اقتصادي-خاص:
انتشرت كمية كبيرة من الدولار في الأسواق السورية ما دفع بالكثير من التجار إلى التهامس بأنه دولار مزور، محاولين تبرير أسباب تواجده بكثرة، في وقت تعاني فيه الحوالات المالية والحركة التجارية جموداً بسبب توقف الحياة الاقتصادية، إثر قوانين حكومة النظام من جهة، وكنتيجة للعقوبات الدولية من جهة أخرى، بينما أذاع المصرف المركزي التابع للنظام على التجار والمواطنين بضرورة الحذر من التعامل بالقطع الأجنبي مع جهات غير مرخصة، وذلك عقب اكتشاف ورود حالات من العملات الأجنبية المزورة خاصة أثناء دفع البدل النقدي للخدمة العسكرية.
فهل يمكن اعتبار تهامس التجار وما تلاه من تحذير المركزي دليل على وجود دولار مزور؟
في الحقيقة، لا يوجد دليل على تداول دولار مزور في أي من المناطق السورية بالوقت الحالي، لكن المؤكد أن هناك انتشار كبير للدولار المجمد.
وسبق لقاضي محكمة الجنايات المالية والاقتصادية في حكومة النظام أن أكد في 19 يونيو الماضي، أن حالات تزوير الدولار التي وردت إلى المحكمة في دمشق قليلة جداً ولم تتعدى القضيتين منذ بداية العام 2022.
لقد حظرت قوانين حكومة النظام تداول الدولار بين المواطنين من خلال (المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020 القاضي بتعديل المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013 المتعلق بمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات) فضلاً عن جمود سوق العقارات، ومراقبة سوق الذهب، إضافة لتوقف الحوالات الرسمية واعتمادها على مبدأ الثقة، كل هذا جعل وصول الدولار إلى الداخل السوري محدوداً بشكل كبير ومحصوراً بقنوات محددة، لذا لا يمكن الكشف والتحقق من كل مايدخل إلى البلاد، ورغم ذلك ليس من المستحيل اكتشاف المزور من العملة الصعبة، بينما من الصعب جداً كشف المجمد من الدولار.
ويقصد بالدولار المجمد، الدولار الذي ألغى الفدرالي الأمريكي التعامل به بالاعتماد على علامات الأمان وتحديدا أرقامها التسلسلية، كونها أرصدة من بنوك سرقت أو دول تعاني عقوبات عليها.
ويمكن القول، إن مصدر هذه الأموال (الدولار المجمد) في سوريا، هو ماتم إحضاره من ليبيا من قبل المقاتلين السوريين الذين ذهبوا للمعارك هناك إلى جانب الروس، فضلاً عن ورود كميات عن طريق الإيرانيين الذين حصلوا عليها من العراق، إضافة إلى الدولار الناتج عن تجارة المخدرات.
وينتشر الدولار المجمد في مناطق قسد والريف الشرقي، ويعتبر القاطرجي وأبو دلو (فؤاد محمد جميل) هم من يقف خلف محاولة تمريرها من خلال صفقات دفع ثمن النفط لقسد، إلا أنه تم اكتشاف الأمر وإعادتها لقاطرجي، ليقوم بالتصرف بها بين سكان الريف الشرقي بحيث يصعب اكتشافها وملاحقتها، من خلال شراء العقارات والسيارات ودفع أسعار الحبوب وغيرها وبحماية قواته العسكرية من ملاحقة النظام لحيازتهم للدولار.
وإذا نظرنا للدورة المالية للدولار لوجدنا أنها تتراوح بين شهرين لـ6 اشهر، وهي ذات الفترة التي تناسب الدورة المالية الدولار المجمد، كما أن الفئات المكتشفة وبحسب المعلومات تشمل فئات الـ100 و50 دولار وهذا يؤكد أنه دولار مجمد.
والدولار المجمد هو دولار مطبوع بشكل نظامي إلا أنه يمنع التعامل به، والفرق بينه وبين المزور أن اكتشافه لا يتم إلا عن طريق المصارف، بخلاف الدولار المزور الذي يمكن اكتشافه من خلال فحصه لدى المصارف أو الصرافين ذوي الخبرة.
وفي بعض الحالات يمكن تجميد سلسلة معينة من أرقام الدولار الأمريكي إذا تمكن الفيدرالي الأمريكي من معرفتها حيث يتم إبلاغه بها في حال سرقة المصارف كما هو الحال لدى سرقة البنوك الليبية، حيث تم تجميدها بناء على أرقام الأوراق المسروقة.
ولا يكون التعامل بالدولار المجمد بين الجهات الرسمية أو الدول، ولا يمكن استخدامه لأي تعاملات رسمية كإيداعات في البنوك كما لا يمكن استخدامه في التعاملات التجارية أو حتى على الحدود، بحسب خبراء.
وقد أعلنت “وزارة الداخلية” في حكومة النظام سابقاً إلقاء القبض على شخص يقوم بترويج الدولار الأمريكي مزور على أنه ليبي مجمد في ريف حمص.
وينتشر الدولار المجمد في الدول التي تعاني من اقتصاد متهالك ونزاعات وحروب، ومصدر هذه الدولارات هي البنوك المنهوبة من تلك الدول، وخاصة العراق وليبيا، لكن بنوك تلك الدول التي تعرضت للسرقة أبلغت المركزي الأميركي بأرقام هذه الدولارات لحظر التعامل بها عبر المصارف والبنوك بالتعاملات الرسمية عالمياً.
ويعتبر الدولار المجمد الآن أكثر خطورة من الدولار المزور، رغم أن كمية الدولار المجمد محكومة بأرصدة محددة، بينما التزوير فيرتبط بنشاط عصابة وعادة يتم طباعة كمية كبيرة منها، لكن النوع الأول (المجمد) لا يمكن اكتشافه إلا من خلال برقية دولية من الانتربول أو الفيدرالي الأمريكي، بينما النوع الثاني (المزور) يسهل اكتشافه عند فحص علامات أمان الدولار ومن خلال أجهزة حديثة.
وفي الوقت الحالي، يتدفق النوعان من الدولار المزور والمجمد على السواء، في عمليات شراء السلع للتخلص منهما مقابل السداد خارج مناطق انتشارهما، لكن ذلك يحرم البلد من قدوم أموال جديدة ومن ثم حرمانها من السلع.
وبما أن الأشخاص الذين يضخون هذه الأموال هم أمراء الحرب الذين يملكون شركات صرافة، فهناك مخاوف من قيامهم خلال الأيام القادمة بتسليم الحوالات بالدولار المجمد وأخذ ما يرد من دولار الحوالات النظامية، وتزداد خطورة الأمر عند استيلاءهم على أموال المنظمات والمشاريع، التي لن تتمكن من الإعلان عن نفسها عند خسارتها، لأسباب أمنية ولأسباب تتعلق بالمنح، مما يقود إلى جعلهم جزءاً من هذه العملية من خلال استمرار التداول بالعملة المجمدة حرصاً على عدم توقف المشاريع، وذلك يشجع عصابات التزوير على شراء دولار المجمد بالمزور، الأمر الذي يخلق صعوبة في احتواء هذا الدولار بالسوق السوداء، في وقت بات نحو 90% من اقتصاد سوريا يعمل بالسوق السوداء.
إن الوصول إلى ماسبق ذكره سيؤدي إلى فقدان ثقة السوريين بأي عملة، وهذا سوف ينقلب على البنوك التي أموالها لدى التجار لتظهر حالة إعسار، فضلاً عن أن اكتشاف الدولار المجمد لدى أي بنك يعرضه للعقوبات وتقييد تعاملاته مع البنوك الأخرى.
وظهر الدولار المجمد بكثافة ٢٠٢١/٢٠٢٢ مع نشاط تجارة المخدرات، ما يعني أن جزء منه يدفع ثمن هذه المواد !
وكل هذا يقود إلى مزيد من التعقيد بالمشهد السوري .