تلفزيون سوريا-يونس الكريم
اعتادت دمشق على حضن مسقط الدافئ في كل محطة سياسية مفصلية تشتد أزمتها على نظام الأسد، لعله يستطيع بتحريكه لمسقط أن يرخي قيود الحصار، وتعطيه فرصة لملمة خيارته الداخلية، فالأزمات باتت تعصف بكيانه من دون القدرة على معالجتها، فأزمة العملة السورية تتسارع نحو الانهيار مع محاولات البنك المركزي السوري العاجزة عن مواجهة هذا الانهيار من خلال إلغاء الطلب وتجميد العرض، وتشديد إجراءات تداول الليرة السورية بالسوق، ولم ينجح الإجراء إلا مؤقتاً، وهو ما يخيفه من ارتدادات انهيار العملة، فسارع إلى مسقط لعله بهذا الإجراء يكسب بعض الوقت للمناورة، فهل زيارة مقداد وزير الخارجية السوري إلى سلطنة عمان وفتح باب الزيارات يكون هو الوقت الذي يحاول أن تكسبه إجراءات المركزي؟ أم أن الزيارة خلال ذكرى عشرة أعوام على انطلاق الثورة لها أهداف أخرى؟
لعل زيارة مقداد إلى مسقط وإعلان اتفاق “الإعفاء المتبادل من التأشيرة” بين وزير الخارجية حكومة الأسد فيصل المقداد ووزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي التي دعيت بـ”اتفاقية الإعفاء المتبادل” لحملة الجوازات الخاصة من تأشيرة الدخول حسب مواقع إعلامية (يقصد بالجوازات السفر الخاصة هي التي يتم منحها من وزارة الخارجية (إدارة المراسم) وهي تمنح لكبار الموظفين في الدولة وزوجاتهم والمقربين منهم)!، لكن سأناقش الاتفاقية على أن كل حملة الجوازات السفر السورية هي جوازات خاصة!.
فقد سبق أن منحت سلطنة عمان إعفاء تأشيرة الدخول إلى دولة عربية خارج مجلس التعاون عام 2021 وهي (الجزائر ، الأردن، تونس، موريتانيا، مصر) وأقصد بإعفاء التأشيرة أن تؤخذ التأشيرة من بوابة الحدودية للدخول للسلطنة عُمان وذلك في إطار إعفاء رعايا 103 دول من التأشيرة تنفيذاً لخطة مسقط الاقتصادية، على أن هذه التأشيرة هي فقط بين (عشرة أيام وشهر) وصالحة لستة أشهر، يدفع عن كل شهر 20 ريال عماني (52 دولار) وكل يوم تأخير 10 ريال غرامة (26 دولار) ويحتاج المسافر لإقامة 10 أيام إلى 500 دولار حسب مواقع تهتم بالسفر إلى عُمان مع سلسلة متطلبات إدارية مثل الحجز الفندقي المسبق، أي أن هذا الإعفاء هو محدود الزمن والإقامة، كما يتطلب السفر من سوريا إلى عمان عبر أجنحة الشام إلى مبلغ لا يقل عن 600 دولار ( ذهاب -إياب) بحسب الأسعار 2018 أو 400 دولار ذهاب فقط، أي أن الشهر يحتاج إلى نفقات تقريبية (2652 دولار إضافة الحجز فندقي)، وهذا المبلغ غير متوفر بالنسبة للشعب السوري الذي يعاني من طوابير على السلع الأساسية و92% من الشعب تحت خط الفقر أي يصرفون أقل من 1.2 دولار يومياً، طبعا اذا تجاهلنا أنه صعب بسوريا الحصول على الدولار وتجاهلنا القانون الذي أصدره البنك المركزي والذي ذكرته في الأعلى..
النظام السوري يسعى إلى القول لـحاضنته الشعبية بأن هناك حلحلة دولية للقضية السورية وأن إلغاء الحصار عليه ليس أكثر من مسألة وقت
إذا ما الحاجة إلى توقيع هذا الاتفاق؟
تأتي أهمية هذا الاتفاق من عدة نقاط: فعلى صعيد السياسة الداخلية؛ فإن النظام السوري يسعى إلى القول لحاضنته الشعبية بأن هناك حلحلة دولية للقضية السورية وأن إلغاء الحصار عليه ليس أكثر من مسألة وقت، وأن الأموال الخليجية قادمة وبالتالي سينعكس ذلك على تحسن سعر الصرف وانطلاق إعادة الإعمار وخلق فرص عمل جديدة، ما يعني تبديد خوف المواطنين من فقدان السلع وارتفاع الأسعار، مما يعطي لتحركات البنك المركزي وحكومة الأسد بعض الثقة من المواطنين فيتحسن.
السياسة الخارجية
إن عُمان لاعب دولي قديم له دور مهم حيال ما قامت به عام 2012، عندما سهَّل العمانيون إجراء محادثات سرية في مسقط بين كبار المسؤولين الأميركيين والإيرانيين قبل المفاوضات متعددة الأطراف، التي انتهت بعقد الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
ساعدت القناة العُمانية في حل الخلافات بين الجانبين، كما مهدت الطريق للمكالمة الهاتفية التاريخية بين رئيس الولايات المتحدة آنذاك باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني عام 2013.
وفي القضايا البارزة الأخرى، أدى العمانيون دوراً مهماً في الوساطة، إذ تفاوضوا مع الإيرانيين للإفراج عن ثلاثة من الأميركيين اعتُقلوا عام 2009، وأظهرت البرقيات المسربة أن يوسف بن علوي، وزير الخارجية العماني، عرض في اتصال مع السفارة الأميركية لدى عُمان، أن تكون “عُمان منظِّم ومكان انعقاد أي اجتماع تريده الولايات المتحدة مع إيران، إذا ظل سراً” (وهنّا تكمن الوساطة) وبالمثل لربما هي محاولة من مقداد طلب التوسط لدى العمانيين لقبولهم القيام بدور وسيط بينهم وبين الأميركيين بخاصة أن إدارة بايدن هي امتداد لإدارة أوباما.
سياسياً، تريد دمشق أن تأخذ شرعية للانتخابات الرئاسية التي ستقود إلى عملية تعويمه، كما تقوم عُمان التي تملك موقع مميز بمجلس التعاون الخليجي التي سميت القمة الخليجية 41 الأخيرة ب “قمة السلطان قابوس والشيخ صباح” يمكن لها أن تقوم بدور المصالحة بين حكومة الأسد مع مجلس التعاون، بخاصة أن هذه الزيارة تأتي بعد زيارة وزير الخارجية لافروف إلى الدول الخليجية.
اقتصادياً، مع استمرار التشديد بقانون سيزر وتدهور لبنان رئة الأسد البنكية، يعمد الأسد إلى إيجاد بديل لهم، وسلطنة عمان تقيم علاقات جيدة مع كل من حلفاء حكومة الأسد، مما يجعل عملية التحويلات المالية أسهل حتى مع إيران كون سلطنة عمان كانت الاستثناء الأبرز من العقوبات الأميركية للمتعاملين مع إيران، وبالتالي يسهل دعم الأسد مالياً وتكون عُمان منصة جذب الاستثمارات في حال رفض الولايات المتحدة الوساطة، وهذا ربما يتماشى مع مضي حكومة الأسد رغم التردي الاقتصادي بمشاريعه الاقتصادية من إكساء يلبغا إلى المضي ببناء مشروع ماروتا سيتي إلى تنظيم القابون وغيرها من مشاريع دمشق الشام القابضة إلى شركات الخليوي.
إن عُمان الآن تُعتبر كـ “طوق النجاة” لدى الأسد، إذا ما استمرت الانتقادات الدولية والضغوط لتقديم تنازلات سياسية من قبل دمشق
كما تستطيع أسماء الأسد التي تعتبر الآن متصدرة المشهد الاقتصادي للنظام السوري إلى القيام بالأعمال المالية للنظام وحتى ملاحقة المناوئين لها داخل النظام والتضييق عليهم.
إن عُمان الآن تُعتبر كـ “طوق النجاة” لدى الأسد، إذا ما استمرت الانتقادات الدولية والضغوط لتقديم تنازلات سياسية من قبل دمشق، فهل ستسلك إدارة بايدن والأوروبيون الدور ذاته في تعاملهم مع الإيرانيين حيال مفاوضات الاتفاق النووي، بحيث يتركون للأسد منفذ للمناورة، أم أنهم قد يتبعون أسلوب ترامب بتهديد عُمان كما فعل مع الإمارات بعدم الاقتراب من دمشق؟!.