الرئيسية » من حميميم إلى الجفرة: رحلة المواد الكيميائية التي تربط كوريا الشمالية بالنظام السوري

من حميميم إلى الجفرة: رحلة المواد الكيميائية التي تربط كوريا الشمالية بالنظام السوري

بواسطة Younes

منذ سقوط الأسد في _ ديسمبر العام الماضي، بدأت تتكشف تدريجيًا خيوط شبكة معقدة تربط بين كوريا الشمالية وإيران وروسيا في دعم برنامج سري لتطوير القدرات الصاروخية للنظام السوري، يشمل استخدام مواد كيميائية مزدوجة الاستخدام. وقد تمركز هذا البرنامج في منشآت بحثية داخل سوريا، حيث حصل على دعم تقني من خبراء كوريين شماليين، وتمويل لوجستي من إيران، وتغطية عسكرية مباشرة من روسيا.

على الرغم من أن الهدف المعلن للبرنامج كان تعزيز “الردع الدفاعي”، تشير الأدلة إلى أن المواد الكيميائية المستخدمة فيه شُحنت لاحقًا إلى ليبيا بعد سقوط الأسد، ثم أعيد جزء منها إلى روسيا في عمليات عسكرية غامضة. يثير هذا التسلسل أسئلة جوهرية حول أسباب تسليم هذه المواد إلى روسيا، وهوية الجهات الداعمة لذلك، وسبب عدم تسليمها إلى لجنة الأمم المتحدة المختصة بكشف الأسلحة الكيميائية، ما كان سيمكن من توثيق البرنامج واتهام النظام السابق باستخدامه.

تفكيك مخابر الكيمياء ونقل المواد: من حميميم إلى الجفرة

تاريخ 15 أيلول/سبتمبر 2025، غادرت طائرة شحن عسكرية روسية من طراز Il-76MD قاعدة حميميم الجوية بريف جبلة متجهة إلى قاعدة الجفرة الجوية قرب مدينة ودان وسط ليبيا. رافق إقلاع طائرة الشحن طيران مروحي روسي من طراز Ka-52، في عملية لوجستية دقيقة.

كانت طائرة الشحن محمَّلة بمعدات مخابر متخصصة في معالجة العوامل والسلائف الكيميائية، بالإضافة إلى مواد تابعة للسارين والتابون والخردل، وشحنة من المواد الكيميائية والغازات السامة. وقد تم إفراغ هذه الشحنة من مركز المنصورة الكيماوي بريف دمشق الشمالي الشرقي تحت إشراف خبراء ومهندسين روس في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2024، ونُقلت لاحقًا إلى قاعدة حميميم.

 

جدول المواد الكيميائية المرسلة إلى ليبيا

المادة الكيميائية الدور/الاستخدام مدى الخطورة المصدر المحتمل التكلفة التقريبية (USD) استخدام منفرد أو مزوج
Thionyl chloride صناعة مركبات كيميائية وصاروخية عالية مختبر صناعي/مدني – مركز المنصورة، مع إشراف خبراء كوريين شماليين عند الحاجة 50 – 150 / كغ غالباً منفرد
سيانيد الكيماوية صناعات كيميائية، تصنيع سموم عالية مختبر صناعي/مدني أو عسكري – مركز المنصورة، مع إشراف خبراء كوريين عند الحاجة 100 – 200 / كغ منفرد
غاز الخردل الآزوتي سلاح كيميائي تقليدي عالية جداً مختبر عسكري – مختبرات سورية عسكرية، بإشراف خبراء كوريين عند الحاجة 500 – 1000 / كغ مزوج أحيانًا مع مواد أخرى
غاز Lewisite سلاح كيميائي، يحتوي على الزرنيخ عالية جداً مختبر عسكري – مختبرات سورية، أو مخزون روسي قديم، بإشراف خبراء كوريين عند الحاجة 600 – 1200 / كغ منفرد أو مزوج حسب التطبيق
غاز فوسجين (Carbon oxychloride) سلاح كيميائي (خنق/اختناق) عالية جداً مختبر عسكري – مختبرات سورية متقدمة، بإشراف خبراء كوريين عند الحاجة 400 – 800 / كغ غالباً منفرد

عملية الجفرة–تولا: عبور المواد المحظورة تحت غطاء عسكري

استنادًا إلى معلومات استخباراتية روسية، نُفذت عملية سرية لاحقًا بعد سقوط الأسد لمصادرة مواد كيميائية من منشآت ليبية غير خاضعة للرقابة، ونُقلت إلى مركز عسكري في وسط روسيا. ووفقًا للتقرير الروسي المؤرخ في 1 يناير 2024، فإن المواد التي نُقلت هي ذاتها التي تم شحنها لاحقاً من سوريا عند سقوط نظام الاسد، مما يشير إلى أن العملية لم تكن طارئة أو استثنائية، بل كانت جزءًا من برنامج روسي لتطوير الأسلحة الكيميائية، ويبرز دور روسيا المركزي في الدفاع عن الأسد ونظامه.

جدول المواد الكيميائية المنقولة إلى روسيا عبر الجفرة

دة الكيميائية الاستخدام المحتمل التصنيف الدولي المصدر المحتمل استخدام منفرد أم مزوج
غاز السارين سلاح أعصاب قاتل محظور وفق CWC مختبر عسكري – سوريا/روسيا منفرد
غاز الخردل الكبريتي سلاح تقليدي كيميائي محظور وفق CWC مختبر عسكري – سوريا منفرد أو مزوج
ثيونيل كلوريد تصنيع السارين مادة مزدوجة الاستخدام مختبر صناعي/مدني – سوريا، بإشراف خبراء عند الحاجة غالباً منفرد
لويسيت غاز سام يحتوي زرنيخ سلاح كيميائي محظور مختبر عسكري – سوريا أو مخزون روسي قديم منفرد أو مزوج
كربون أوكسي كلوريد مركب صناعي سام مادة خاضعة للرقابة مختبر صناعي/مدني – سوريا غالباً منفرد

تفكيك البرنامج الكيميائي الليبي

أشارت تقارير استخباراتية روسية وليبية إلى أن المواد الكيميائية المصادرة من ليبيا كانت جزءًا من برنامج ليبي مرتبط بالبرنامج السوري–الكوري الشمالي لتطوير الأسلحة الكيميائية. وقد تم تفكيك المنشآت تدريجيًا بعد تدخلات دولية، بما في ذلك الرقابة على المختبرات ومخازن المواد الخطرة، لتقليل المخاطر على الأمن الإقليمي والدولي.

تضمنت المنشآت التي تم تفكيكها مراكز تدريب قتالي ومختبرات بحثية، بعضها كان يتلقى دعمًا لوجستيًا من شبكات إيرانية تعمل في جنوب ليبيا، مما يبرز الطبيعة العابرة للحدود لهذه الشبكة الكيميائية والصاروخية.

جدول المواد الكيميائية التي تم تفكيكها في ليبيا

المادة الكيميائية الاستخدام المحتمل التصنيف الدولي المصدر المحتمل استخدام منفرد أم مزوج
غاز السارين سلاح أعصاب قاتل محظور وفق CWC مختبر عسكري – ليبيا وسوريا منفرد
غاز الخردل الكبريتي سلاح تقليدي كيميائي محظور وفق CWC مختبر عسكري – ليبيا منفرد أو مزوج
ثيونيل كلوريد تصنيع السارين مادة مزدوجة الاستخدام مختبر صناعي/مدني – ليبيا غالباً منفرد
لويسيت غاز سام يحتوي زرنيخ سلاح كيميائي محظور مختبر عسكري – ليبيا منفرد أو مزوج
كربون أوكسي كلوريد مركب صناعي سام مادة خاضعة للرقابة مختبر صناعي/مدني – ليبيا غالباً منفرد

فكيك البرنامج الكيميائي الليبي: السيطرة على المواد العابرة للحدود

أشارت تقارير استخباراتية روسية وليبية إلى أن المواد الكيميائية المصادرة من ليبيا كانت جزءًا من برنامج ليبي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبرنامج السوري–الكوري الشمالي لتطوير الأسلحة الكيميائية. وقد جرى تفكيك المنشآت تدريجيًا بعد تدخلات دولية، مع تركيز خاص على الرقابة على المختبرات ومخازن المواد الخطرة، بهدف الحد من المخاطر المحتملة على الأمن الإقليمي والدولي.

شملت المنشآت التي تم تفكيكها مراكز تدريب قتالي ومختبرات بحثية، وبعضها تلقى دعمًا لوجستيًا من شبكات إيرانية نشطة في جنوب ليبيا. وتعكس هذه المعطيات الطبيعة العابرة للحدود لهذه الشبكة الكيميائية والصاروخية، ودور سوريا وكوريا الشمالية وروسيا وإيران في إدارة وتسهيل هذه العمليات.

جدول: المواد الكيميائية الليبية المقرّرة للتدمير

المادة الكيميائية الاستخدام المحتمل التصنيف الدولي مصدرها المحتمل خطورتها ملاحظات إضافية
غاز الخردل (Mustard Gas) سلاح أعصاب قاتل محظور وفق CWC ليبيا عالية تم تدمير 55% من المخزون حتى فبراير 2011 ويكيبيديا
ثيونيل كلوريد (Thionyl Chloride) تصنيع السارين مادة مزدوجة الاستخدام غير محدد متوسطة تُستخدم في تصنيع أسلحة كيميائية ويكيبيديا
غاز السارين (Sarin Gas) سلاح أعصاب قاتل محظور وفق CWC غير محدد عالية تم تدمير جزء من المخزون حتى فبراير 2011 ويكيبيديا
غاز لويسيت (Lewisite) سلاح كيميائي محظور محظور وفق CWC غير محدد عالية يُستخدم في الحروب الكيميائية ويكيبيديا
كربون أوكسي كلوريد (Phosgene) مركب صناعي سام مادة خاضعة للرقابة غير محدد متوسطة يُستخدم في الصناعات الكيميائية ويكيبيديا

من ليبيا إلى سوريا: كيف تحولت المواد الكيميائية إلى تهديد عابر للحدود؟

تشكل عمليات نقل المواد الكيميائية بين ليبيا وسوريا، بعيدًا عن إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، تهديدًا مباشرًا للأمن القومي السوري و الإقليمي والدولي ، ويمكن تلخيص أبرز المخاطر في النقاط التالية:

  1.  انتهاك القوانين الدولية: أي حركة لهذه المواد دون إشراف دولي تمثل خرقًا صريحًا لمعاهدات منع انتشار الأسلحة الكيميائية، ما يفتح الباب أمام عودة لجان التفتيش الدولية وفرض عقوبات جديدة على الأطراف المتورطة التي منها سوريا .
  2. إعادة الاستخدام في برامج سرية: غياب الرقابة يرفع احتمال أن تُستثمر هذه المواد في برامج غير معلنة، أو أن أجزاء من البرنامج الكيميائي ما تزال قائمة على الأراضي السورية، رغم الالتزامات السابقة بتفكيكه.
  3. خطر الرؤوس الصاروخية:إمكانية دمج هذه المواد في صواريخ غير تقليدية تضاعف من حجم التهديد الأمني، خصوصًا في ظل غياب أي تأكيدات قاطعة على عدم حصول هذا الدمج بالفعل. هذا الخطر لا يقتصر على المستوى الإقليمي والدولي فحسب، بل يمتد أيضًا إلى الداخل السوري، حيث تضعف سيطرة الحكومة، ويستمر القصف المتبادل، فيما تنتشر جماعات مسلحة متعددة تبدأ من التنظيمات الإسلامية المتشددة وصولًا إلى فلول عسكرية وفصائل معارضة أخرى، ما يجعل البيئة المحلية أكثر هشاشة وقابلة للاشتعال..

مواجهة التهديدات الناشئة عن عمليات نقل المواد الكيميائية بين ليبيا وسوريا، يرى خبراء الأمن الدولي أن هناك حاجة إلى حزمة إجراءات عاجلة وملحّة:

  1. فتح تحقيق دولي مستقل: تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، للتثبت من طبيعة المواد المنقولة ومساراتها.
  2. فرض الشفافية على روسيا وسوريا: إلزام موسكو ودمشق بتقديم تقارير تفصيلية حول طبيعة المواد والبرامج المرتبطة بها، مع إجراء مسح شامل للقواعد الروسية في سوريا والتأكد من خلوّها من أي أسلحة أو خبراء على صلة بالنظام السابق أو بإيران، وتقديم تعهدات مكتوبة بهذا الخصوص.
  3. تعزيز الرقابة الجوية:فرض رقابة دقيقة على حركة الطيران العسكري بين ليبيا وسوريا، مع مراجعة الرحلات السابقة للتأكد من سلامتها وخلوها من أي مواد محظورة.
  4. توسيع آليات نزع السلاح الكيميائي: عبر تفعيل التحقيقات الاستخباراتية وخاصة بسجلات الامن الوطني السوري المسؤول عنها ، وتحليل البيانات المسربة، ومقابلة الأشخاص الذين عملوا ضمن هذه البرامج سابقًا لتفكيك الشبكات المتبقية.

ما يجري بين ليبيا وسوريا وروسيا لا يقتصر على مجرد عمليات نقل لمواد كيميائية محظورة، بل يعكس شبكة استراتيجية عابرة للحدود نسجتها أطراف دولية كبرى مثل روسيا وكوريا الشمالية وإيران. لعبت كوريا الشمالية دور المزوّد التقني والخبراتي، بينما قدمت إيران التمويل والدعم اللوجستي عبر شبكاتها الإقليمية، فيما تكفلت روسيا بتوفير الغطاء العسكري والسياسي لضمان استمرار هذه الأنشطة بعيدًا عن رقابة المجتمع الدولي.

إن قبول دمشق صفقة تفكيك بعض المنشآت أو نقل المواد لم يكن تنازلاً بهدف إنهاء برنامج التسليح، بقدر ما كان جزءًا من صفقة ثنائية يكتنفها الغموض، ويفسر سبب تخلي روسيا عن نظام الاسد ؟.

أي كشف علني لهذه الشبكة قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي وسياسي جديد للنظام السوري الحالي ، ويكشف في الوقت نفسه طبيعة الشراكة الروسية–الكورية الشمالية باعتبارها تحالفًا بين أطراف معزولة دوليًا تسعى إلى أدوات قوة بديلة لمواجهة العقوبات والضغوط الدولية.

مقالات ذات صلة