يسعى النظام السوري للاستفادة من الآثار الاقتصادية والسياسية التي خلّفها الزلزال، في محاولة لكسر عزلته السياسية وتحسين الاقتصاد السوري وإعادة السيطرة على الجغرافية السورية، بعد تجميد الولايات المتحدة بعضاً من العقوبات التي تستهدف مؤسساته ضمن برنامج عقوبات “قيصر” خصوصاً تلك التي تستهدف مصرف المركزي السوري وفق “المادة 101” وتفرعاتها.
صندوق إعادة الإعمار
وعقب عدد من القرارات التي أصدرها المصرف المركزي السوري لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الأموال الداخلة كتبرعات إلى مناطق سيطرة النظام من أجل دعم المنكوبين من الزلزال، سواء الدولية أو الشخصية، قررت حكومة النظام قبل نحو أسبوع، إنشاء “صندوق وطني” لإعادة إعمار المناطق المنكوبة.
وقال رئيس حكومة النظام حسين عرنوس في جلسة استثنائية للحكومة إن الصندوق “خطوة مهمة من أجل إعادة إعمار المناطق المنكوبة وضرورية للمساهمة في إعادة بناء ما دمره الزلزال في مختلف القطاعات”، مضيفاً أن يتم التواصل مع “مختلف الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات الدولية المعنية بالإغاثة لتقديم الدعم للشعب السوري لمواجهة تداعيات هذه الكارثة”.
ويرى المدير التنفيذي لمنصة “اقتصادي” يونس الكريّم أن قرار إنشاء الصندوق هو قرار سياسي وليس اقتصادياً بالمطلق، موضحاً أنه ليس هيئة مستقلة كما هو الحال للجان الاستثنائية في حكومة النظام، وإنما ستعمل عدد من الوزارات على تنفيذه، بهدف جعل إعادة تفعيل العقوبات المجمدة عملية صعبة وغير قابلة للتطبيق العملي وخاصة “المادة 542.304” تحت العنوان رقم “31” من مدونة “اللوائح الاتحادية”.
مصادر التمويل
وعن مصادر تمويل الصندوق، يقول الكريم إن عرنوس أوضح صراحة أنه سيتم الاعتماد على ثلاثة مصادر رئيسية: الأول هو التمويل الحكومي، حيث يمكنه الاعتماد على ضرائب إعادة الإعمار على اعتبارها جزء من العملية او حتى فرض ضريبة جديدة كتضامن مع ضحايا الزلزال والتي يتوقع أن تكون من المغتربين حتى يستوفى ثمنها بالقطع الأجنبي.
بينما الثانية عبر المناقلات، أي نقل أجزاء من الأموال المخصصة للوزارات وخصوصاً المستهدفة من القرار مثل وزارات الصحة والإدارة المحلية والإشغال. ونتيجة انخفاض موازنة حكومة السورية في 2023، إلى نسبة 80 في المئة إذا ما تم تقيمها بسعر صرف الدولار الحالي، فإن المناقلات سوف تتم من خلال الاستدانة من ميزانية 2024، وبالتالي هي عملية استدانة داخلية وعجز بموازنات هذه المؤسسات، ما يعني أن هذا المصدر غير قادر على تمويل الصندوق.
وعليه، فإن ذلك سيمهد الطريق للنظام إعلان التشاركية مع القطاع الخاص بذريعة عدم القدرة على تنفيذ أهداف الصندوق على المدى القريب أو المتوسط، كما هو الحال بالنسبة للمدن التي استعاد السيطرة عليها بعد أن دمرتها آلته العسكرية، حيث لم يُطلق حتى الآن إعادة اعمارها أو ترحيل الأنقاض منها.
أما المصدر الثالث، فإن النظام سيلجأ للاعتماد على المساعدات الواردة سواء من قبل حلفائه أو الدولية، عبر صناديق التمويل الدولية المخصصة لإعانة المتضررين من الزلزال في سوريا وتركيا، إضافة إلى أنه يستطيع الاعتماد على القروض الدولية وأمواله المحتجزة بالخارج، بما في ذلك حقوق السحب الخاصة التي كان قد استخدمها في أوقات سابقة.
كما يعُتبر الزلزال فرصة لإعطاء تمويل الصندوق للحلفاء، مقابل امتيازات لهم كما حدث مع “المرسوم- 66” بما يخص عملية بناء منطقة المزة بساتين شمال العاصمة دمشق، بحسب الكريم.
كما يملك النظام طيفاً واسعاً من الأدوات التمويلية، يأتي في مقدمتها فرض التبرعات على التجّار والمستثمرين أو عبر استحداث جباية رسمية من رسوم حكومية مثل “طابع إغاثة ضحايا الزلزال” وصولاً لفرضه على الأهالي اقتطاع أرقام من دخلهم الشهري مقابل السماح لهم بترميم منازلهم عبر شركاته أو شركات دول حليفة.
أهداف الصندوق
ويقول الكريّم، إن للقرار تبعات كبيرة، في مقدمتها إزالة الأنقاض التي تعتبر عملية مكلفة بين رفعها وترحيلها، فضلاً عن كون المناطق المنكوبة هي أساساً تعرّضت للضرر والتصدع نتيجة قصف النظام والمعارك، وبالتالي فإن عملية الإزالة ستمتد لتلك الأبنية المتضررة من الحرب ما يعني إعادة إعمار محافظات حلب، حماة، إدلب، حمص وأجزاء من دمشق والرقة، أي سوريا بالكامل.
لذا، فإن عملية إعادة الإعمار نتيجة حجم الضرر لا تكون وفق الكريم، بشركات محلية، إنما تحتاج لشركات دولية لن تستطيع العمل خلال التي حددتها واشنطن لتجميد العقوبات على النظام بـ6 أشهر، وعليه، لن تتشجع تلك الشركات على العمل ضمن تلك البيئة، ما سيؤدي الى ضغط لتمديد فترة الاستثناء من قانون قيصر فترة تلو الأخرى، على أن يتضمن بنود إعادة الاعمار التي شملتها المادة- 102″وتفرعاتها.
إضافة إلى ذلك، يرى الكريم أن المنح والمساعدات التي قدمتها الدول الخليجية وحلفاء النظام، لا تبدو مشجعة لدعم الصندوق، وبالتالي فإن أهدافه تكمن في جعل الصندوق وسيلة للالتفاف على عقوبات قيصر، وإجراء تعاقدات دولية تكون ملزمة للأطراف على المدى البعيد تساهم في تمويل الوزارات المعنية بإعادة الإعمار (الصحة، الأشغال، الإدارة المحلية).
إضافة إلى ذلك، السيطرة على عمل المجتمع المحلي والمنظمات الاغاثية التي أُعفيت من قانون “قيصر”، مؤكداً أن استثناءات القانون تُشكّل معضلة لتقديم الإغاثة بسبب سيطرة النظام على عمل تلك المنظمات بعد ربطها مع “اللجنة العليا للإغاثة” التي تشكل جزءاً من حكومة النظام المعاقبة، فضلاً أنها قد تشمل أسماء وكيانات في وقت لاحق، أيضا ضمن لوائح العقوبات التي أصدرتها ملاحق قانون “قيصر”.