الرئيسية » جهاد الترباني والنشيد الوطني: بين التعبئة الإسلامية والهوية السورية الجامعة

جهاد الترباني والنشيد الوطني: بين التعبئة الإسلامية والهوية السورية الجامعة

بواسطة Younes

في خضم التحولات الفكرية والسياسية التي تعصف بالساحة السورية، يطفو على السطح سؤال معقد يتجاوز البعد الثقافي إلى عمق الصراع حول الهوية الوطنية نفسها.

ففي الوقت الذي اشتعل فيه الجدل حول الهوية البصرية الرسمية للدولة — تلك التي وُصفت بأنها محاولة لإخفاء علم الاستقلال الذي اتخذته المعارضة السورية رمزًا للثورة منذ عام 2012 — برزت قضايا أخرى لا تقل حساسية:
التحقيقات حول الانتهاكات ضد الأقليات، وتزامنها مع خطب لنواب في مجلس الشعب وخطباء دينيين مقربين من الحكومة، يدعون صراحة إلى التسلح ومقاتلة مكونات سورية على أسس مذهبية.

وسط هذا المناخ المتوتر، طُرحت فكرة أن يكتب جهاد الترباني — الكاتب والشاعر الفلسطيني المنتمي إلى حركة حماس ذات التوجه الإسلامي المقاوم — نشيدًا وطنيًا جديدًا لسوريا وقد التقى ابالرئيس الى جانب وزير الثقافة انس الدغيم حسن الدغيم، وهنا يتجاوز السؤال حدود الفن والأدب، ليصبح قضية سياسية ودستورية تمس جوهر الدولة:
هل يمكن لسوريا، وهي بلد متعدد المذاهب والإثنيات، أن تتبنى نشيدًا يحمل بصمة فكر حركي إسلامي؟
وهل يمكن أن يتقبّله السوريون والعالم — بما في ذلك الغرب وإسرائيل وبعض الدول العربية — دون أن يُقرأ كمؤشر على أسلمة الخطاب الوطني؟

ولعل الإمارات العربية المتحدة ستكون في طليعة الدول المعترضة، نظرًا لتبنيها موقفًا حادًا ضد تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها حماس.

لكن السؤال القانوني لا يقل أهمية عن البعد السياسي:
هل يحق لرئيس الجمهورية أو للسلطة التنفيذية الانفراد باتخاذ قرار اعتماد نشيد وطني جديد؟
أم أن ذلك يدخل ضمن صلاحيات مجلس الشعب بوصفه جزءًا من البيئة الدستورية التي تُنظم رموز الدولة وهويتها؟

في الدساتير المقارنة، عادةً ما يُعد النشيد الوطني والعلم والشعار الرسمي من الثوابت السيادية التي لا تُغيّر إلا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية، لما لها من رمزية تمس هوية الأمة.
وبالتالي، فإن أي خطوة من هذا النوع في سوريا — خاصة إن ارتبطت بشخصية ذات خلفية أيديولوجية مثيرة للجدل — لن تكون مجرد خيار فني أو ثقافي، بل إعلانًا عن توجه سياسي جديد لإعادة تعريف الهوية الوطنية السورية بعد الحرب.

من هو جهاد الترباني؟

جهاد الترباني كاتب وشاعر وباحث فلسطيني برز في المشهد الثقافي العربي من خلال أعماله الأدبية والإعلامية التي تمزج بين التاريخ الإسلامي والوعي السياسي التعبوي.

أشهر أعماله مثل “مائة من عظماء أمة الإسلام” وسلسلة 101 وبرنامجه المرئي “العظماء المائة”، تعيد قراءة التاريخ الإسلامي بروح معاصرة تعبويّة تستنهض الهمم وتربط الماضي بالحاضر.

يستحضر الترباني رموزًا مثل صلاح الدين الأيوبي وطارق بن زياد كأيقونات للنهضة والمقاومة، ما جعل خطابه قريبًا من أدبيات حماسالتي توظّف التاريخ الإسلامي لبناء وعي مقاوم عابر للحدود.

ورغم عدم إعلانه الصريح عن انتماء سياسي، فإن فكره ومضامينه تتقاطع بوضوح مع الخطاب المقاوم الإسلامي الذي تتبناه حماس، ما يجعل أي مشروع فني أو وطني يصدر عنه مشحونًا بدلالات دينية وسياسية يصعب فصلها عن السياق الإيديولوجي.

هل يصلح لكتابة نشيد وطني لسوريا؟

من حيث الموهبة الأدبية والقدرة على التعبئة العاطفية، يمتلك الترباني مؤهلات قوية لكتابة نشيد مؤثر حسب مصادر تتابعه على السوشيال ميديا.

لكن الإشكالية لا تكمن في الجماليات اللغوية، بل في الرمزية السياسية التي يحملها اسمه وخطابه.

ف سوريا ليست دولة ذات طابع ديني واحد، بل هي فسيفساء من الطوائف والمذاهب والإثنيات.
نشيد وطني بملامح إسلامية خالصة قد يُنظر إليه من قبل مكوّنات واسعة على أنه إقصائي، أو محاولة لإعادة صياغة الهوية الوطنيةضمن إطار ديني تعبوي يتنافى مع مبدأ “الوطن للجميع” ، وهو ما يزيد الموقف تعقيد باتجاه المناقشات لرتي الجغرافية السورية التي تتفكك وتنحل.

كما أن تبنّي شخصية محسوبة على حماس، المصنّفة كـمنظمة إرهابية في عدد من الدول الغربية والعربية، سيُدخل سوريا في دوامة جديدة من الجدل الدولي ويعقّد علاقاتها مع دول كانت تحاول إعادة تطبيع علاقاتها معها — خاصة الإمارات التي تقود حملة إقليمية ضد الإسلام السياسي.

لطابع الإسلامي في النشيد الوطني: رمزية ثقافية أم مشروع عقائدي؟

يُعتقد أن النشيد المقترح سيقتصر في مضمونه على الطابع الإسلامي، مستندًا إلى رمزية حضارية تستحضر الأمجاد التاريخية الإسلامية وتحاول استنهاض الهمم من الذاكرة الدينية، من دون التوقف عند التاريخ السوري كجغرافيا وهوية متعددة.
هذا التوجه يُظهر ميلًا إلى تأطير الذاكرة الوطنية ضمن السياق الإسلامي وحده، متجاوزًا الأبعاد الثقافية والقومية والمدنية التي شكّلت جوهر الهوية السورية الحديثة.

ومن هذا المنطلق، يبدو أن النشيد الجديد — إن تبنّى هذا الخط — قد يحمل شعارات دينية صريحة أو لغة تعبويّة عقائدية، ما يجعله أقرب إلى نشيد حركي ذي طابع أيديولوجي منه إلى نشيد وطني جامع.
إنه انتقال رمزي من مفهوم الوطن بوصفه فضاءً مدنيًا جامعًا إلى تصور عقائدي محدد، يُعيد تعريف الانتماء الوطني من زاوية دينية لا وطنية.

وهذا التحوّل ليس تفصيلاً لغويًا أو فنيًا؛ بل يحمل انعكاسات اجتماعية خطيرة في بلد خرج للتوّ من حرب أهلية طويلة كان أحد أسبابها الانقسام الهويّاتي والمذهبي.
فإعادة بناء الرموز الوطنية على أسس دينية خالصة قد تُعيد إنتاج الانقسام نفسه، بدل أن تؤسس لهوية جامعة تلتئم حولها كل المكونات السورية.

هل نحن أمام مشروع لتغيير العقيدة الاجتماعية في سوريا؟

قد تكون الفكرة أبعد من مجرد نشيد ، فاستدعاء الرمزية الدينية في خطاب الدولة قد يعكس محاولة لإعادة صياغة الهوية الجمعية بعد انهيار الخطاب القومي والاشتراكي الذي شكّل أساس الدولة السورية لعقود ، لكن السؤال يبقى: هل هذه الخطوة تعويض عن فقدان الهوية الوطنية الجامعة؟
أم أنها أداة تعبئة سياسية جديدة في مواجهة الغرب والمعارضة؟
أم مشروع إقصائي بلبوس ديني قد يعمّق الانقسامات بدل تجاوزها؟

قد تكون الفكرة أبعد من مجرد نشيد ، فاستدعاء الرمزية الدينية في خطاب الدولة قد يعكس محاولة لإعادة صياغة الهوية الجمعية

 

جهاد الترباني قادر بلا شك على كتابة نص مؤثر ومشحون بالعاطفة، لكنه لا يستطيع أن يكتب نشيدًا وطنيًا جامعًا ما لم يتجاوز منطلقاته الأيديولوجية ، حسب خلفيته الفكرية والنتمائه الجغرافي ، كما انه يتم بعيد عن الاطر القانونية التشريعية و انقاص من قيمة السوري الذي خاض الثورة .

وإذا جرى اعتماد خطابه الإسلامي بوصفه تعبيرًا عن “الهوية السورية الجديدة”، فقد نجد أنفسنا أمام تحوّل رمزي خطير من الوطنية المدنية إلى التعبئة الدينية، ما سيجعل من هذا النشيد نقطة توتر بين الداخل السوري والمحيط الإقليمي، وربما محور مواجهة جديدة تقودها الإمارات ضد أي مشروع يُعيد إنتاج الإسلام السياسي في المنطقة.

مقالات ذات صلة