الرئيسية » كوريا الشمالية في سوريا: خبراء الظل وصراع دولي متجدد
الصورة مقدمة ياسر شلاتي محقق بجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية

كوريا الشمالية في سوريا: خبراء الظل وصراع دولي متجدد

بواسطة Younes

مع دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية، برزت العلاقات بين سوريا وكوريا الشمالية كأحد أكثر الملفات حساسية وإثارة للجدل. منذ مطلع عام 2020، سعى النظام السوري السابق إلى إعادة تشكيل شراكاته العسكرية والأمنية، باحثاً عن شريك جديد يوفر له مظلة حماية ويعزز قدراته الدفاعية والهجومية. وفي هذا الإطار، وجدت دمشق في بيونغ يانغ شريكاً مناسباً، وهي التي خبرتها سابقاً، نظراً لما تتمتع به الأخيرة من خبرات متقدمة في مجالات البرامج النووية والكيماوية والصاروخية، بما في ذلك المساهمة في بناء مفاعل بلوتونيوم في سوريا خلال العقد الأول من الألفية، والذي دمرته إسرائيل في عام 2007، وتزويد سوريا بصواريخ سكود B وC في التسعينيات .

أرادت دمشق من هذه العلاقة أكثر من مجرد التدريب لمليشياتها أو الحصول على بعض الأسلحة، فالتعاون العسكري امتد إلى مشاريع استراتيجية طويلة الأمد شملت التصنيع العسكري، البحوث العلمية، وبرامج الفضاء. وفي الوقت نفسه، وجدت كوريا الشمالية في سوريا فرصة لتعزيز أمنها الغذائي، مستفيدة من قدرات دمشق الزراعية وسعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى موافقة دمشق على تزويد كوريا بالسلالات الزراعية والحيوانية التي تحتاجها.

مع اندلاع عملية “رد العدوان” في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تدخلت إيران وروسيا لتأمين وجود الخبراء الكوريين في سوريا، مضيفة بعداً إقليمياً ودولياً بالغ الخطورة على هذه العلاقة. لكن جذور هذا التقارب تعود إلى عام 2023، عندما بدأت الوفود الكورية تصل دمشق بدوافع زراعية وغذائية، قبل أن تتطور الشراكة تدريجياً إلى تعاون عسكري وأمني متشعب .

أولاً: تحالف عسكري جديد – من التصنيع إلى الفضاء

منذ بداية 2022، شرعت دمشق في بناء شراكة استراتيجية مع كوريا الشمالية بدعم إيراني، ساعية إلى تعزيز قدراتها العسكرية والعلمية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. وقد شملت هذه الشراكة محاور رئيسية:

  • التصنيع العسكري المشترك: تم إنشاء مصانع سورية–كورية لتطوير الذخائر والمواد العسكرية، حيث شملت هذه المبادرة مواقع استراتيجية في ريف دمشق، وحلب، واللاذقية. وقد تم تجهيز هذه المواقع بمخابر متخصصة لتصنيع الأسلحة، والذخائر، وتطوير تقنيات عسكرية متقدمة، بما يعكس توجه التعاون العسكري طويل الأمد بين البلدين لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية لسوريا، بالإضافة إلى نقل الخبرات والتكنولوجيا الكورية إلى المصانع المحلية.
  • تطوير البحوث العلمية السورية (SSRC): إرسال بعثات عسكرية سورية إلى كوريا الشمالية لتلقي تدريبات متقدمة في تقنيات تخصيب اليورانيوم وتصنيع الأسلحة الكيميائية.
  • برامج الفضاء والأقمار الصناعية: ابتعاث خبراء سوريين متخصصين في علوم الفضاء والتكنولوجيا، تمهيدًا لإنشاء مركز فضائي مشترك في دمشق. في نوفمبر 2023، نجحت كوريا الشمالية في وضع أول قمر صناعي عسكري في المدار بمساعدة من روسيا، ما يعكس اهتمامها بتطوير برامج الفضاء. (Lieber Institute West Point)

ثانيًا: التعاون العسكري والوجود الكوري في سوريا

مع بداية عام 2024، وضع النظام السوري السابق استراتيجية جديدة لتطوير العلاقات الأمنية والعسكرية مع الحكومة الكورية الشمالية بعيدًا عن الشراكة الإيرانية. وشملت هذه الاستراتيجية نقل بعثات عسكرية وعلمية، إلى جانب إنشاء مصانع سورية–كورية. كانت الوفود الكورية تصل إلى سوريا عبر مجموعات منفصلة مكونة من 2 إلى 8 أشخاص، غالبًا تحت غطاء سياحي ، مرورًا بالإمارات ثم لبنان، قبل الوصول إلى مطار قدسيا الزراعي في معظم الأحيان بسرية تامة، أو عبر طرق برية غير مراقبة من لبنان,

مع بدء عملية “رد العدوان” في 27 نوفمبر 2025، ساعدت إيران في نقل جزء كبير منهم إلى إيران، بينما توجه الجزء الآخر، من المختصين في تصنيع البلوتونيوم القتالي وتطوير المواد الكيماوية والغازات السامة، إلى موسكو لتطوير الصواريخ والأسلحة الكيميائية ضمن برنامج روسي جديد يهدف إلى تحديث ترسانة الصواريخ الروسية، بإشراف خبراء روس وكوريين، وفقًا لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية الموقعة في 19 يونيو/حزيران 2024.

في الوقت نفسه، تم الاحتفاظ بعدد من الخبراء داخل قاعدة حميميم للإشراف على الأسلحة الكهرومغناطيسية وتطوير المواد الكيماوية.

مهام الخبراء الكوريين داخل قاعدة حميميم

يتولى الخبراء الكوريون في قاعدة حميميم مسؤولية الإشراف على الأسلحة الكهرومغناطيسية، التي تُستخدم من خلال منصات عسكرية، وطائرات، ومركبات متنقلة. تتميز هذه الأسلحة بقدرتها على تعطيل الأنظمة الإلكترونية والأجهزة التي تعمل بالتيار الكهربائي، وتشمل وظائفها: تدمير أو التشويش على أنظمة القيادة والسيطرة العسكرية، أنظمة التحكم في المركبات العسكرية، أنظمة توجيه الصواريخ، أنظمة الاتصالات والملاحة، أجهزة الاستشعار، الرادارات، شبكات الكمبيوتر، ومراكز البيانات العسكرية، بالإضافة إلى تعطيل أنظمة الدفاع الجوي.

كما يوجد داخل القاعدة خبراء مختصون في تطوير المواد الكيماوية ويتبعون لمجمع يونغبيون.

أسماء الخبراء الكوريين في قاعدة حميميم:

  • سونغ هي تشوي Sung Hee Choi (خبير في تطوير المواد الكيماوية، تابع لمجمع يونغبيون ).
  • تشين سو شين Chen Soo Shin (خبير في تطوير المواد الكيماوية، تابع لمجمع يونغبيون ).
  • يوون كينغ تشوي Yuon King Choi (خبير في تطوير المواد الكيماوية، تابع لمجمع يونغبيون ).
  • يوجا سانغ سو Yoga Sang Soo (خبير في إنتاج وتطوير الأسلحة الكهرومغناطيسية، تابع لمجمع يونغبيون ).
  • بارك داي هونق Park Day Hung (خبير في إنتاج وتطوير الأسلحة الكهرومغناطيسية، تابع لمجمع يونغبيون ).
  • سونغ هي هان Song Hee Han (خبير في إنتاج وتطوير الأسلحة الكهرومغناطيسية، تابع لمجمع يونغبيون ).
  • تشين هيوك توكو Chen Hyok Toko (خبير في إنتاج وتطوير الأسلحة الكهرومغناطيسية، تابع لمجمع يونغبيون).

التمثيل الدبلوماسي لكوريا الشمالية في سوريا

قبل سقوط النظام السوري السابق، كان هناك تمثيل دبلوماسي لكوريا الشمالية في سوريا. شمل هذا التمثيل بعثة عسكرية وقسمًا دبلوماسيًا وقنصليًا. بعد سقوط النظام، غادر معظم الدبلوماسيين الكوريين الشماليين، باستثناء عدد قليل من الموظفين في القسم القنصلي وقسم التعاون والنشاط الثقافي

  • مسؤول الملحق العسكري: تشانغ بونغ وان “Chang Bong Wan”
  • مساعد مسؤول الملحق العسكري: هوي لي ميونغ “Hwi Lee Myung”

كما شمل التمثيل الدبلوماسي:

  • القائم بأعمال السفارة: كيم هاي ريونغ “Kim Hye Ryung”
  • المستشار الأول: رو تشونغ كيل “Ru Chung Kil”
  • المستشار الثاني: كيم تشان مايونغ “Kim Chan Myung”

بعد سقوط النظام، اقتصر وجود كوريا الشمالية على بعض المسؤولين في القسم الدبلوماسي:

  • مسؤولة العلاقات العامة: آن شونغ هوي “An Shong Hui”
  • السكرتير الأول: هونغ بونغ زن “Hong Bong Zen”
  • المستشار الإعلامي: كانغ ميونغ هو “Kang Myung Ho”
  • مسؤول المعلوماتية والاتصالات: باك تشول ميونغ “Pak Chol Myung”
  • سكرتيرة القائم بأعمال السفارة: يومي كيم يونغ “Yumi Kim Young”
  • المترجمة: هي وو تشون “He Wu Chun”

كما اقتصر وجود كوريا الشمالية على القسم القنصلي وقسم التعاون والنشاط الثقافي:

  • الممثل بالقنصل: سو أونغ تشون “Su Ong Chun”
  • مسؤول الشؤون القنصلية: جونغ تاي سي “Jung Tae Si”
  • مسؤول التأشيرات: تشا جو سونغ “Cha Joo Sung”
  • المكلف بالتأشيرات: يانغ جونغ هن “Yang Jung-hun”
  • مستشار التعاون والنشاط الثقافي: بون يونغ وون “Boon Young Won”
  • مسؤول الملحق الثقافي: تشو يونغ نام “Cho Young Nam”

التعاون الزراعي والغذائي

منذ عام 2020، سعت كوريا الشمالية إلى تنويع شركائها في المجال الزراعي بهدف تخفيف اعتمادها الكبير على الصين. وفي هذا الإطار، برزت سوريا كأحد الوجهات التي استقبلت وفوداً كورية ضمت خبراء في الزراعة والطب البيطري. لم يقتصر التعاون على تبادل الخبرات الفنية، بل شمل أيضاً نقل سلالات محسّنة من القمح وبعض السلالات الحيوانية، في محاولة لدمج هذه الموارد ضمن مشاريع بحثية وتجريبية على الأراضي السورية، بما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي للطرفين.

التغيرات السياسية في سوريا

بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، بدأت الحكومة السورية الجديدة بإعادة تشكيل علاقاتها الدولية، بما في ذلك تعزيز التعاون السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة . في أبريل 2025، أعلنت كوريا الجنوبية عن إقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا، حيث وقع وزير الخارجية الكوري تشو تاي يول اتفاقًا مع نظيره السوري أسعد الشيباني في دمشق ، وعرضت تقديم دعم عسكري واقتصادي يشمل مساعدات إنسانية مثل الأدوية والأرز، إلى جانب دعم البنية التحتية والتكنولوجيا واعادة الاعمار  . بالمقابل، طلبت الحكومة الكورية  الجنوبية  الحصول على كافة  المعلومات الاستخباراتية والمخابر  التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، إلا أن دمشق رفضت العرض. عقب ذلك، تم نقل العديد من الخبراء السوريين الذين عملوا مع الكوريين الشماليين والمخابر  إلى مناطق غير معلومة ، ويُعتقد أن بعضهم توجه إلى إدلب، حيث وردت تقارير عن استهدافهم من قبل إسرائيل .

مع تصعيد روسيا تجاه الغرب وعودتها بقوة إلى الملف السوري، تعمل ايران و روسيا  استعادة السيطرة على مخابر وبرامج الاسلحة بدمشق مستغلة حاجة دمشق الاقتصادية  منجهة ، مستفيدتين من بيئة أقل عرضة للرقابة أو الضغط الدولي المباشر. لذا بدأت إيران تعيد ترتيب أوراقها في سوريا، سواء عبر إعادة تنظيم مليشياتها أو رسمياً من خلال وساطة روسية. وقد لوحظ أن البرامج العسكرية الإيرانية في بعض المناطق السورية، مثل ريف حمص واللاذقية، بقيت محظورة ولم يقترب منها أي طرف آخر، باستثناء المواقع التي استهدفتها إسرائيل، ما أثار استغراب المراقبين.

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في دمشق، تتزايد التساؤلات حول إمكانية عقد صفقة استراتيجية تتيح لإيران نقل أسلحتها ومختبراتها مقابل دعم مالي كبير أو إعادة التنسيق الأمني مع الحكومة السورية تحت حجج متعددة، كما تناولت ذلك بعض التقارير الإعلامية. هذا المشهد يعكس صراع مصالح متعدد الأبعاد يجمع بين الأبعاد الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وقد يشير إلى تحولات مهمة في موازين القوى داخل سوريا والمنطق.

“وفي هذا السياق، أتقدّم بجزيل الشكر إلى السيد ياسر شلاتي، المحقّق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، على ما قدّمه من مناقشات ومعلومات قيّمة أسهمت في إغناء هذا التحليل وأكّدت النتائج التي توصّل إليها الفريق الاقتصادي والى تقديمه صورة المقالة.”

مقالات ذات صلة