جاءت الزيارة غير المعلنة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو، برفقة وزير الدفاع مرهف القصرة ومسؤولين في جهاز الاستخبارات، يوم الثلاثاء 23 كانون الأول/ديسمبر 2025، نتيجة وساطة تركية عاجلة، وليس ضمن جدول دبلوماسي مسبق. وقد خُصصت الزيارة لمناقشة جملة من الملفات الحساسة، أبرزها التحركات المتسارعة لفلول النظام السوري السابق، الذين عادوا إلى النشاط السياسي والعسكري بدعم مباشر من إيران وروسيا، في محاولة لإعادة تثبيت حضورهم على طاولة اللاعبين المؤثرين في المسار السوري.
وتتصل هذه التطورات بسلسلة اجتماعات بدأت في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2025، حين عقد رامي مخلوف — رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السابق بشار الأسد، وأحد أبرز وجوه الطائفة العلوية في ريف اللاذقية — اجتماعاً في فندق “فور سيزن” بالعاصمة الروسية موسكو. ضم الاجتماع مجموعة من ضباط النظام السابق، وشخصيات موالية له، إضافة إلى أعضاء من المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا (PCCWS)، في خطوة تعكس محاولة واضحة لإعادة تنظيم شبكات النفوذ القديمة وبناء موقع تفاوضي مستقل عن السلطة القائمة في دمشق.
اتحاد القوة والمال: مشاركة بارزة لشخصيات أمنية وعسكرية واقتصادية من النظام السوري السابق في لقاء موسكو
شكّلت موسكو محطة مركزية لاجتماع الدائرة الصلبة للنظام السوري السابق، في محاولة لإعادة تنظيم نفوذها السياسي والعسكري بعيداً عن سلطة بشار الأسد. وقد سعى المجتمعون إلى الحصول على دعم مباشر من الاستخبارات الروسية، ليس في إطار تسوية مع دمشق، بل بهدف انتزاع موقع تفاوضي مستقل وندّي، يمكّنهم من العودة إلى المشهد السوري بعد الخسائر التي مُني بها هذا التيار وخروجه من العاصمة نتيجة الترتيبات التي عقدها الأسد لضمان مصالحه المالية، والتي أدت عملياً إلى إقصاء محيطه القديم ومنع أي فرصة لعودتهم إلى دمشق.
وفي هذا السياق، ضمّ الاجتماع شخصيات تمثل البنية الأمنية والاقتصادية والعسكرية التي شكّلت تاريخياً عماد النظام السابق، وهم:
- اللواء كمال حسن – الرئيس السابق لشعبة المخابرات العسكرية.
- اللواء سهيل الحسن – قائد القوات الخاصة.
- اللواء صالح سليمان العبد الله – رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة حلب.
- سيمون الوكيل – قائد ميليشيا الدفاع الوطني في محردة.
- مدلل خوري – رجل أعمال مقيم في موسكو ويحمل الجنسيتين السورية والروسية.
- د. فواز مخائيل جرجس – المدير التنفيذي السابق لشركة “الصياد” الأمنية المدعومة روسياً، والمتخصصة في حماية المصالح الروسية وتجنيد مقاتلين سوريين للقتال في أوكرانيا.
- د. سامر درويش – المدير العام السابق لجمعية البستان والمقرّب من رامي مخلوف.
- أمجد بدران – دكتور مهندس وحقوقي، عضو مؤسس في المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا.
- صلاح نيوف – دكتوراه في العلوم السياسية، عضو مؤسس في المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا.
ويكتسب هذا الاجتماع أهميته من جمع شخصيات كانت على خلافات حادة قبل سقوط الأسد، مثل سامر درويش ورامي مخلوف وأمجد بدران وصلاح نيوف. هذا التنوع غير المسبوق يعكس تسارع الجهود لتشكيل جبهة موحدة في الساحل السوري، بعد سنوات من التشتت والانقسام. ويُعزى هذا التقارب إلى الدور الروسي، الذي استثمر التوتر القائم بين هذه الشخصيات والحكومة الانتقالية في دمشق، ليعيد هندسة توازنات جديدة في الساحل تخدم مصالحه الاستراتيجية.
مشروع عسكري واسع: إعادة بناء قوة قتالية قوامها 80 ألف مقاتل
يعمل التيار المحسوب على النظام السوري السابق على تطوير مشروع عسكري كبير يقوم على تشكيل قوة قتالية جديدة يبلغ قوامها نحو 80 ألف مقاتل من أبناء الطائفة العلوية، بينهم 10 آلاف عنصر نخبة تحت مسمى “قوات حرس الساحل”. ويُراد لهذه القوة أن تشكّل الذراع العسكرية للمجلس العسكري في الساحل السوري، بعد إعادة هيكلته وإعادة دمج الشبكات القتالية المتفرقة في الساحل وريفَي حماة وحمص الغربي ضمن بنية موحدة ومركزية.
وفي السياق ذاته، تم الاتفاق على إنشاء هيئة أركان تتبع مباشرة للمجلس العسكري في الساحل، تضم ضباطاً من الطائفة العلوية كانوا جزءاً من المؤسسة العسكرية للنظام السابق قبل أن يتواروا عن الأنظار خلال السنوات الماضية، على أن تتم دعوتهم للعودة والانخراط في المشروع الجديد ضمن إطار تنظيمي واضح.
إحياء الشبكات القتالية: استقطاب عناصر من الفرقة 25 واللواء 16 والدفاع الوطني
يعمل التيار المرتبط بالنظام السوري السابق على إعادة تنشيط شبكاته القتالية التقليدية عبر خطة منظمة تهدف إلى استقطاب المقاتلين الأكثر خبرة وانضباطاً من التشكيلات التي لعبت دوراً محورياً خلال سنوات الصراع. وتشمل الخطة استدعاء عناصر الفرقة 25 مهام خاصة، واللواء 16، إضافة إلى مقاتلي قوات الدفاع الوطني في محردة المعروفة باسم “قوات السهلية”.
وتقوم هذه الاستراتيجية على إعادة دمج هؤلاء المقاتلين ضمن وحدات قتالية جديدة تتبع مباشرة لقوات حرس الساحل، بما يضمن تشكيل نواة صلبة ذات خبرة ميدانية عالية، قادرة على تنفيذ مهام هجومية ودفاعية، وتوفير بنية عسكرية جاهزة للعمل تحت قيادة موحدة.
ولتحقيق ذلك، اعتمد القائمون على المشروع مقاربة تقوم على الحوافز المالية، عبر تقديم رواتب شهرية تتراوح بين 500 و700 دولار أمريكي، وهي مبالغ تفوق ما يحصل عليه المقاتلون في معظم التشكيلات العسكرية داخل سوريا حالياً. ويهدف هذا الإغراء المالي إلى:
- جذب العناصر الأكثر تدريباً وخبرة.
- ضمان ولاء المقاتلين للقيادة الجديدة بعيداً عن دمشق.
- خلق قوة جاهزة للانتشار السريع في الساحل والمناطق المحيطة.
- إعادة بناء شبكات النفوذ العسكري التي تفككت خلال السنوات الماضية.
وتعكس هذه الخطوة رغبة واضحة في إحياء البنية القتالية للنظام السابق، ولكن ضمن إطار جديد مستقل عن سلطة الأسد، وبما يخدم مشروعاً سياسياً وعسكرياً أوسع يجري العمل عليه في الساحل السوري.
تأسيس هيئة سياسية تمهيداً لإعلان “إقليم الساحل”
ناقش المجتمعون ملامح استراتيجية أولية لتأسيس هيئة سياسية موحّدة في الساحل السوري، تُشكّل الإطار المدني–السياسي للمشروع الجاري العمل عليه. وتقوم هذه الهيئة على دمج قوى وشخصيات علوية وفاعلين محليين ضمن بنية واحدة، تشمل:
- ممثلين عن الحركة الوطنية السورية في الساحل
- أعضاء من المجلس الإسلامي العلوي
- قيادات من المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا (PCCWS)
- شخصيات علوية بارزة ذات نفوذ اجتماعي وسياسي
ويهدف هذا التشكيل إلى وضع الأسس السياسية لإقامة نظام فيدرالي في الساحل السوري وريفَي حماة وحمص الغربي، بما يمهّد لإعلان حكم ذاتي تحت مسمى “إقليم الساحل”. ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها محاولة لإعادة إنتاج مركز قرار مستقل عن دمشق، يجمع بين الغطاء السياسي والامتداد الاجتماعي، ويوازي المشروع العسكري الجاري تشكيله في المنطقة.
وتعكس هذه المبادرة رغبة واضحة في بناء كيان سياسي متماسك قادر على التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية، وتقديم نفسه كبديل منظم وفاعل عن الهياكل التقليدية التي انهارت أو فقدت نفوذها خلال السنوات الماضية.
ميزانية ضخمة للمشروع: تمويل متعدد المستويات لإعادة بناء النفوذ
رُصدت للمشروع ميزانية مالية كبيرة تعكس حجم الرهان السياسي والعسكري الذي يضعه التيار المرتبط بالنظام السوري السابق على إعادة تشكيل نفوذه في الساحل. فقد خُصص مبلغ يقدّر بـ 250 مليون دولار أمريكي للمرحلة الأولى من تشكيل قوات حرس الساحل، بما يشمل عمليات التجنيد، التدريب، التسليح، وإعادة هيكلة البنية القتالية في المنطقة.
وفي موازاة ذلك، تم تخصيص 50 مليون دولار أمريكي لتأسيس الهيئة السياسية في الساحل، بهدف توفير غطاء مدني–سياسي للمشروع العسكري، وتمويل الأنشطة التنظيمية والإعلامية، وبناء شبكة علاقات محلية وخارجية قادرة على دعم مسار إعلان “إقليم الساحل” كصيغة حكم ذاتي.
وتشير هذه الأرقام إلى أن المشروع لا يُنظر إليه كتحرك تكتيكي محدود، بل كخطوة استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إنشاء كيان سياسي–عسكري متكامل، يمتلك الموارد والقدرة على التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية من موقع قوة.
التواصل مع موسكو: وفد للتفاوض مع القيادة الروسية
اختُتم الاجتماع بتشكيل وفد رفيع المستوى يضم ضباطاً يتمتعون بعلاقات وثيقة مع الدوائر العسكرية والاستخباراتية الروسية في موسكو، بهدف فتح قناة تفاوض مباشرة مع القيادة الروسية حول مستقبل المشروع السياسي–العسكري في الساحل السوري. ويأتي هذا التحرك في إطار السعي للحصول على دعم روسي رسمي لإعلان “إقليم الساحل”، إضافة إلى إنشاء غرفة تنسيق مشتركة مع القيادة الروسية في سوريا، بما يضمن إدارة العمليات العسكرية والسياسية ضمن إطار منظم يخدم مصالح الطرفين.
ويعكس تشكيل هذا الوفد رغبة واضحة لدى التيار المرتبط بالنظام السابق في تثبيت شرعية مشروعه عبر مظلة روسية، وتقديم نفسه كشريك يمكن الاعتماد عليه في إعادة هندسة التوازنات داخل سوريا، بعيداً عن سلطة دمشق.
أعضاء الوفد:
- اللواء سهيل الحسن – قائد القوات الخاصة في النظام السوري السابق.
- اللواء صالح سليمان العبد الله – رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة حلب سابقاً.
ويمثل اختيار هذين الضابطين تحديداً رسالة سياسية واضحة، نظراً لثقلهما العسكري وصلاتهما المباشرة بالمؤسسة الأمنية الروسية، ما يمنح الوفد قدرة تفاوضية أكبر في طرح مشروع “إقليم الساحل” كخيار قابل للتنفيذ بدعم خارجي.
تكشف التحركات الجارية في موسكو عن محاولة جدية لإعادة تموضع الدائرة الصلبة للنظام السوري السابق عبر مشروع سياسي–عسكري متكامل في الساحل، يستند إلى قوة قتالية كبيرة وهيئة سياسية قيد التشكيل، مع سعي مباشر للحصول على دعم روسي. ويأتي طرح “إقليم الساحل” ليضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد السوري، خصوصاً أنه يستلهم — بشكل غير معلن — نماذج الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا والحكم المحلي في السويداء، اللذين أثبتا قدرة على فرض واقع سياسي وإداري خارج سيطرة دمشق.
وإذا ما تطور هذا المشروع إلى كيان فعلي، فإنه سيضع الحكومة في دمشق أمام معادلة صعبة: تعدد الأقاليم شبه المستقلة، وتراجع قدرتها على فرض مركزية القرار، مقابل صعود مراكز نفوذ محلية مدعومة خارجياً. وهذا التحول، إن استمر، قد يعيد رسم الخريطة السياسية لسوريا، ويجعل من “إقليم الساحل” حلقة جديدة في سلسلة الكيانات التي تتشكل على أطراف الدولة المركزية.

