الرئيسية » صندوق التنمية السوري بين التفاؤل والتحذيرات.. جزء من إعادة الإعمار أم بديل عنها؟

صندوق التنمية السوري بين التفاؤل والتحذيرات.. جزء من إعادة الإعمار أم بديل عنها؟

بواسطة Younes

محمد كساح

تتعدد آراء الخبراء الاقتصاديين حول إنشاء “صندوق التنمية السوري” بين من يرى أنه سيكون بديلًا عن إعادة الإعمار، رابطًا بينه وبين صناديق وهيئات أخرى تابعة مباشرة للرئاسة السورية، وبين من يربط الصندوق بملف التعافي المبكر الذي يمكن أن ينال الجزء الأكبر من حصص التبرعات.

وبالتوازي، أثار ظهور شخصيات محسوبة على النظام السابق في فعالية إطلاق الصندوق جدلًا كبيرًا بين السوريين، لا سيما ظهور أولاد رجل الأعمال محمد حمشو، فيما يقرأ خبراء هذا الظهور بسياسة تتبعها دمشق، تهدف إلى الشروع في عمليات تسويات سياسية واقتصادية واسعة النطاق تستهدف طبقة رجال الأعمال غير المتورطين بالدم السوري.

وكان الرئيس أحمد الشرع قد أصدر في 9 تموز/سبتمبر الجاري المرسوم الرئاسي رقم /114/، القاضي بإنشاء مؤسسة وطنية مستقلة تُعرف باسم: صندوق التنمية. وقالت قناة “الإخبارية” إن قيمة التبرعات لصالح الصندوق وصلت في أول ساعة إلى نحو 60 مليون دولار، موضحةً أن الصندوق يهدف إلى المساهمة في إعادة الإعمار وترميم وتطوير البنية التحتية، والتي تشمل كل ما يدعم الحياة اليومية للمواطنين من خدمات ومرافق، كشبكات الطرق والجسور والمياه والكهرباء والمطارات والموانئ والاتصالات وغيرها، إضافةً إلى تمويل المشاريع المتعددة من خلال “القرض الحسن”.

وتشمل المصادر المالية للصندوق التبرعات الفردية من داخل سوريا وخارجها، والتبرعات الدورية عبر برنامج “المتبرع الدائم” الذي يتيح اشتراكات شهرية ثابتة، إضافةً إلى الإعانات والهبات والتبرعات التي يقبلها وفق القوانين والأنظمة النافذة.

إعادة تشكيل الدولة السورية

يرى الباحث ومدير منصة “اقتصادي”، يونس الكريم، أن رئاسة الجمهورية “لا تنظر إلى إعادة الإعمار كعملية مالية أو تقنية فحسب، بل كفرصة لإعادة تشكيل الدولة من أساسها”. ويضع الكريم إنشاء صندوق التنمية ضمن هذا السياق الذي يهدف إلى “بناء هرم سلطوي متعدد المستويات”.

ويوضح الكريم خلال حديثه لموقع “الترا سوريا” أن “عملية البناء الجديدة تقسم الدولة إلى مستويين متباينين: جهاز صلب يمسك بالأصول والقرارات الكبرى، وجهاز خدمي هش يغرق في البيروقراطية والأزمات اليومية”.

ويربط بين مرسومي إنشاء صندوق التنمية ووزارة الطاقة الصادرين بشكل متزامن “ما جعل المهام والوظائف بينهما متشابكة إلى حد كبير، ويغذي احتمالية أن تكون وزارة الطاقة إحدى القنوات لإنشاء هيئة للاستحواذ على مشاريع المؤسسات الحكومية التي سيخصص لها جزء من الموازنة الحكومية لتمويلها”.

وفي هذا السياق، يرجح الكريم أن يتحول صندوق التنمية إلى لاعب رئيسي في التفاوض مع المنظمات الدولية، حيث تُمنح له أفضلية على المجتمع المدني بفضل صفته الرسمية ومرونته التنفيذية، الأمر الذي يضيّق الخناق على عمل المجتمع المدني، فيتخلص من مراقبته له وتدخله بعمل الحكومة، مؤكدًا احتمالية أن يحصل المتبرع، سواء بصفته الشخصية أو الاعتبارية في كثير من الحالات على مقابل، مثل إعفاءات أو مزايا مالية.

ويحذّر الكريم من أن “مرونة صندوق التنمية ستمكنه من تنفيذ مشاريع لا تستطيع الوزارات نتيجة تقييدها البيروقراطي من تنفيذها، مما يجعل الوزارات ومؤسساتها أصولًا معطلة، وبالتالي، يتيح للصندوق السيادي أن يستحوذ عليها بحجة أنها أصول معطلة لتحويلها إلى مشاريع منتجة”، لافتًا إلى أن “تقديم الصندوق خدمات إعادة الإعمار أو الصحة أو التعليم بشكل مستعجل يمكّنه من كسب ولاء الوحدات الإدارية، ويجعله يصبح قناة مباشرة لتعزيز الولاء السياسي”.

وحول الفرق بين الصندوق السيادي الصادر بموجب المرسوم رقم /113/ لعام 2025 وصندوق التنمية السوري، يلاحظ الكريم أن الأخير يعد أداة تمويلية لإعادة الإعمار، يعتمد على التبرعات والهبات، ويختلف عن الصندوق السيادي في أنه لا يمتلك أصولًا للاستثمار، إنما يعمل على تقديم خدمات بدور مشابه لعمل الحكومة، بينما يستثمر الصندوق السيادي في الأصول الحكومية غير المستغلة، ويحوّل الموارد إلى مشاريع إنتاجية لتنمية الاقتصاد لأجل بناء مستقبل سوريا وأجيالها، ما يعني أن النتائج الملموسة ستكون بعيدة نسبيًا.

الصندوق وإعادة الإعمار

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي، لـ”الترا سوريا” أن صندوق التنمية “لا يشكل بديلًا عن إعادة الإعمار، بالرغم من كونه سيصبح جزءًا من هذه العملية”، موضحًا أن إعادة الإعمار تحتاج إلى مشاريع تنفيذية تتعلق بالحكومة وبالفاعلين الاقتصاديين الذي سيطلقون مشاريع ضخمة في كل محافظة، بينما يستهدف صندوق التنمية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ويوضح قضيماتي أن “مشاريع إعادة الإعمار تحتاج إلى نفس طويل، فقد تستمر نصف عقد أو عقد بالحد الأدنى، بينما لا يمكن الاعتماد على أموال التبرعات لإطلاق مشاريع طويلة الأمد من هذا النوع”، ويتوقع أن يتم تخصيص جزء من أموال صندوق التنمية للمساهمة في خطط الإعمار، لكن ليس بشكل أساسي.

ويلفت قضيماتي إلى ملف مهم، وهو ملف التعافي المبكر والعمل على إنهاء واقع المخيمات، معتبرًا أن “هذا الملف يمكن أن يحوز على الاهتمام الأكبر لصندوق التنمية، لأن التعافي المبكر، وإن كان يشكل الخطوة المبدئية نحو إعادة الإعمار، لكنه لا يتطلب الرساميل الضخمة التي يحتاجها الإعمار”.

شخصيات مثيرة للجدل

وفي سياق متصل، تعرضت بعض الشخصيات المقربة من النظام السابق في حفل إطلاق صندوق التنمية لانتقادات واسعة، لا سيما نجلا رجل الأعمال حمشو المسؤول عن عمليات التعفيش والسرقات الممنهجة لعشرات المدن والقرى التي ناهضت النظام المخلوع، وأثار هذا الظهور تساؤلات عديدة حول مؤشراته والمغزى منه، وهل تَبرُّعُ هذه الشخصيات كان عبارة عن مساومة من السلطة لرجال الأعمال المحسوبين على النظام مقابل توفيق أوضاعهم؟

وحول هذه النقطة، يرى قضيماتي أن هذا الظهور الذي حدث، وقد يحدث في المستقبل، يُعد “أمرًا طبيعيًا”، نظرًا لأن السياسة العامة التي يتبعها العهد الجديد المتعلقة بجميع السوريين في الداخل والخارج تعتمد على المسامحة للشخصيات التي لم تتلطخ أياديها بدماء السوريين.

ولا يستبعد قضيماتي حدوث مصالحات مع بعض التجار الذين استفادوا سابقًا من عمليات الاحتكار، لكن هؤلاء لم ينخرطوا بشكل مباشر في عمليات القتل التي انتهجها النظام السابق ضد الشعب السوري، مشيرًا إلى أن “على الدولة التصريح بأنماط تعاملها وتعاونها مع هذه الشخصيات المحسوبة على النظام السابق، لكنها غير منخرطة في الدم، لتكون الصورة أوضح وغير مثيرة لإشارات الاستفهام”.

ويرفض قضيماتي فرضية أن يكون وجود أولاد حمشو وتبرعهم بمبلغ مالي كبير عبارة عن مساومة لتوفيق أوضاعهم، لأن “وجودهما في سوريا لم يكن متعلقًا بإطلاق صندوق التنمية، بل لأهداف أخرى تتعلق بتسويات سياسية واقتصادية تم الشروع فيها قبل طرح فكرة الصندوق”.

المصدر: الترا سوريا.

مقالات ذات صلة