في أول كلمة له بعد التسجيلات المصورة التي ظهر فيها رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، تجاهل بشار الأسد القضية التي شغلت السوريين ووسائل الإعلام العالمية، ما يعني أن الأسد لم يكترث لرسائل الاستجداء وحتى التهديد التي حاول مخلوف تكرارها في التسجيلات المصورة التي نشرها مؤخراً على صفحته على “فيسبوك”.
وظهر الأسد الإثنين الماضي في كلمة له أمام الفريق المعني بمواجهة فيروس كورونا في سوريا، متحدثاً عن الأسباب التي دفعت الحكومة لتخفيف الإجراءات التي اتخذتها على الرغم من عدم انتهاء تفشي الفيروس.
وخلال الأسبوعين الماضيين ظهر رجل الأعمال السوري وابن خال بشار الأسد، المهندس رامي مخلوف في تسجيلين مصورين، ناشد فيهما الأسد التدخل ومحذراً من “كارثة مقبلة”، إذ تطالب الحكومة السورية مخلوف بدفع ضرائب تبلغ قيمتها نحو 125 مليار ليرة (92 مليون دولار، بحسب سعر الصرف البالغ 1360 ليرة للدولار الأميركي الواحد)، بينما يرى مخلوف أنها “غير محقة”.
أصل المشكلة
حتى اللحظة، لا يبدو أن الأسباب الرئيسية التي دفعت رامي مخلوف للحديث عن المشاكل داخل الغرفة المالية في القصر الجمهوري التي ينتمي إليها واضحة، لكن العديد من تحليلات الخبراء والباحثين ترجع الأمر إلى فشل السلطة السياسية في ضبط الفساد المستشري في البلاد، خاصة من قبل أمراء الحرب، الذين باتوا يؤثرون على الاقتصاد السوري.
وهو ما يؤكده، الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم، مشيراً في حديثه لـ “إيران واير” إلى أن “عمليات التهريب باتجاه لبنان ومناطق المعارضة من قبل أمراء الحرب وغيرها من العوامل، قاد إلى اختلالات كبيرة في العرض النقدي، وفقدان السلع والخدمات”، ما جعل “الغرفة الاقتصادية” في القصر الجمهوري والطبقة الاقتصادية المتمثلة برامي مخلوف والحرس القديم “يرزحون تحت ضغط كبير”.
إذ ضاعف الفساد المستشري في الدولة السورية الضغط على طبقة رامي مخلوف، و”بات أمراء الحرب الجدد يسيطرون على الوزراء، كما أن السلطة السياسية المتمثلة بأسماء الأسد وتيارها باتوا يعرقلون العملية الاقتصادية لحسابهم الخاص، وهو ما جعل رامي مخلوف وطبقته الاقتصادية يعانون من هذه التصرفات” بحسب الكريم.
يضاف إلى ذلك، وجود كميات نقدية كبيرة في السوق السورية، نتيجة طباعة النظام السوري للعملة السورية فئة 2000 ليرة بشكل كبير وعشوائي، إذ أن “المعروض النقدي” أكثر من احتياج البلاد، فيما لم يتخذ مصرف سورية المركزي (البنك المركزي السوري)، المحسوب على تيار أسماء الأسد أية خطوات لوقف ارتفاع سعر صرف الليرة السورية، ما تسبب تالياً بانهيار العملية الاقتصادية، وزيادة الضغط على الطبقة الاقتصادية وتيار رامي مخلوف.
عدا عن ذلك، فإنه خلال السنوات الأخيرة زادت “محاولات الطبقة السياسية الإثراء على حساب الطبقة الاقتصادية دون التنسيق مع الأخيرة، وفي العادة هناك تنسيق بينهم، لكن نشاهد الآن الطبقة السياسية متمثلة بأسماء الأسد تحاول السيطرة، وابتلاع الطبقة الاقتصادية المكونة للنظام لصالحها الخاص، وإطلاق يد أمراء الحرب من أجل مساعدتها بذلك، وهذا أمر خطير جداً” بحسب الكريم.
لكن، الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، قال إن “الخلاف الحقيقي؛ هو خلاف على الأموال والمبالغ المالية التي يديرها رامي مخلوف خارج سوريا، كون كل ما هو داخل سوريا عملياً بيد النظام، الذي يستطيع أن يخرج رامي منها” مشيراً في حديثه لـ”إيران واير” “تقدر قيمة الثروات التي في الخارج بـ 100 مليار دولار، لكن من غير الواضح الآن، كيف يمكن للنظام أن يمسك رامي ويجبره على التنازل عنها”.
وأضاف بربندي وهو دبلوماسي سابق في السفارة السورية بواشنطن “في الفيديو الثاني قال رامي: هم طلبوا مني التنازل عن كل شيء، وستكون بأمان” مستدركاً “كل شيء بالتأكيد ليست سيريتل، كل شيء هي الأموال خارج سوريا”.
الصراع داخل النظام
حملت تسجيلات رامي مخلوف الأخيرة رسائل ودودة إلى بشار الأسد، إلا أنها تحمل في طياتها تهديدات بالغة الخطورة، ما يشير إلى أن النظام قد يذهب إلى حالة صدام داخلية بين مكوناته، وهو ما يدلل عليه تصريحات مخلوف حينما كرر، أن الأمر سيقود البلاد إلى “حالة صعبة”.
إذ كشفت أشرطة مخلوف ومن قبلها القرارات العشوائية الصادرة عن مؤسسات الحكومة السورية صراعاً جلياً بين مكونات النظام السوري، خاصة مع توغل حلفاء النظام الروس والإيرانيين في مفاصل الدولة السورية، وهو ما عبر عنه مخلوف في شريطه الثاني، متهما أجهزة الأمن السورية باعتقال موظفي شركة سيرياتل، متقاطعا ذلك مع تقارير باعتقالات لكبار موظفي شركة سيرياتل، من بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أكد “اعتقال أجهزة النظام الأمنية لأكثر من 28 من مدراء وتقنيي شركة سيرياتيل للاتصالات العائدة ملكيتها لرامي مخلوف، وذلك بتوجيهات روسية، ولم يتقصر الأمر على التوجيهات فقط، بل رافقت قوات روسية حملات الدهم والاعتقال للمدراء والتقنيين” بحسب المرصد السوري.
ويمكن التمييز، بحسب الكريم، بين خمس تيارات رئيسة في قلب النظام، هي: تيار أسماء الأسد، وهو عبارة عن تيار مكون من مكاتب عامة وأمراء حرب لا يمكن الوثوق بهم. والتيار الثاني هو حرس النظام، وهو مكون من آل مخلوف وبعض العلويين وكبار الضباط، بالإضافة للطبقة البرجوازية التقليدية والبعثيين القدامى. أما التيار الثالث فهو الموالي لإيران، وهم طبقة من التجار الجدد الذين تدعمهم إيران للظهور، ويدينون لها بالولاء، ويتحركون بأمرها، إضافة لبعض البرجوازيين القدامى الذين تربطهم علاقة دينية مع إيران. والتيار الرابع، فهو طبقة صغيرة جداً موالية لروسيا، وتعاملوا سابقاً مع أوروبا الشرقية. أما التيار الخامس والذي ظهر مؤخراً فهو تيار أمراء الحرب، الذين “ليس لديهم طرف، ويدينون الولاء للأقوى عبر المناطق التي يمرون بها، مثل الأخوة قاطرجي وحسواني وغيرهم”.
وخلال السنوات الماضية، تبدلت التحالفات والخلافات بين هذه التيارات وفقاً لما تقتضيه مصالحها، على سبيل المثال، منذ العام 2015 نشأ تحالف “قوي جداً، بين التيار الروسي وتيار أسماء الأسد، وقويت العلاقة أكثر في منتصف العام 2018، وبدأوا بكيل الضربات لتيار حرس النظام للسيطرة عليه”، قاد ذلك “حرس النظام” أو ما يعرف بتيار رامي مخلوف إلى التقارب مع إيران بحثاً عن حليف قوي، وفق الكريم.
من هي راماك؟
تكرر في أشرطة الفيديو الخاصة برامي مخلوف، ذكر اسم “شركة راماك”، إذ بدأت مجموعة “راماك” بالظهور في العاصمة دمشق في 12 كانون الثاني/يناير 2003، حينما أسس رامي مخلوف شركة “راماك للاستثمار” برأس مال قدر حينها 3 مليون ليرة سورية، وفي أيار/مايو 2009 أسس مخلوف، في العاصمة السورية شركة “راماك للمقاولات” برأس مال قدره 10 ملايين ليرة سورية.
وبعد اندلاع احتجاجات سوريا بـ 5 أشهر، أسس مخلوف شركة “راماك للمشاريع التنموية والإنسانية”، وفي أيلول/سبتمبر 2018 أسس أيضاً ما يسمى “شركة راماك للمشاريع التنموية والاستثمارية” برأس مال قدره 5 مليون ليرة سورية، وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته أسس مخلوف شركتي “مجموعة راماك الاستثمارية” برأس مال 15 مليون ليرة سورية و “شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية المساهمة المغفلة القابضة الخاصة” برأس مال قدره مليار و 30 مليون ليرة سورية، والتي تستحوذ على الحصة الأكبر في شركة الاتصالات “سيريتل”، والتي تقدر بـ 42% من رأس مال الشركة، بعد قيام مخلوف بنقل كل ما يملكه من أسهم في “سيريتل” إليها، وهو ما يشكل نوع من الالتفاف والتحايل.
وتعمل راماك التنموية والإنسانية في المجال العقاري والتجاري والصناعي والزراعي والخدمي والاستثماري، إضافة للنقل والسياحة والتعهدات والمقاولات، كما يحق للشركة بحسب ما جاء في قرار تأسيسها، شراء أسهم أو حصص في شركات مساهمة أو محدودة المسؤولية تمارس أي نشاط استثماري، كما يمكن للشركة المساهمة في تأسيس مؤسسات مالية وفق الأنظمة والقوانين السورية.
وقبل عام 2010 نشطت شركة راماك في تأسيس وبناء الفنادق، كفندق روتانا في العاصمة دمشّق ومشاريع قرب مطار دمشّق الدولي وضاحية دمر وقدسيا، إضافةً إلى مشاريع الأبنية في يعفور التي يقطنها أبرز المسؤولين ورجال الأعمال السوريين، إلى جانب مشاريع تطوير محطة تشرين الحرارية.
ويرجع الباحث يونس الكريم، تأسيس راماك الإنسانية إلى نية رامي مخلوف “التخلص من الضغط الشعبي الذي يتهمه بالفساد منذ ما قبل الثورة السورية، حتى أن دولاً كثيرة انتقدت السلطة الاقتصادية الممنوحة لرامي مخلوف من قبل بشار الأسد، بحيث لا يمكن بناء مشروع حقيقي إلا من خلال شراكة رامي”.
من هي “جمعية البستان الخيرية”؟
على الرغم من أن جمعية البستان الخيرية تأسست في أيار/مايو 1999، من قبل رامي مخلوف، إلا أنها نشطت بشكل أكبر خلال فترة التسع سنوات الماضية من الحرب بشكل أكبر، في مجال الإغاثة والعمل الإنساني، ومساعدة أسر قتلى النظام وعناصره الجرحى، عدا عن دعم وتشكيل ميلشيات عسكرية تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية.
وتقع الجمعية في منطقة “بستان الباشا” بريف اللاذقية، إلا أنها تملك فروع ومقرات في العديد من المحافظات السورية.
في آب/أغسطس 2019 استدعت اللجنة الأمنية في القصر الجمهوري، سامر درويش مدير عام جمعية البستان، والمقرب من رامي مخلوف على خلفية قضايا تتعلق بـ”الفساد وتمويل الإرهاب، ومصادر تمويل الجمعية ورواتب عناصر المليشيات التابعة لها وغيرها من التهم” بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية.
وسامر درويش، هو ابن اللواء المتقاعد أحمد درويش، الذي عمل مستشاراً للشؤون الأمنية في القصر الجمهوري. ولم يستمر توقيف درويش طويلاً، إلا أن دوريات تتبع لأمن القصر الجمهوري داهمت مقرات ومراكز تابعة للجمعية وصادرت عدد من الأجهزة الإلكترونية واعتقلت بعض العاملين فيها.
وقال أحد المتطوعين في الجمعية، لـ”إيران واير” والذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن “درويش عزل من الجمعية، وجمدت أمواله من قبل الأجهزة الأمنية” مضيفاً “درويش أحد رجالات رامي مخلوف والمشرف على تنظيم الهيكلية المالية للمليشيات التي تقوم الجمعية بتمويلها شهرياً لغاية حزيران 2019 حينما عزل درويش”.
وأكد المصدر أن “قوات الدفاع الوطني وجزء من الأمن العسكري كانوا يتلقون تمويلاً مباشراً من جمعية البستان، حيث تبلغ قيمة راتب كل عنصر ما يقارب 120 ألف ليرة، وهو ما كان يعادل حينها قرابة 150 دولاراً”.
وعلى مدار العقدين الماضيين تركز نشاط الجمعية إلى حد كبير في الساحل السوري، ما يشير إلى محاولة رامي مخلوف “خلق حاضنة شعبية في الساحل”، تدين بالولاء المطلق للنظام السوري، الأمر الذي ظهر جلياً في أشرطة الفيديو الأخيرة، والتي ظهر فيها رامي مخاطباً حاضنته الشعبية في الساحل.
إضافة إلى ذلك، تشكل شركات مخلوف الإنسانية وسيلة لتهريب الأموال من الدولة السورية، إذ بحسب القانون السوري يعفى مالكو هذه المؤسسات ضريباً، وبحسب الباحث الكريم “النظام رغم توغله بالدولة، إلا أن أوراقه كلها نظامية والأفعال والإجراءات الاقتصادية التي يقوم بها هي نظامية مئة بالمئة”، لكن سعى النظام إلى “خلق ثغرات وفجوات يستطيع تهريب وتمرير قوانين كثيرة لصالحه على حساب الدولة السورية”.
مضيفاً “وحتى لا تطبق الميزات التي حصل عليها رامي مخلوف على الآخرين، منع تشكيل جمعيات أخرى لها نفس الميزات”.
وعدا عن كونها نواة لتمكين وتشكيل المليشيات، يرى الكريم أن الجمعية “وسيلة للمسح الجغرافي والديمغرافي والاقتصادي والعلمي، وهذه وسائل مهمة جداً لمعرفة البلد، وهذه الجمعيات جزء مكون أساسي للنظام” مضيفاً “نستطيع أن نعتبرها الحديقة الخلفية للنظام إن صح التعبير”.
علاقة رامي وإيران
حينما اشتد الضغط على تيار “حرس النظام” بدأت قيادة التيار المتمثلة برامي مخلوف البحث عن “حليف قوي”، والذي وجد في إيران ذلك، بعد تقارب التيار الروسي من أسماء الأسد، إذ تلاقت مصالح الطرفان عند “بناء حاضنة شعبية”.
حيث ترغب إيران بـ”كسب ولاء الحاضنة العلوية، من فقراء الساحل للضغط على روسيا من أجل فسح مجال لبعض المشاريع الاستراتيجية لإيران” بحسب الكريم.
وعلى الرغم من ذلك، لا تشكل هذه التقاربات نمطاً يربط التيارات المكونة للنظام السوري بشكل دائم، إذ تتبدل العلاقة بتبدل المصالح، ما يعني أنه لا تحالفات عميقة بين هذه التيارات، بما فيها علاقة مخلوف وإيران.
وخلال التسجيلين المصورين ظهر رامي مخلوف بخطاب ديني “غريب من نوعه”، وبحسب الدبلوماسي بسام بربندي، فإن “رامي لا ينتمي لعائلة متدينة أو قريبة من الدين، حتى أفعاله وتصرفاته لا تدل على أنه رجل لديه أخلاق”.
مضيفاً “في فترة من فترات الصراع في عام 2016 و 2017 و 2018 تلاقت مصالح رامي وحزب الله عبر جمعية البستان، التي كانت أداة إنسانية وفي ذات الوقت أداة لتدريب المليشيات التابعة لرامي، بتدريب إيراني” إذ يمكن أن يكون “البعد الديني” في خطاب مخلوف الأخير موجهاً إلى عناصر مليشياته الموالية لإيران، والتي أصبح قسم من عناصرها “متشيعاً”. واعتبر بربندي أن “جزء من الخطاب كان موجهاً للطائفة العلوية في الساحل، يريد أن يقول لهم نحن في موقف صعب”.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن العلاقات التي تربط رامي مخلوف بحزب الله اللبناني، إحدى الأذرع الإيرانية في المنطقة، أكبر من ذلك، وهو ما يدلل عليه، اكتشاف السلطات المصرية والسعودية خلال الأيام العشرة الماضية لكميات ضخمة من المواد المخدرة مهربة من سوريا، إحداها كانت في شحنات تجارية لمعامل رامي مخلوف.
وقال بربندي “حزب الله أكبر مُصنع للمخدرات في الشرق الأوسط، وهذا يدل أن علاقة رامي مع حزب الله، عميقة، وهي ليست أيديولوجية، إنما من ناحية الاستفادة المالية المتبادلة أو تدمير الأعداء على اعتبار أن السعودية ومصر أعداء محور المقاومة، وهذه سياسة إيرانية ثابتة”.