أخرج الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط/فبراير، المبادرة العربية الرامية للوصول إلى حل سياسي في سوريا، من ثلاجة الموتى، بعد أكثر من 4 أشهر على كشف وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي رسمياً عن المبادرة من دون الإفصاح عن شروطها رسمياً.
وزادت التحركات العربية في سياق المبادرة مدفوعة بانخراط من قبل السعودية ضمنها رسمياً عقب الزلزال، عبر وضع الرياض عدد من الشروط لاتزال حتى الآن في سياق التسريبات، عدا كونها خطوطاً عريضة للمبادرة، وليست رسمية، نقلتها، كما رشح من تسريبات للإعلام، سلطنة عُمان بعد أن حط رئيس النظام السوري بشار الأسد رحاله فيها لأول مرة منذ 2011، في ثاني أسبوع على حدوث الزلزال.
أفكار ومبادرات عربية
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإن دولاً عربية كانت قد نبذت الأسد قبل أكثر من 10 سنوات، اقترحت تقديم مساعدات بمليارات الدولارات لإعادة إعمار سوريا، إضافة إلى التعهد بالضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام.
وفي مقابل المليارات، فإن على الأسد التعاون مع المعارضة السياسية، والقبول بنشر قوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، ووقف إيران عن توسيع وجودها في سوريا، والتوقف عن تهريب المخدرات، حسبما ذكرت الصحيفة.
ويقول الباحث السياسي فراس علاوي إنه لا يمكن القول إن هناك مبادرة عربية، وإنما مبادرات وأفكاراً عربية تسير وفق نسقين اثنين: الأول هو الفكرة الأردنية للمبادرة ومعها الإمارات والعراق والجزائر، بينما الثاني هو الفكرة المصرية ومعها السعودية وربما قطر.
ويرى علاوي في حديث لمنصة “اقتصادي”، إن المسارين يتفقان بشكل قوي على ضرورة انهاء الوضع الراهن في سوريا، لكنهما يختلفان في كيفية تحصيل الشروط من الأسد، ففيما تريد السعودية خطوات جدية وواضحة من النظام، تكتفي الإمارات بما يقدمه الأسد من وعود، مشيراً إلى أن المبادرة الأردنية تستند إلى مبدأ “خطوة مقابل خطوة” الذي طرحه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254.
الأسد مستعد للتنازل؟
والسؤال الأبرز حول المبادرة، يدور حول مدى استعداد الأسد لتقديم تنازلات وهو الذي ناور وميّع جميع المسارات الرامية لذلك، ابتداءً بمسار جنيف 1 واجتماعات اللجنة الدستورية التي توقفت عند جولتها الثامنة في حزيران/يونيو 2022 إضافة إلى فشل مبادرة مماثلة كان طرحها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على الولايات المتحدة، قبل أن يعلن وزير خارجيته عن طرح مبادرة جديدة.
ويرى علاوي أنه حتى الآن، لا يوجد رد فعل واضح وحقيقي من قبل الأسد على المبادرة، ويمكن تلمّس ذلك من خلال زيارته الأخيرة إلى كل من روسيا والإمارات، لكنه يتوقع منه أن يقدم تنازلات بخصوص وقف عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن مقابل الحصول على ضمانات مادية، مشيراً إلى أن الإمارات والأردن مستعجلان في الوصول إلى حل، بينما الحال عكس ذلك لدى السعودية ومصر.
ويعتبر أن الشرط الأصعب لتنفيذ المبادرة بالنسبة للأسد، هو الابتعاد عن إيران وفك ارتباطه بها حتى لو أراد هو ذلك، نظراً إلى تغلغل طهران في مفاصل حكومة النظام وأجهزته الأمنية ومؤسساته، في حين تبدو باقي الشروط أسهل بالنسبة إليه على الرغم من أنه سيناور كما جرت العادة عند طرح كل مبادرة للحل في سوريا.
تضارب عربي-تركي
وبالتوازي مع المبادرة العربية، ثمة مسار يمكن تصنيفه كمبادرة انبثقت عن اجتماعات استانة التي تقودها الدول الضامنة الثلاث روسيا وإيران، وهو التطبيع التركي مع النظام السوري، والذي أنتج لقاءً على مستوى وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، لكنه توقف عند ذلك الحد إلى ما بعد الانتخابات التركية على أقل تقدير، بعدما تم تأجيل اجتماع نواب وزراء خارجية الدول الثلاث إضافة إيران التي نجحت في الدخول على خط المسار.
ويرى كثيرون أنه من المرجّح تضارب المسارين اللذين خلقا مساحة أكثر للأسد للمناورة واللعب على هوامشهما، وخصوصاً أن السعودية هي من باتت تضع الشروط، إضافة إلى أن الأسد قد يفضّل المبادرة التي تضم الرياض وأبو ظبي رغبة منه باقتناص الفرصة والحصول على المليارات الخليجية التي ستكون بمثابة طوق النجاة لما يحتاجه نظامه من أموال، وهو أمر غير متوافر بالمسار مع أنقرة.
لكن علاوي يرى أنه من الممكن ذهاب المبادرة العربية للتوافق مع مسار التطبيع التركي في بعض النقاط، إلا إذ كان هناك احتجاج من قبل أنقرة على التقارب السعودي- الإيراني، وهذا ما لم يصدر حتى الآن وفق قوله.
ويتفق الباحث السياسي درويش خليفة مع علاوي بأن هناك توافقاً مشتركاً بين المبادرة العربية والتقارب التركي مع الأسد، معيداً السبب إلى أن من يرسم خطوط تلك المبادرات هم حلفاء النظام روسيا بالدرجة الأولى ثم إيران، وبالتالي فمن المستبعد أن يضحي بالتطبيع التركي على حساب المبادرة العربية.
ويرى درويش في حديث لمنصة “اقتصادي”، أن الأسد قد يقدم تنازلات مثل إخراج المعتقلين الجنائيين وإيهام العرب بأنهم سياسيون وغيرها من الشروط التي لا تخرج عن الهوامش الضيقة التي يناور ضمنها الأسد والتي لا تزعج حلفاؤه الروس والإيرانيين.
ويقول إن جميع ما جرى طرحه من مبادرات بعد عام 2015، تدور في فُلك القرار الدولي 2254، وبالتالي لا يمكن للدول العربية وكذلك تركيا الذهاب بعيدا عن القرار الذي صاغه الروس ولا يستطيعون بنفس الوقت القفز عنه، على الرغم من تلاعب موسكو في تفسير بنوده وتسلسلها بحسب مصالحهم.
وذلك التلاعب الروسي، هو من أجل القفز عن البند الأول الواجب تطبيقه بتشكيل هيئة حكم انتقالي والتي غالباً قد تطيح بالأسد، في مقابل وضع قضية اللاجئين في الأولوية عند كل مبادرة، بحسب درويش.
وكانت صحيفة “الغارديان” قد شككت بأن تنجح المبادرة العربية بإعادة تأهيل نظام الأسد عبر إبعاده عن إيران، بسبب الدعم الذي قدمته إيران إليه خلال سنوات الحرب والذي ساعدها بزيادة نفوذها في النظام، معتبرةً أن ابتعاد الأسد عن طهران مجازفة لا يستطيع القيام بها في الوقت الحالي، إضافة تشككيها كذلك في نية الأسد التفاوض مع المعارضة السورية وتشجيع عودة اللاجئين إلى بلادهم.