الرئيسية » تزايد نشاط جماعتي أنصار الإسلام وأنصار السنة في سوريا: تحليل بعد تغيّر العقيدة الحكومية

تزايد نشاط جماعتي أنصار الإسلام وأنصار السنة في سوريا: تحليل بعد تغيّر العقيدة الحكومية

بواسطة Younes

منذ تولّي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية في يناير 2025، ظهرت مؤشرات متزايدة لنشاط جماعات جهادية في سوريا، أبرزها أنصار الإسلام وسرايا أنصار السنة. هذا التصاعد يأتي في سياق تغيّر ملحوظ في عقيدة الحكومة الانتقالية، مما أثار قلقًا محليًا وإقليميًا ودوليًا حول قدرة الدولة على ضبط المشهد الأمني والسياسي، خصوصًا في ظل تغييرات ملموسة في الأجهزة الأمنية وقياداتها.

للمزيد من التوثيق والمتابعة الميدانية، راجعوا تقارير موقعنا الداخلي: Economist‑SY.

ما الجديد؟

تشير تقارير ميدانية وتحليلية إلى تصاعد ملحوظ في النشاط العسكري والأمني لجماعات أنصار الإسلام وسرايا أنصار السنة في إدلب، حلب، حماة ، اللاذقية ، دمشق  وحديثا الجنوب السوري منذ  تولي الحكومة الانتقالية.

يتراوح هذا النشاط بين عمليات صغيرة ومتوسطة (كمائن، هجمات على نقاط تفتيش، عبوات ناسفة) وعمليات تشكل تهديدًا للأمن المدني. ويبرز في سياق ذلك نمط عملي جديد يتمثل في هجمات تنفذها خلايا صغيرة مكوَّنة من 3 إلى 7 أفراد، وأحيانًا “ذئاب منفردة”. تعمل هذه الخلايا باستقلالية ظاهرة عن بعضها، ما يجعل كل هجمة تبدو ظاهريًا حادثة معزولة أو “فردية” ويصعّب على الباحثين والمهتمين رسم نمط واحد واضح أو تتبع سلسلة قيادية موحّدة. لكن عند إعادة قراءة هذه الحوادث مجتمعةً وبمنظار تحليلي أوسع، تنكشف أمامنا عمليات منظَّمة شديدة التعقيد والانسجام التكتيكي.

الأخطر أنّ مصادرًا محلية تؤكّد أن عددًا من هؤلاء «الذئاب المنفردة» انخرطوا فعليًا داخل تشكيلات رسمية للجيش وقوى الأمن العام — إما عن طريق الانضمام المباشر، أو عبر شبكات توظيف محلية، أو بالاستفادة من ضعف إجراءات الفحص الأمني خلال فترات إعادة الهيكلة. هذا الانخراط يفتح أبوابًا لتهريب معلومات استخباراتية، أسلحة، وتسهيلات لوجستية داخل مؤسسات الدولة، وقد يمتد إلى تحويل الخطاب العام للمؤسسة الأمنية ليقارب خطاب جماعتي أنصار الإسلام وسرايا أنصار السنة، واستخدام موارد وأدوات الأمن العام لخدمة أهداف تنظيمية غير رسمية.

كل هذا يقودنا إلى الاعتقاد أننا أمام بنية تنظيمية لامركزية دقيقة: تشابه في الأساليب التكتيكية، توقيتات تنفيذية متقاربة، تبادل موارد لوجستية على مستوى محلي محدود، واستخدام حوامل دعائية متشابهة. ما يبدو كعمليات غير ممنهجة هو في الواقع شبكة موزعة تعمل وفق إطار تنسيقي مرن يصعب على الباحثين والمهتمين التعرّف عليها في الزمن الحقيقي.

هذا النمط يعيد إلى الذاكرة مراحِل البداية في تشكُّل تنظيمات متطرّفة كبيرة مثل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، ليس بالضرورة من حيث الهوية، ولكن من حيث آليات الانتشار والاحتضان المحلي: انتشار الخلايا الصغيرة في مناطق سكنية محرومة وأرياف متداخلة عرقيًا ودينيًا يزيد من مخاطرة إصابة المدنيين، ويعقّد أي استجابة عسكرية شاملة. النتيجة العملية هي خلق بيئة حاضنة تستغل حاجة الناس للأمن وسعيهم لتأمين لقمة العيش، ما يوفر للتنظيمات فرصًا للتجنيد والتثبيت الاجتماعي.

العلاقة التنظيمية والتحليل الميداني

مع مرور الوقت، تتضح بشكل أكبر شبكة العلاقات بين الجماعات الجهادية في سوريا، لا سيما بين أنصار الإسلام وسرايا أنصار السنة، التي تمتد من المستويات المحلية إلى ارتباطات إقليمية ودولية.

أبرز دليل على ذلك كان الاستهداف الأخير لسيارة من نوع “بيك آب” على الطريق الواصل بين بلدتي كللي وكفتين في ريف إدلب الشمالي، ما أدى إلى مقتل الشخص الذي كان يستقلها، وأفادت مصادر محلية بأنه القيادي التركي جعفر من جماعة أنصار الإسلام.

رغم أن التقارير الإعلامية أشارت في البداية إلى أن العملية نفذت بواسطة طائرة بدون طيار تابعة للتحالف الدولي، إلا أن المعلومات الأمنية الغربية التي اطلع عليها اقتصادي أشارت إلى أن العملية استخدمت مسيرات تركية.

وبعد مراجعات أعمق من مصادر حكومية خاصة، تبين لاحقًا أن المسيرات كانت جزءًا من التنسيق الروسي-السوري ضمن اتفاق أمني بين الحكومة الشرعية الجديدة برئاسة الشرع وروسيا، بهدف القضاء على الجماعة الإسلامية التي باتت تشكل تهديدًا لاستقرار الدولة الجديدة.

تُظهر هذه الحادثة عدة مؤشرات رئيسية:

  1. الارتباط التنظيمي والفكري: أنصار الإسلام مرتبطة تنظيمياً بسرايا أنصار السنة، وبايعت سابقًا تنظيم حراس الدين المرتبط بتنظيم القاعدة، ما يعكس شبكة مترابطة تمتد خارج الحدود السورية.

  2. البعد الدولي والتحالفات الأمنية: التعاون بين الحكومة السورية وروسيا يوضح تدخل قوى خارجية في إدارة العمليات ضد الجماعات المسلحة، وهو ما قد يغيّر من ديناميات القوة بين الفصائل المحلية.

  3. البعد الإعلامي والدعائي: تداول مقاطع الفيديو التي تظهر السيارة المستهدفة مدمرة بالكامل مع بقايا الصاروخ يعكس استخدام الجماعات للبعد الدعائي لتوثيق عملياتها وإظهار قدرتها على مواجهة الضغوط.

بالتالي، ما يبدو كعمليات متفرقة على الأرض هو في الواقع شبكة موزعة ومرنة، تعمل ضمن إطار تنظيمي متكامل يمتد من الميدان المحلي إلى ارتباطات خارجية، مستفيدة من الفراغات الأمنية والضعف المؤسسي لتحقيق أهدافها، وهو ما يعقد مهمة الأجهزة الأمنية ويزيد من أهمية التحليل الاستراتيجي طويل المدى.

دلالات أمنية وسياسية

ظهور تكتيك الخلايا الصغيرة والذئاب المنفردة، مع انخراط بعضها داخل مؤسسات الدولة، يوضح أن الحلول التقليدية مثل العمليات العسكرية المركزة أو الاعتقالات على مستوى القيادة فقط أقل فعالية إذا لم تُرافقها إجراءات داخلية حازمة تشمل إصلاح التوظيف، تعزيز الفحص الأمني، وإدارة المخاطر داخل المؤسسات.

هذا التكتل التنظيمي يجعل انتشار هذه الجماعات الجهادية في المناطق السكنية المحرومة والأرياف المتداخلة عرقيًا ودينيًا أكثر مرونة وسهولة، ويزيد من خطر إصابة المدنيين ويعقّد أي استجابة عسكرية شاملة. كما يساهم في خلق بيئة حاضنة تستغل حاجة السكان للأمن واستقرار معيشتهم.

عند إعادة تحليل هذه الحوادث مجتمعة، تظهر تشابهات واضحة مع آليات احتضان وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) وحتى جبهة النصرة في مراحله المبكرة، سواء من حيث البنية الشبكية المرنة، الانتشار المحلي، أو استخدام البيئة الاجتماعية لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى، ما يؤكد الحاجة إلى استراتيجية شاملة تجمع بين التدخل الأمني والإصلاح المؤسسي والمجتمعي.

حلول لإنقاذ الدولة من تجدد صراع جديد: استراتيجيات لمواجهة الجماعات الجهادية

الحلول الأمنية المطروحة تسابق الزمن وتستلزم إعادة التدقيق في العقيدة التي تنتهجها الحكومة في هندستها المجتمعية، لأنها تشكّل الأرضية التي يمكن أن تستغلها الجماعات المتطرفة لإعادة إنتاج نفسها بشكل متكرر، إذ تعتبر العقيدة الجديدة بمثابة منب لهذا النوع من التمدد.

لذا من المفيد اخذ توصيات على محمل من الجد عند مكافحة هذه الجماعات:

  1. فحص أمني صارم ومراجعة لتوظيفات الوحدات الحساسة: تدقيق سريع لإجراءات التوظيف والتجنيد، وإعادة تقييم خلفيات العناصر الملتحقة مؤخرًا، مع وضع آليات رقابة دورية تمنع أي تسرب أمني.

  2. نظام استخباراتي شبكي يربط الحوادث: تحليل البيانات الداخلية مثل انتقالات الضباط، طلبات الإجازة، والسلوكيات المشبوهة، لاستخراج أنماط تنسيق مخفية بين الخلايا والذئاب المنفردة.

  3. فرق تحقق متخصّصة للتعامل مع الخلايا والانخراط داخل المؤسسات: وحدات تجمع بين الاستخبارات البشرية والإلكترونية للتحقق من علامات الانخراط ضمن البنى الرسمية دون المساس بكفاءة القوات.

  4. برامج وقاية وإصلاح مؤسسي: تنفيذ دورات توعية للأفراد داخل الجيش وقوى الأمن حول مخاطر التطرف، إنشاء قنوات آمنة للإبلاغ عن السلوكيات المشبوهة، وبرامج إعادة تأهيل للعناصر الضعيفة التأثر.

  5. مضاد دعائي داخلي وخارجي: مواجهة الرسائل التي تستغل الخروقات لإضعاف ثقة الجمهور، عبر نشر رواية شفافة مدعومة ببيانات وإجراءات إصلاحية جذرية على المنصات الرسمية وعلى موقع Economist‑SY.

  6. توثيق ميداني وتحليل حالات (Case Studies): نشر تقارير مفصلة توضح كيفية استغلال الجماعات للفراغات الأمنية والاجتماعية، مع خرائط زمنية وتحليلات دقيقة لتوجيه القرارات الأمنية والسياسية.


مقالات ذات صلة