اقتصادي – خاص
وقعت “مجموعة قاطرجي” عقداً مع أكبر شركة في الصين لإنشاء أكبر معمل في سوريا، لتصنيع وتجميع الآليات الثقيلة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى جدّية الصين في الاستثمار بسوريا رغم استمرار قانون “قيصر” المفروض من الولايات المتحدة منذ سنوات، وعلى “قاطرجي” تحديداً الذي اقترب من بداية النهاية على يد النظام.
ونشر موقع “سينسيريا” إن المعمل المزمع إقامته سيختص بتصنيع (الشاحنات – باصات البولمان – باصات النقل الداخلي – الفانات – والميكروباصات)، على أن يكون الأول من نوعه في سوريا، والأكبر على مستوى الشرق الأوسط، حيث سيتم تصدير منتجاته إلى دول الجوار وافريقيا بعد تحقيق الاكتفاء الكامل في السوق السورية.
ولم يفصح الموقع عن اسم الشركة الصينية أو طبيعة العقد الموقع مع “قاطرجي”، خلال مشاركتها ضمن الجناح السوري في معرض إكسبو دبي 2020.
بالنسبة للصين، تعتبر سوريا ضمن خطتها لمكافحة الراديكالي الإسلامي، ينتمي لهم مسلمي الإيغور، الذين تخشى بكين عودتهم، خاصة مع توارد أنباء عن مشاركة مقاتلين من الإيغور في صفوف المعارضة بجبل الزاوية ومع الأكراد، الأمر الذي دفع بالصين لدعم النظام وحلفائه.
وترى بكين في الأزمة التي وقعت بها كل من روسيا وإيران، بعد تدخلهما في سوريا، فرصة لجذبهما كحليفين قويين، بمواجهة أميركا وأوروبا، فضلاً عن كونهما سوقاً كبيرة تحتاجها الصين، لايقل عنه أهمية عاملان جاذبان تملكهما سوريا، هما الموقع الجغرافي الذي تشغله سوريا على طريق الحرير (الحزام والطريق) المزمع إقامته، وسوق إعادة الإعمار المرتقب في سوريا والمرتبط بإعادة إعمار كل من لبنان والعراق واليمن.
وعلى النقيض، ورغم كل الإيحاءات بقرب دخول الصين إلى سوريا، بوجود عدة مغريات اقتصادية وسياسية، إلا أن بكين لم تزل تتريث في خطوتها هذه، فهي تدرك تماماً أن أي خطوة استثمارية لها ستفتح باب العداء مع أميركا وأوروبا، وتضعها أمام عقوبات دولية تطال شركاتها المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، عدا عن العداء مع القوى الإقليمية الوازنة مثل قطر ومصر وتركيا والسعودية وغيرها.
وكنتيجة حتمية لسنوات حرب طويلة وعقوبات اقتصادية دولية، باتت سوريا منهكة وغارقة بالحرب الأهلية، الأمر الذي يجعل الحديث عن إعادة الإعمار والمشاريع الاقتصادية فيها، ترف مبالغ به.
ولا يغيب عن بال الصين، أن واشنطن فرضت في نوفمبر 2020 عقوبات وفق قانون “قيصر على “مجموعة قاطرجي”، الأمر الذي يجعل أي شراكة أو تعاون معها غاية في الخطورة والتعقيد، لجهة أن العقوبات الاقتصادية ستمس توريدات القطع عبر الدول وصولاً إلى سوريا، كذلك عملية السداد البنكي، إضافة للعقبات المحلية للعمل التي تشمل توفير الوقود والطاقة اللازمة للمعمل، عدا عن صعوبات تتعلق بتوفير اليد العاملة، فالمحلية منها تحتاج إلى تدريب وخبراء، أما في حال الاستعانة بيد عاملة أجنبية فذلك سيرفع التكاليف، نظراً لكون رواتب العامل الأجنبي الواحد بحدود 2000 دولار، والموظف الإداري 3500 دولار، يضاف لتلك الرواتب نسبة لا تقل عن 30% لتأمين الحماية الأمنية لهم، وبذلك تصبح التكلفة كبيرة جداً.
وحتى إذا تم تجاوز عقبات العمالة والتوريد والسداد وغيرها، فإن قاطرجي يواجه منذ عدة أشهر حملة تحجيم من النظام، فقد أُرغم في شهر يونيو 2021 على دفع مبلغ 5.8 مليار كمخالفة جمركية لمنشأته في الشيخ نجار، كما تعرض لضغوط بقصد تحجيم شركاته خاصة النفط والقمح والنقل.
وكنتيجة منطقية لكل ماسبق، يبدو جلياً أن المشروع المعلن عنه بين الصين و”مجموعة قاطرجي” غير قابل للتطبيق، في حين أن الهدف من تسليط الضوء على مثل هذا المشروع، يصب ضمن إجراءات يتخذها النظام قبل تقليص نفوذ أي شخصية وتحييدها عن الواجهة، كما سبق وحدث مع شخصيات سياسية واقتصادية كانت ذات صلات قوية بالنظام.