمل تبعات مرهقة ومكلفة على المواطن والحكومة، خصوصاً وأنها تتيح دخول أجهزة الاستخبارات وملحقاتها إلى البلاد، بغطاء وظيفي، إضافة إلى وصولها إلى مراكز القرار وإعادة تغيير الشكل الاقتصادي والمؤسساتي للدولة عبر التدخل المباشر”.
كما تُعتبر هذه الشركات بنك معلومات استخباراتي بالنسبة إلى الدول الغربية، حيث تلعب دوراً في مراقبة مراكز القرار السوري على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية، بحسب الكريم، وبالتالي تحليل البيانات لفهم تركيبة النظام الجديد ورجالاته، ما يجعلها جهات مراقبة دولية للإدارة الجديدة وآلية عملها وتطبيقها التفاهمات التي جرى الاتفاق عليها.
المصدر : المدن .