محمد الخنسا
أدت 14 عاماً من الحرب والعقوبات على سوريا إلى تعظيم العجز التجاري، وتشير البيانات الصادرة عن مصرف سوريا المركزي إلى أن هذا العجز، أي الفارق بين ما تصدّره سوريا وما تستورده من سلع وخدمات، كان يعادل نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2011، لكنه ارتفع إلى نحو 28% في العام 2023، ما يعكس تراجعاً في التصدير إلى الأسواق العالمية، وزيادة في اعتماد المستهلكين السوريين على المستوردات من الخارج بشكل متزايد، إلى جانب ضغوط أخرى يفرضها العجز التجاري على الاقتصاد المحلي، مثل فقدان العملة الأجنبية من السوق وإضعاف الليرة السورية وتراجع احتياطيات المصرف المركزي.
فور توليها الحكم في سوريا، سارعت السلطة الجديدة إلى الترويج لنموذج «السوق الحرة» و«الانفتاح التجاري مع الخارج»، باعتباره مساراً فعّالاً لإعادة ربط الاقتصاد المحلي بالأسواق الأجنبية، كمحاولة لتعويض سوريا عن 14 عاماً من الانقطاع عن شبكة التجارة العالمية. لكن أعرب الكثير من الاقتصاديين السوريين عن مخاوفهم من أن الانغماس الأعمى في هذا التوجه قد يفضي إلى اندماج سوريا بشكل مشوّه في التجارة العالمية، ما يراكم العجز في الميزان التجاري. لذا، يقترح هؤلاء الخبراء نموذجاً آخر يركّز على دعم الإنتاج المحلي وضبط التبادل التجاري مع الخارج.
كيف أخلّت الحرب بالميزان التجاري لسوريا؟
وفقاً لبيانات مصرف سوريا المركزي، تراجعت صادرات السلع السورية إلى سُدس قيمتها قبل الحرب، فقد انخفضت من 12.2 مليار دولار أميركي في العام 2010 إلى 2.6 مليار دولار في العام 2023. من جهة أخرى، تراجعت واردات السلع بنسبة أقل من الصادرات، بنحو النصف تقريباً، إذ انخفضت من 17.5 مليار دولار أميركي في العام 2010 إلى 8.8 مليار دولار في العام 2023.
أتت هذه التحوّلات نتيجة سنوات طويلة من تدمير المنشآت الاقتصادية والبنية التحتية الضرورية للإنتاج، إلى جانب العقوبات الصارمة التي قيّدت عمليات الاستيراد والتصدير، فضلاً عن هروب رؤوس الأموال إلى الخارج في ظل النزاع والعقوبات، كما ساهمت موجات الهجرة وأعمال القتل المستمرة في استنزاف القاعدة العمّالية في القطاع الصناعي بشكل كبير.
كان لصادرات النفط نصيب أساسي من الانكماش في إجمالي الصادرات، فبعد أن كانت سوريا في السابق من أكبر مصدّري النفط في شرق البحر الأبيض المتوسط، تحوّلت اليوم إلى دولة مستوردة للنفط. بين عامي 2010 و2024، انخفض الإنتاج السنوي من النفط الخام في سوريا بنسبة 90%، في حين تراجع إنتاج الغاز بأكثر من 60%، ويُعزى هذا إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لقطاع الطاقة، بالإضافة إلى التغيرات المتكرّرة في السيطرة على المناطق الغنية بالموارد.
بينما شهد الإنتاج الصناعي تراجعاً ملحوظاً بسبب الدمار الكبير الذي أصاب المصانع والبنية التحتية، فضلاً عن نقص الوقود والكهرباء، وصعوبة تأمين التمويل، ونقل الكثير من المؤسسات الصناعية الكبرى من مناطق النزاع مثل حلب وإدلب إلى مناطق أكثر استقراراً داخل سوريا أو خارجها. ونتيجة لذلك، انخفضت مساهمة قطاعات التعدين والمقالع والصناعات التحويلية في الاقتصاد من 24% إلى 10% بين عامي 2010 و2022.
تعرّض قطاع الخدمات أيضاً لاضطرابات كبيرة، إذ أدّت تجزئة الأسواق الداخلية إلى إعاقة حركة التجارة والأعمال، وتسبّبت التهديدات الأمنية في توقف السياحة، فيما أثّرت العقوبات الاقتصادية سلباً على الأنشطة المالية والتجارية والاستثمارات.
مع انكماش هذه القطاعات، أصبحت الصادرات السورية تتركز بشكل رئيس في الصادرات الزراعية إلى الدول المجاورة، بما في ذلك الزيوت والدهون الحيوانية والنباتية، والخضروات، والفواكه، والمكسرات. لكن ذلك لا ينفي تكبّد القطاع الزراعي خسائر كبيرة نتيجة تضرر شبكات الري، والظروف الجوية السيئة، ونقص اليد العاملة والبذور والأسمدة والوقود.
تشير البيانات إلى انخفاض إنتاج القمح، وهو المحصول الأهم في سوريا، من 3.8 ملايين طن في العام 2011 إلى 3 ملايين طن في العام 2024. وبالمثل، تراجع إجمالي الثروة الحيوانية من 50 مليون رأس في العام 2011 إلى 39 مليوناً في العام 2023. وأدى انهيار الإنتاج المحلي إلى زيادة كبيرة في الاعتماد على السلع المصنعة والمواد الغذائية المستوردة من الخارج، وباتت واردات الحبوب تغطّي ثلث استهلاك الحبوب في سوريا في خلال الفترة من 2011 إلى 2024.
في الوقت نفسه، أحدثت الحرب تغييرات ديموغرافية استثنائية في التاريخ الحديث. ففي العام 2011، كان عدد سكان البلاد نحو 21 مليون نسمة، لكن في السنوات التالية، فقد ما يقرب من نصف مليون شخص حياتهم، وأصيب أكثر من مليون آخرين، بينما اضطر نحو 13 مليوناً للنزوح من منازلهم.
على الرغم من الصدمة الديموغرافية، حافظ إجمالي عدد العاملين في سوريا على استقراره عند نحو 6.3 مليون شخص، ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى تضاعف معدل مشاركة النساء في سوق العمل بأكثر من مرتين، إذ بات الكثير من النساء مجبرات على الجمع بين العمل المنزلي والرعائي للأسرة والوظائف منخفضة الأجر.
لكن ذلك لم يمنع التحول الجذري في تركيبة القوى العاملة السورية، فقد تراجعت حصة القطاع الصناعي من إجمالي التوظيف بنحو النصف تقريباً بين عامي 2010 و2022، بينما ارتفعت حصة قطاع الخدمات. وبحلول العام 2022، تضاعفت نسبة السوريين العاملين في الأعمال العائلية أكثر من 4 أضعاف مقارنة بالعام 2010، ما يعكس تحوّلاً واضحاً نحو نموذج توظيف يعتمد على القطاع غير الرسمي والإنتاج الصغير نسبياً، وهي قطاعات تفتقر إلى القدرة التنافسية في الأسواق التصديرية الكبرى.
تأثير العقوبات العميق
على الرغم من أن الحرب السورية وحدها أعادت اقتصاد البلاد سنوات عديدة إلى الوراء، لم يرَ الغرب ذلك سبباً كافياً كي لا يمتنع عن استهداف الاقتصاد السوري بإحدى «أشدّ وأعقد أنظمة العقوبات الجماعية في التاريخ الحديث». وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في طليعة من فرضوا العقوبات على سوريا بعد العام 2011، تبعتها جامعة الدول العربية وتركيا ودول أخرى ذات توجه مماثل مثل أستراليا وكندا واليابان وسويسرا.
استهدفت العقوبات قطاعات اقتصادية رئيسة في سوريا مثل النفط والكهرباء وتكنولوجيا المعلومات والمصارف، وغيرها. وتم حظر خدمات مالية معينة، بما في ذلك خدمات توفير العملات الأجنبية لصالح الحكومة السورية، وشملت القيود أيضاً حظراً على البيع أو الشراء أو الوساطة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في تجارة الذهب والمعادن الثمينة والألماس. كما مُنع تصدير توربينات الطاقة وقطع غيارها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب حظر تقديم معدات الاتصالات أو استيراد المنتجات النفطية السورية. في النهاية، أدت هذه العقوبات إلى نقص في مستلزمات الإنتاج، الأمر الذي انعكس سلباً على قدرة البلاد على التصدير.
في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019، تم اعتماد قانون قيصر الأميركي، ودخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو 2020. يُتيح هذا القانون فرض عقوبات على أي جهة، سواء كانت حكومية أو خاصة، يُعتقد أنها تقدم دعماً للحكومة السورية أو لأي من الكيانات والمجموعات المرتبطة بها، أو تشارك في جهود إعادة إعمار سوريا.
أسهمت العقوبات في تضييق نطاق الشركاء التجاريين لسوريا، ففي خلال فترة الحرب، لم يكن لسوريا أي شريك تجاري رئيس من دول ما يُعرف بـ «العالم الشمالي». في العام 2023، تصدّرت تركيا، والسعودية، ولبنان، والهند، والإمارات العربية المتحدة قائمة أبرز الدول المستوردة من سوريا، وكانت إيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة والصين ومصر أبرز 5 دول مصدّرة إليها.
من جهة أخرى، يعدّ تركُّز صادرات سوريا بشكل كبير في المنطقة العربية مؤشراً واضحاً على تراجع حضورها العالمي. فقد حظيت المنطقة العربية بنحو 60% من إجمالي صادرات السلع بين عامي 2011 و2023، بالمقارنة مع 21% فقط في خلال الفترة من 2000 إلى 2010، بينما لم يشهد تركز الاستيراد تطوراً ملحوظاً.
أسفرت هذه العوامل مجتمعة عن عجز متواصل في الميزان التجاري السوري طوال سنوات الحرب. وعلى الرغم من أن أعلى قيمة مطلقة للعجز سُجلت في العام 2012، فإن انكماش الاقتصاد والناتج المحلي لاحقاً جعل أثره أكثر ثقلاً في السنوات التالية.
ما كانت تبعات اختلال التجارة على الاقتصاد في ظل حرب؟
يعاني الاقتصاد السوري من مشكلة بنيوية تجذّرت في فترة الحرب، ومن المحتمل أن تستمر إذا قرر النظام الجديد تبني سياسات اقتصادية لا تصحّح الميزان التجاري للبلاد. تتمثل هذه المشكلة في العجز المستمر في «الحساب الجاري»، الذي يعكس حركة الأموال الداخلة والخارجة من البلاد نتيجة معاملاته الجارية: المعاملات التجارية، والتحويلات المالية، وحركة المداخيل عبر الحدود. وبسبب استمرار تفوق قيمة الواردات على الصادرات بشكل كبير، ظلت التدفقات المالية الخارجة من البلاد تفوق الداخلة إليها، إذ بلغ العجز التراكمي في الحساب الجاري نحو 42 مليار دولار أميركي في خلال الفترة من 2011 إلى 2023.
أدى ذلك إلى استنزاف العملات الأجنبية من السوق المحلية، وهذه ليست مسألة هامشية، إذ إن جميع الدول تحتاج إلى عملات أجنبية، وعلى رأسها الدولار، لإتمام معاملاتها المالية والتجارية مع الخارج. وامتلاك الدولار أصبح أكثر إلحاحاً في ظل نظام الأسد، باعتباره العملة الأساسية للولايات المتحدة التي قادت نظام العقوبات المفروض على البلاد.
في العادة، تٌعالح مشكلة عجز الحساب الجاري من خلال سلسلة من الإصلاحات البنيوية بهدف زيادة الإنتاج المحلي لتخفيف الحاجة إلى الاستيراد من جهة وزيادة الصادرات من جهة أخرى. أو يجري تسكين هذه المشكلة من خلال تصدير الخدمات، مثل السياحة أو الخدمات الرقمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الاستدانة من الخارج. إلا أن سوريا، في ظل العقوبات المفروضة عليها، وجدت نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى وسائل غير مستحبة لتعويض هذا العجز. فقد أُجبرت الدولة السورية على استنزاف احتياطياتها من النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي حتى أوشك على النفاذ، ولجأ النظام القديم إلى قنوات تمويل خارجية غير رسمية، وهو متهم بإنتاج وتجارة الكبتاغون.
في المقابل، جرى تعويض جزء من الخسائر المالية من خلال التحويلات الواردة من الخارج، والتي ارتفعت من 1.1 مليار دولار أميركي في العام 2010 إلى 3.7 مليار دولار في العام 2023، وكان أبرزها تحويلات الأقارب اللاجئين خارج سوريا، فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة لعام 2024، لجأ حوالي 4.9 مليون إلى الدول المجاورة، واستقر نحو 1.3 مليون آخرين في دول أخرى، معظمهم في أوروبا.
النظام الجديد يسوّق لنموذج الانفتاح التجاري لحل المشكلة
بعد 3 أيام من إسقاط نظام بشار الأسد، أكد باسل حموي، رئيس غرفة تجارة دمشق، في مقابلة مع رويترز، أن النموذج الاقتصادي الجديد سيكون «نظام سوق حر يقوم على المنافسة». ومنذ ذلك الحين، خرجت تصريحات مماثلة من مسؤولين سوريين رفيعي المستوى، من بينهم الرئيس السوري أحمد الشرع نفسه، الذي أشار إلى أن سوريا عانت من سياسات الاقتصاد الاشتراكي. وفي أيار/مايو 2025، صرّح مستشار وزير الاقتصاد بأنه «يجب بيع القطاع العام برمته»، موضحاً أن «تأسيس وإدارة الأعمال هو من اختصاص المواطنين وليس بيروقراطيي الحكومة هواة البزنس».
انطلاقاً من هذه الذهنية، تصدر تحرير التجارة أولويات الحكومة، التي تعهّدت بتخفيض الرسوم الجمركية على الواردات، كما عملت على إزالة العوائق التجارية واللوجستية مع الأردن وتركيا، الدولتين المجاورتين، ويشمل ذلك تجارة الترانزيت. بالإضافة إلى ذلك، بدأت الخطط لتنشيط مناطق التجارة الحرة في سوريا مع هذه الدول.
مع ذلك، يشير الاقتصادي السوري جهاد يازجي في حديث مع «صفر» أن السلطة الجديدة لا تمتلك سياسة واضحة فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، فقد دخلت هذه التجربة بعقلية التبشير بالسوق الحرة والتجارة المفتوحة، إلا أنها مع مرور الوقت أدركت تعقيدات الموضوع، وتبيّن لها أن فتح الأسواق بالكامل ومحاولة تقليد نماذج مثل دبي لن ينجح بسهولة في السياق السوري.
أحد التعقيدات على سبيل المثال، ردود الفعل السلبية التي أثارها الصناعيون المحليون عقب إعلان السلطة نيتها فتح الأسواق، إذ عبّر هؤلاء عن خشيتهم من أن منتجاتهم لن تتمكن من منافسة البضائع المستوردة. لذا بعد أن فتحت الحكومة باب الاستيراد على نطاق واسع، عادت لاحقاً لتفرض رسوماً جمركية جديدة، ورفعت بعضها في خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير.
من زاوية أخرى، يُمكن تفسير الضياع الحكومي في السياسة التجارية، الذي أشار إليه اليازجي، بأنه ناجم عن استمرار المؤسسات الحكومية في مواجهة تبعات عملية دمج وزارات الاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية. إذ لا تزال السلطة السورية حتى اليوم عاجزة عن تحديد حجم السلع الداخلة والخارجة من البلاد، ما يعيق قدرتها على اتخاذ قرارات ملائمة.
صحيح أنه تم إنشاء هيئة للمنافذ البرية والبحرية لرصد التجارة، إلا أنه «حتى الآن، وبعد مرور 8 أشهر على سقوط النظام و6 أشهر منذ تشكيل الهيئة، لا يزال دورها يقتصر حالياً على منح أو رفض تصاريح استيراد السلع، وفتح أو إغلاق المنافذ، من دون وجود آليات للرصد»، بحسب ما يشير الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم إلى «صفر»، ويضيف بأن «الصورة ضبابية، وآثارها سوف تمتد على الاقل لعامين أو 3 أعوام، ريثما يتم تشكيل هذه البنى وعودة الروتين الحكومي».
في الحقيقة، تعاني سوريا من أزمة حادة في بيانات السجل التجاري منذ عهد بشار الأسد، فالتقديرات السابقة التي قدمها النظام اقتصرت على المناطق الخاضعة لسيطرته فقط، إذ أسفرت الحرب عن تجزئة البلاد، ونشوء مناطق نفوذ متعددة، تتقاسم السيطرة عليها كل من الحكومة السورية، والإدارة الذاتية في شمال وشرق البلاد، والقوات التركية مع فصائل سورية متحالفة معها، بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا. وبحسب يونس الكريم: «نعيش اليوم الفوضى نفسها التي كانت سائدة في عهد النظام السابق، ولكن بشكل أكثر صعوبة. ففي ذلك الوقت، كانت الموازنات تعتمد على تقديرات تُبنى على البيانات المتاحة حينها لتحديد احتياجات الاقتصاد، أما الآن فلا تتوفر لدينا لا بيانات دقيقة ولا تقديرات».
على الرغم من غياب الإحصاءات المفصّلة عن التجارة الخارجية لسوريا حتى الآن، تكشف البيانات الرسمية الصادرة عن الدول المجاورة عن اتجاه نحو عجز تجاري متسارع في سوريا. فوفقاً لدائرة الإحصاء العامة الأردنية، ارتفعت واردات الأردن إلى سوريا بمقدار 5 أضعاف عند مقارنة الثلث الأول من العام 2025 مع الثلث الأول من العام 2024، في حين لم تسجل الصادرات السورية إلى الأردن سوى زيادة طفيفة بلغت 11%. وفي السياق ذاته، تشير البيانات التركية إلى أن صادرات تركيا إلى سوريا ارتفعت بنسبة 27% في خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بينما تراجعت الصادرات السورية إلى تركيا إلى النصف تقريباً. أما الجمارك اللبنانية، فأفادت بأن الصادرات اللبنانية إلى سوريا ارتفعت بنسبة 43%، في حين انخفضت الصادرات السورية إلى لبنان بنسبة 21%.
قد لا تشير هذه الأرقام إلى اتجاه سلبي دائم يدعو للقلق، بل تعكس حالة من الفوضى المؤقتة في المرحلة الأولى من افتتاح المعابر، إلى جانب الاندفاع لتأمين مستلزمات إعادة الإعمار. فعلى الرغم من هذه الأرقام، يرى اليازجي أن مستقبل الميزان التجاري لا يزال غير واضح في هذه المرحلة، بل يرجّح أن تشهد الصادرات تحسناً.
يشرح اليازجي توقعاته الإيجابية بقوله إن «العقبات التي كانت تعرقل تطور الصناعة المحلية لم تقتصر على منافسة المستوردات، بل شملت أيضاً ارتفاع أسعار الطاقة، بالإضافة إلى الإتاوات والممارسات المشينة التي كانت تفرضها الفرقة الرابعة. فقد كان هناك عدد كبير من الحواجز، وكان على المنتجين دفع مبالغ مالية مقابل عبور كل حاجز، سواء لنقل بضائعهم إلى الأسواق المحلية أو لتصديرها. ومع انخفاض هذه التكاليف أو زوالها، من المتوقع أن تنخفض كلفة الإنتاج، ما قد يساهم في تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية ويدعم فرص التصدير»، وهم أمر سينعكس إيجاباً على الميزان التجاري.
أما فيما يتعلق بقطاع النفط، الذي كان يشكّل جزءاً كبيراً من الصادرات قبل العام 2012، يرى يازجي أن الإنتاج الحالي ضعيف، ولا يبدو أن هناك قدرة على استئناف التصدير بكميات كبيرة قريباً، إلا أن أي زيادة في الإنتاج المحلي قد تساهم في تقليص الاعتماد على الواردات النفطية، ما يخفف من الضغط على الميزان التجاري.
نموذج آخر: دعم الانتاج المحلي
يلخّص تقرير منشور في موقع «سيريا ريبورت» وصفة اقتصادية بديلة عن تبني السياسات الليبرالية تجاه التجارة الخارجية، وينصح السلطات السورية الجديدة بالتركيز على أولوية واحدة طويلة الأمد: رفع مستوى الإنتاج المحلي في كافة القطاعات الاقتصادية، حيث لن يكون هناك إيرادات كافية لزيادة الدخل المالي إلا من خلال زيادة الإنتاج، ما يساعد في تمويل استثمارات إضافية وتحسين رفاهية المجتمع.
بحسب التقرير، سيتطلب الأمر المزيد من الاستثمارات من المستثمرين المحليين والمغتربين والأجانب، ولكن أيضاً من الدولة. وسيتطلب دعم الإنتاج المحلي عبر فرض بعض الرسوم الجمركية على السلع الاستهلاكية، لتوفير مستوى حماية معقول من المنافسين الأجانب وتوليد إيرادات مالية، بالإضافة إلى توفير مدخلات إنتاج تنافسية من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على المدخلات وتكاليف الطاقة المنخفضة.
ويشير التقرير إلى أن الاستثمار في البنية التحتية وحماية المنتجين المحليين جزئياً من المنافسة الخارجية سيسهمان في إعطاء فرصة تنفس للشركات المحلية. بينما ستحتاج الحكومة إلى تحقيق توازن بين فتح البلاد للاستثمار الضروري، وحماية الموارد الطبيعية السورية التي تعد هدفاً سهلاً للمستثمرين الجشعين الذين قد يستغلون الوضع الاقتصادي المدمر.
هذه التوصيات لدعم الإنتاج المحلي من شأنها أن تساهم في معالجة أزمة العجز في الحساب الجاري، وذلك من خلال تقليص الاعتماد على الاستيراد المفرط واستبداله بالسلع المنتجة محلياً، وبالتالي تقليص الحاجة الى العملات الصعبة لتمويل الاستيراد وتقليص العجز بين الأموال الداخلة والخارجة من البلاد.
المصدر :موقع صفر.