أحمد الكناني
أثارت الأموال التي جمعتها حملات التبرع في المحافظات السورية جدلًا واسعًا حول طبيعة الإنفاق لصالح القرى والمدن، والشفافية في التوزيع العادل لها. إذ عملت الحكومة بالتعاون مع المجتمع الأهلي على تنظيم العديد من “فزعات التبرع” ضمن الجهود الأهلية والشراكة في البناء والتطوير، والمساهمة في إعادة الإعمار، وهو ما تجسد بالأرقام المالية التي حصدتها حملات التبرع، والتي بدأت في حمص في 13 آب/أغسطس الماضي، وجمعت 13 مليون دولار، وبعدها حملة “أبشري حوران”، التي جمعت مبلغًا يقدّر بـ36 مليون دولار وغيرها من المحافظات الشرقية كدير الزور، إضافة إلى إدلب وحماة الأخيرة محققة الرقم الأعلى بقيمة 210 مليون دولار، ليتجاوز حجم التبرعات في المحافظات السورية الـ500 مليون دولار.
عملت الحكومة السورية على تنظيم الأموال الخاصة بالتبرعات، عبر صندوق التنمية السوري، كمؤسسة اقتصادية، أُنشئت بموجب المرسوم الرئاسي رقم (112) لعام 2025، تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وترتبط مباشرة برئاسة الجمهورية، وهي المكلفة بإدارة ملف التبرعات وتنظيمها عبر الصندوق التابع للرئاسة، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مسار التبرعات لصالح المحافظات السورية.
غياب الشفافية
يشير الخبير الاقتصادي، يونس الكريم، إلى أن الحكومة السورية تتلقى التبرعات عبر القنوات الرسمية، ويشرف صندوق التنمية السوري على تنظيمها وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة، مع تقديم الدعم للوزارات عند الحاجة إلى موارد إضافية. ومع ذلك، يؤكد الكريم لموقع “الترا سوريا” أن آليات جمع التبرعات وصرفها، بالإضافة إلى إدارة الصندوق، تفتقر إلى الشفافية والوضوح، ما يجعل الأموال معرضة لسوء التوجيه أو الاستخدام الجزئي بعيدًا عن الاحتياجات الفعلية للمحافظات، مشيرًا إلى أن الأموال الموجودة في الصندوق لا تدخل ضمن الموازنات الحكومية الرسمية، بل تخضع مباشرة لصلاحيات رئاسة الجمهورية.
أثارت الأموال التي جمعتها حملات التبرع في المحافظات السورية جدلًا واسعًا حول طبيعة الإنفاق لصالح القرى والمدن، والشفافية في التوزيع العادل لها
ويضيف أن غياب الشفافية في مسار التبرعات يمنع تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي للمساهمات، سواء في مشاريع التنمية المحلية أو في الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. ونتيجة لذلك، تصبح التبرعات أداة رمزية أكثر منها مساهمة استراتيجية، إذ يظل المتبرع على اطلاع محدود على كيفية استخدام الأموال ومدى تحقيقها للأهداف الاجتماعية المنشودة. ويترك غموض الإدارة والتوجيه مجالًا للخلط بين الدعم المجتمعي والولاءات السياسية، وهو ما يمكن تسميته مجازًا بـ”شفافية تطمينية” للمتبرع، دون أي رقابة فعلية على آلية الإنفاق للأموال.
ويشير الخبير والمستشار المصرفي، عامر شهدا، إلى غياب الشفافية تجاه التبرعات وصناديقها في المحافظات، إذ إن الشفافية ليست الكشف والإعلان عن قيمة المبالغ والمتبرعين، وحجم المساهمات، بقدر ما هو الكشف عن كيفية إنفاقها وتوجيهها، سواء عن طريق مشروعات، أو قطاعات اجتماعية، إنسانية، وهل هي موجهة لدعم المشاريع الصغيرة، أو الخدمية، وبالتالي تبدأ الشفافية بالدرجة الأولى في توضيح مسار الإنفاق وطبيعته في المحافظات.
حسابات سياسية
تشير الأموال التي أعلن عنها في حملات التبرع، أنها تجاوزت الـ500 مليون دولار، قسم منها تم دفعه نقدًا والآخر جرى التعهد به، إلا أن الأرقام الصادرة عن صندوق التنمية تشير إلى قرابة 85 مليون دولار فقط، وما تبقى تعهدات غير مسددة لرجال أعمال، أبرزهم أحمد وعمر حمشو بقيمة 1 مليون دولار غير مسدد، وغيرهم من المحسوبين على الإدارة الجديدة، الأمر الذي يشي بوجود تبرعات وهمية لأجندة سياسية.
يرى الخبير الاقتصادي الكريم أن جزءًا كبيرًا من التبرعات يهدف إلى الولاءات السياسية أكثر من كونه خدمة اجتماعية حقيقية، إذ يعتمد بعض رجال الأعمال على هذه التبرعات لإظهار ولائهم للسلطة الجديدة. ويضيف أن حجم التبرعات يعكس أيضًا درجة قربهم من السلطة وحجم استثماراتهم وأعمالهم معها.
من جانبه، يرى الخبير والمستشار شهدا أن التبرعات التي حدثت في المحافظات شكلت انسياقًا عاطفيًا في ظرف سياسي استغلته الحكومة بطريقة إيجابية، وساهم به رجال الأعمال لأغراض سياسية أو لصالح ولاءات سواء بالتبرعات المالية أو العينية، وهي أفعال كانت سابقًا موجودة في انتخابات مجلس الشعب وتأسيس الأحزاب، ورغم ذلك الولاءات السياسية تختلف بشكل كبير عن الشفافية، إذ إن مصداقية التبرعات بقدر ماهي متواجدة تزيد من الرصيد السياسي للمساهم.
توجيه الانفاق
يظهر في الموقع الإلكتروني لصندوق التنمية العديد من التبويبات الخاصة بعائد التبرعات في مجالات إعادة الإعمار والطاقة والصحة والتعليم والزراعة وغيرها من الخدمات. إلا أن الخبير الاقتصادي الكريم يشير إلى أن مجال الصندوق، بحسب المرسوم الذي أنشئ بموجبه، يقتصر على تقديم خدمات ذات نطاق قصير المدى في الإغاثة والتعليم، وتصنف هذه الخدمات على أنها ذات طابع خدمي محلي، وليست مخصصة لتمويل مشاريع استراتيجية مثل محطات توليد الكهرباء أو مشاريع الطاقات المتجددة، المصنفة ضمن الصندوق السيادي.
وفي هذا السياق، ينوه الاستشاري شهدا إلى أن التبرعات تبدو في إطارها العام على أنها سخية وتحتاجها المحافظات في مشاريع التنمية، إلا أن هذه التبرعات لا تتجاوز كونها مساهمات محدودة من مستوصفات وحدائق، أو ترميم مدارس، أو تزويد المستشفيات بتجهيزات طبية. وفيما يتعلق بتوجيه هذه المساهمات لصالح قطاع الطاقة، ينوه الخبير شهدا أن هذه القطاعات مسؤولية الحكومة ولا يجوز أن تذهب إليها أي قيمة من التبرعات، خاصة تأهيل محطات الطاقة الكهربائية، كون ذلك يعد موضوع سيادي مرتبط بالميزانية العامة للدولة.
ويضيف الخبير شهدا في ختام حديثه أنه رغم وجود صندوق التنمية، إلا أنه يجب أن تتم الجهود بالتنسيق مع وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزارة الإدارة المحلية، ويبدو أن ذلك غير وارد في الحسابات الحكومية، إذ إن الإنفاق في التبرعات الأولى التي جرت في محافظة حمص، لم يتم ذكر أي شيء بخصوها وكيفية إنفاقها، ما يثير حولها الكثير من الغموض حول آلية التوجيه والانفاق.
المصدر: الترا سوريا.

