في أغسطس 2025، شهد المشهد السياسي السوري تطورًا لافتًا مع الإعلان عن تأسيس المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا (PCCWS)، كخطوة تهدف إلى توحيد الجهود السياسية في المناطق الساحلية والغربية من البلاد. جاء هذا التشكيل في سياق تحولات إقليمية ودولية متسارعة، وتراجع ملحوظ في نفوذ قوى تقليدية كانت مدعومة من النظام المنهار أو من حلفائه، إيران وروسيا، الأمر الذي فتح الباب أمام بروز كيانات جديدة تسعى إلى تمثيل الساحل سياسيًا وربما على المدى البعيد لعب دور وطني أوسع.
هذا التأسيس لم يكن وليد اللحظة؛ فقد جاء نتيجة مباشرة للمجازر والانتهاكات التي طالت سكان الساحل والسويداء ومناطق أخرى خلال الأشهر الماضية، إلى جانب التحولات الديمغرافية الصامتة لكنها سريعة في الساحل السوري، والتي رافقتها محاولات إقصاء الطائفة العلوية من المشهد السياسي والاقتصادي على حد سواء. هذه التطورات عززت شعور الأهالي بضرورة وجود مظلة سياسية وأمنية تدافع عنهم وتوفر لهم الحماية.
كما ساهمت مواقف بعض الدول غير الراضية عن التغييرات الجارية في سوريا وتبدّل خريطة النفوذ فيها في دعم وتسهيل تنظيم المؤسسين لهذا المجلس، وهو ما شكّل دافعًا إضافيًا لتسريع عملية التأسيس. ومع ذلك، يبقى اعتماد المجلس – ولو بشكل جزئي – على إيران موضع جدل، خاصة مع تضارب المواقف داخل المجلس نفسه؛ إذ تؤكد بعض المصادر هذه العلاقة بينما يرفض آخرون نفيها أو تأكيدها. ويرى مراقبون أن هذا الارتباط يعود أساسًا إلى غياب قوى دولية قادرة أو راغبة في التدخل لوقف المجازر أو توفير غطاء أمني بديل. ويضاف إلى ذلك قرب الساحل من لبنان وسهولة تدفق الدعم المادي عبره، ما يزيد من تعقيد المعادلة ويجعل استقلالية المجلس موضع اختبار حقيقي.
أهداف المجلس وتوجهاته
وفقًا لما ورد في البيان التأسيسي، يسعى المجلس إلى إرساء نظام سياسي في المنطقة الساحلية يقوم على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع إيلاء اهتمام خاص بدعم تطلعات السكان وتعزيز التعايش السلمي بين مختلف المكونات الاجتماعية. ويضم المجلس في بنيته ممثلين عن منظمات سياسية ومدنية متعددة، في محاولة لتشكيل مظلة جامعة للقوى الفاعلة محليًا.
غير أن الوسائل التي يعتمدها المجلس لتحقيق هذه الأهداف تثير الكثير من الجدل؛ إذ يتبنى خطابًا يقوم على الكفاح المسلح ضد حكومة الشرع، التي يصفها بأنها “إرهابية”، بل إن بعض الخطابات الصادرة عنه تذهب إلى حد تكفير مؤيدي السلطة، وهو ما ينقل المشروع من إطار بناء الديمقراطية وخاصة ان عنوانه سياسي إلى مسار آخر قد يقود نحو إعادة إنتاج أنظمة حكم مشابهة لتجربة بشار الأسد أو الحقبة التي سبقته، بسياساتها وأدواتها السلطوية .
يحظى المجلس بدعم من عدة جهات، من أبرزها:
- الحركة الوطنية للساحل.
- الاتحاد الديمقراطي السوري–الأوروبي.
إلى جانب كيانات سياسية أخرى لم يُفصح عنها البيان التأسيسي بالاسم. هذا الغموض في تحديد الأطراف الداعمة يثير تساؤلات حول الجانب الدولي “المظلم” الذي يحيط بالمجلس، ويضع علامات استفهام على مدى التزامه بالشفافية والنهج الديمقراطي الذي يعلن أنه يسعى لترسيخه، إذ إن إخفاء طبيعة بعض الشركاء أو مصادر الدعم قد يُفسَّر بوصفه تناقضًا جوهريًا مع مبادئ الديمقراطية والعلنية التي يدّعي المجلس تمثيله.
اللجنة التأسيسية: تنوع في الخلفيات
تم تشكيل لجنة تأسيسية مكونة من عشرة أفراد، يمثلون طيفًا واسعًا من التخصصات والنشاطات السياسية والمدنية، وهم:
-
أحمد يوسف – كاتب سياسي وحقوقي.
-
آمال بركات – ناشطة مدنية.
-
حسن درويش – عضو في التيار الديمقراطي العام.
-
أحمد كنعان – حاصل على دكتوراه في السياسة والعلاقات الدولية.
-
نادر سليمان – ناشط سياسي.
-
فاطمة خليل – ناشطة نسوية.
-
سامر عيسى – عضو في حزب سياسي معارض.
-
ليلى حسن – محامية.
-
يوسف نعمان – ناشط في القانون الدولي.
-
رامي ياسين – باحث في القانون الدولي.
هذا التنوع في الخلفيات يعكس محاولة المجلس تقديم نموذج سياسي مدني بعيدًا عن الاصطفافات التقليدية التي طبعت المشهد السوري لعقود.
ايران في الخلفية: دور خفي ومجلس سياسي جديد على الساحل السوري
وسط تصاعد التوترات الإقليمية، يطرح المجلس السياسي الجديد للساحل وغرب سوريا العديد من التساؤلات حول طبيعة علاقته بإيران، خصوصًا في ظل تراجع النفوذ الإيراني في دمشق ومحاولتها إعادة تموضعها على الساحل. تشير تقارير محلية ودولية إلى أن طهران تعمل على دعم تيارات موالية لها في هذه المناطق لضمان استمرار حضورها في أي تسوية سياسية مستقبلية، ما يجعل من المجلس السياسي الجديد واجهة محورية يمكن أن تعكس استراتيجيات إيرانية بعينها.
محاولات التواصل مع ممثلين عن المجلس للاستفسار عن طبيعة العلاقة بإيران قوبلت بالرفض، ما يعكس حساسية الملف داخليًا ويدفع إلى التساؤل عن مدى استقلالية المجلس، وما إذا كان مجرد أداة لتمرير أجندات خارجية.
تاريخيًا، بعد تلقي الأعضاء المؤسسين دعمًا ماليًا من طهران، بدأ المجلس بالتنسيق مع الحركة الوطنية السورية في الساحل، واتحاد العلويين السوريين في أوروبا، وعدد من شيوخ المجلس الإسلامي العلوي، بهدف تشكيل مجلس سياسي لوسط وغرب سوريا. يسعى هذا المجلس إلى إقامة مشروع فيدرالي ولا مركزي، مع تحقيق حكم ذاتي لإقليم الساحل تحت إشراف دولي، وهو ما يعكس محاولة لإعادة هندسة السلطة على الساحل بعيدًا عن دمشق.
الهيكل القيادي للمجلس السياسي يضم خليطًا من الشخصيات الدينية والسياسية والعسكرية السابقة، أبرزهم:
-
شخصيات دينية علويّة وشيعية مدعومة إيرانيًا، مثل الشيخ لقمان بدر غزة والشيخ مرتضى عباس، المرتبطين بالحرس الثوري ولواء الرضا.
-
أعضاء في حزب البعث العربي الاشتراكي السابق من الساحل، يمثلون الواجهة السياسية المحلية.
-
ضباط سابقون في القوات النظامية، يضفون خبرة عسكرية على المجلس ويساعدون في تنظيم الدعم المحلي.
الأهداف والمبادئ الاستراتيجية للمجلس تعكس طموحًا في إعادة تشكيل السلطة على الساحل، بما يشمل:
-
المطالبة بحق تقرير المصير للسكان المحليين كحق قانوني دولي، مع الإشارة إلى دور الطائفة العلوية كمحرك أساسي لهذا المشروع.
-
طلب وصاية دولية لضمان الأمن والاستقرار وحماية الطائفة العلوية من الانتهاكات، ما يسلط الضوء على حساسية الملف الطائفي.
-
الدعوة لاستفتاء دولي لتحقيق الحكم الذاتي وإقامة نظام فيدرالي، في خطوة قد تغير المعادلة السياسية في المنطقة.
-
المطالبة بتشكيل لجنة أممية للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق العلويين من قبل السلطة الحالية، ما يعكس محاولة رسم خارطة جديدة للنفوذ المحلي والدولي.
الجدول الزمني للأحداث
التاريخ | الحدث | الأثر المباشر |
---|---|---|
2023–2024 | تصاعد المجازر والانتهاكات بحق المدنيين في الساحل والسويداء ومناطق أخرى | ولّد شعورًا عميقًا بغياب الحماية وانعدام التمثيل المحلي. |
ديسمبر 2024 | سقوط النظام السوري وانهيار مؤسسات الدولة المركزية | أحدث فراغًا سياسيًا وأمنيًا في الساحل وغرب سوريا. |
يناير–يونيو 2025 | محاولات محلية متفرقة لتشكيل لجان مدنية وسياسية | مهّدت الطريق لتوحيد الجهود تحت مظلة واحدة. |
27 أغسطس 2025 | الإعلان عن تأسيس المجلس السياسي للساحل وغرب سوريا (PCCWS) | بداية مشروع سياسي جديد قائم على الفيدرالية والديمقراطية. |
سبتمبر 2025 | تساؤلات حول دعم إيران، مع بروز خطوط دعم مادي عبر لبنان | طرحت إشكالية استقلالية المجلس ومدى اعتماده على الدعم الخارجي. |
قراءة استشرافية في مسار المجلس السياسي لوسط وغرب سوري
يرتكز التحليل على أداء الحكومة الانتقالية خلال الفترة الماضية، حيث إنها لم تُظهر حتى الآن توجهًا نحو أي عمل مسلح جديد، بل انصرفت أساسًا إلى الشأن الداخلي السوري. ومع ذلك، فإن أدواتها المتاحة، باستثناء الجانب العسكري، ما زالت تعكس سياسات إقصاء واضحة وتكريسًا لتمركز السلطة بيد دائرة ضيقة ذات طابع عائلي مرتبطة بـ هيئة تحرير الشام، الأمر الذي يثير مخاوف حول طبيعة مشروعها المستقبلي ومدى قدرته على تقديم بديل حقيقي.
-
قصير المدى (2025–2026): سيحاول المجلس ترسيخ وجوده إعلاميًا وسياسيًا عبر البيانات والتحركات الدبلوماسية، مع التركيز على خطاب العدالة الانتقالية والفيدرالية.
-
متوسط المدى (2026–2027): التحدي الأكبر سيكون في قدرته على إقناع المجتمع الدولي بجدّيته، لا سيما في ظل محاولات الحكومة ضم شخصيات علوية إلى هيكلها بشكل شكلي، بعيدًا عن دوائر النفوذ الفعلية داخل الحكومة.
-
طويل المدى (2027–2028): إن لم يحظَ المجلس بدعم خارجي فعلي (أوروبي أو أممي)، فسيبقى معتمدًا على إيران والدعم القادم عبر لبنان، مما يضعف خطابه عن الاستقلالية.
السيناريوهات المستقبلية (2026–2028)
السيناريو | الوصف | الاحتمالات |
---|---|---|
1. اعتراف دولي تدريجي | في حال نجح المجلس في إثبات استقلاليته وبناء مؤسسات مدنية محلية، قد يحظى باعتراف من أطراف أوروبية أو أممية كإطار سياسي محلي مستندًا إلى أحداث السويداء وتقارير الانتهاكات في الساحل، إضافة إلى دعم غير مباشر من الإدارة الذاتية (قسد). | متوسط (40%) |
2. الارتهان الإقليمي | استمرار غياب دعم دولي واضح قد يدفع المجلس أكثر نحو الارتهان لإيران أو شبكات الدعم المالي عبر لبنان. | مرتفع (50%) |
3. انقسام داخلي | مع تنامي الخلافات بين التيارات المدنية والجهات ذات الصلة الخارجية، قد يشهد المجلس انقسامات تحدّ من فاعليته. | متوسط–مرتفع (45%) |
4. تحوّل إلى قوة تنفيذية | في حال تطور ذراع أمني/عسكري مرتبط بالمجلس بدعم خارجي، يمكن أن يتحول من إطار سياسي رمزي إلى لاعب ميداني. | ضعيف (20%) |
يبقى المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا خطوة جريئة في اتجاه إعادة تشكيل المشهد السياسي المحلي بعد انهيار النظام الاسد وانتشار الفوضى والصراعات داخل الجغرافيا السورية تحت مظلة الحرب الايديولوجيا. لكن نجاحه سيعتمد على قدرته في:
-
الحفاظ على استقلاليته.
-
توسيع مظلته لتشمل مختلف المكونات الاجتماعية.
-
كسب دعم دولي فعّال يؤمّن الحماية والشرعية.
وإلا فإنه قد يتحول إلى كيان مرتهن للتوازنات الإقليمية، ويظل مجرد تجربة رمزية لا ترقى إلى مستوى التغيير المأمول.