الكاتب: نيرودا الحسين
يوم الخميس الماضي، فرضت فرنسا غرامةً بحق منصة الفيديو القصير المملوكة لشركة “ByteDance” الصينية “تيك توك”، بمبلغ قدره 5.4 مليون دولار أميركي، وتعد هذه الغرامة أحدث غرامة في سلسلة الغرامات الطويلة والعقوبات المفروضة بحق الشركة، بسبب انتهاكاتها المتكررة والمختلفة. بحسب وكالة “رويترز“، أن هيئة “مراقبة حماية البيانات الفرنسية” (CNIL)، أشارت أن سبب الغرامة وجود قصور في تعامل الشركة مع جزئية التتبع عبر الإنترنت هذه المرة، والمعروف أيضا باسم “ملفات تعريف الارتباط”، التحقيق الذي أجرته هيئة “مراقبة حماية البيانات الفرنسية” يتعلق فقط بموقع “tiktok.com” وليس تطبيقات الهواتف الذكية للخدمة. وفقا لـ “مراقبة حماية البيانات الفرنسية”، أن بالنسبة لمستخدمي موقع “tiktok.com”، لم يكن من السهل لهم رفض المتعقبات عبر الإنترنت مثل قبولها، ولم يكن المستخدمون على دراية كافية باستخدام “تيك توك” لملفات تعريف الارتباط. ردا على ذلك، ذكر متحدث باسم “تيك توك” أن الشركة قد عالجت بالفعل هذه المشكلات، وأن خصوصية المستخدم تظل أولوية قصوى كما تزعم الشركة. بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، يتعين على مواقع الويب أن تطلب بوضوح الموافقة المسبقة من مستخدمي الإنترنت على أي استخدام لملفات تعريف الارتباط، وأجزاء صغيرة من البيانات المخزّنة أثناء التنقل على الويب، وكذلك التسهيل للمستخدمين رفضها.
العقوبات والغرامات الأميركية
الولايات المتحدة تسعى لكبح جماح بعض الشركات الصينية، المرتبطة بالحزب “الشيوعي” الحاكم على نحو مباشر، والتي تسعى إلى زعزعة الاقتصاد الأميركي بعدة طرق، منها من خلال إطلاق تجارة غير معقولة من خلال الضرائب المنخفضة المعدومة من حكومة بكين. كما تحاول هذه الشركات سرقة التكنولوجيا الأمريكية لتطوير منتجاتها الخاصة، وبعض هذا الشركات تقدم منتجات لا تلبي للمعايير الدولية، هذا بخلال ما تقوم به بعض التطبيقات من انتهاك لخصوصية مستخدميها ومحاولة سرقة بياناتهم بشكل غير مباشر.
الغرامة التي كانت تبلغ 1.2 مليار دولار التي فرضتها “لجنة التجارة الفيدرالية” و “وزارة العدل الأميركية” على شركة “ZTE” في عام 2019، تعتبر من الضربات القوية التي تم توجيهها لشركة صينية، وذلك بسبب انتهاك الشركة للعقوبات الأميركية من خلال تصدير سلع وتكنولوجيا أميركية المنشأ إلى إيران وكوريا الشمالية، أقرت “ZTE” بالذنب في التّهم الموجّهة إليها، ووافقت على دفع الغرامة وتنفيذ برنامج الامتثال والأخلاقيات، وكجزء من التسوية، وافقت ” ZTE” أيضا على تعيين مراقب امتثال للإشراف على امتثال الشركة لشروط التسوية لمدة سبع سنوات.
عام 2020، وجّهت تُهم ضد “هواوي” من قبل “وزارة العدل الأميركية، بالابتزاز والتآمر لسرقة الأسرار التجارية من الشركات الأميركية، واتهمت “وزارة العدل” شركة “هواوي” بالانخراط في حملة استمرت لسنوات لسرقة الأسرار التجارية من الشركات الأميركية، بما في ذلك “T-Mobile” و “Motorola”، من أجل تحسين التكنولوجيا الخاصة بها واكتساب ميزة غير عادلة في السوق. أنكرت شركة “هواوي” هذه التّهم، ولا تزال القضية مستمرة.
في 2020 أيضا، فرضت “لجنة التجارة الفيدرالية”، غرامة قدرها 2.3 مليون دولار أميركي على تطبيق “CamScanner” الصيني، والذي تم إصداره عام 2011، جاءت الغرامة بسبب إعلان الشركة المخادع والترويج لنسخة من تطبيقها الذي يحتوي على برامج ضارة، حيث أكدت “لجنة التجارة الفيدرالية” أن “CamScanner” استخدمت أساليب خادعة للترويج لإصدار من تطبيقها يحتوي على برامج ضارة، مما يعرّض المعلومات الشخصية للمستخدمين للخطر، وكجزء من التسوية، وافقت “CamScanner” على دفع الغرامة وتنفيذ برنامج شامل لأمن البيانات.
بغرامة قدرها 5.7 مليون دولار فرضت “لجنة التجارة الفيدرالية” على شركة “iHandy” في عام 2021 مرتبطة بفواتير الشركة غير القانونية للمستهلكين مقابل رسوم غير مصرح بها.
*في 4 آب/أغسطس 2020، أصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمرا يفرض بموجبه على شركة “ByteDance” التخلي عن جميع الأصول المرتبطة بـتطبيق “تيك توك” في الولايات المتحدة، وقال ترامب حينها إنه أعطى موافقة مسبقة لشركتي “Oracle” و”Walmart” بشراء الجزء الأميركي من التطبيق.
في 14 كانون الأول/ديسمبر 2022، وافق أعضاء “مجلس الشيوخ الأميركي”، على مشروع قانون يحظر استخدام منصة “تيك توك” للتواصل الاجتماعي، على أجهزة العمل في المؤسسات الفيدرالية.
ووفقا لنص الوثيقة التي كتبها السيناتور الجمهوري جوش هاولي، ينص المشروع على وجوب إزالة التطبيق من أجهزة العمل المملوكة للوكالات الفيدرالية الأميركية وحظر تنزيله واستخدامه.
في 18 كانون الأول/ديسمبر، طالب النائب الجمهوري بـ “الكونغرس” الأميركي مايك جالاجر، الشعب الأميركي بحذف تطبيق “تيك توك”، بسبب مخاوفه بشأن علاقة الشركة بالحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين.
جالاجر قال في تصريحات نقلتها صحيفة “ذا هيل” الأميركية، “أعلم أن طلبي هذا سيجعلني غير محبوب لدى المراهقين والعديد من الفئات الأخرى”، ولكن من المؤكد بأننا لا نريد منح الحزب “الشيوعي” الحاكم الصيني القدرة على تتبع موقعنا، وتتبع مواقع الإنترنت التي نزورها حتى عندما لا نستخدم تطبيق”تيك توك” نفسه.
العقوبات والغرامات الأوروبية
فيما يلي بعض العقوبات والغرامات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الشركات الصينية، بسبب الانتهاكات المستمرة من قبلها لقوانين الاتحاد.
في عام 2017، فرضتها “المفوضية الأوروبية” على شركة السيارات الصينية مجموعة “تشجيانغ جيلي” القابضة (Geely)، كانت الغرامة البالغة 1.49 مليار يورو مرتبطة فيما يتعلق بتوريد محامل السيارات والشاحنات، وجدت “المفوضية الأوروبية” أن الشركة قد انخرطت في ممارسات غير تنافسية من خلال تنسيق الأسعار وتخصيص الأسواق لتوريد المحامل.
عام 2017، فرضت “المفوضية الأوروبية” على الشركة الصينية ” Ningbo Jifeng Auto Parts” لقطع السيارات، غرامة قدرها 1.47 مليار يورو، بسبب مشاركة الشركة بتوريد دعامات تعليق للسيارات، وأيضا وجود ممارسات غير تنافسية.
عام 201 وبحسب وكالة ” France24″، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أربعة مسؤولينَ صينيين لقمع بكين أقلية “الأويغور”، تُعد هذه الخطوة هي الأولى التي يستهدف خلالها الاتحاد الأوروبي الصين؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان منذ فرض حظر على الأسلحة في 1989 بعد أحداث ساحة “تيان آن مين”.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الغرامات تم فرضها على الممارسات المناهضة للمنافسة، وأن هذه الغرامات يمكن أن تكون كبيرة، ويمكن أن يكون لها تأثير دائم على عمليات الشركات وسمعتها. يفرض الاتحاد الأوروبي سياسة منافسة صارمة لضمان تكافؤ الفرص وحماية مصالح المستهلكين.
الهدف من العقوبات الغربية
الغرامات المفروضة على التطبيقات والشركات الصينية من قبل الغرب لها أهداف عديدة ومنها، فرض الامتثال للقوانين واللوائح، فهذه الغرامات بمثابة رادع للشركات الصينية للامتثال للقوانين واللوائح المتعلقة بحماية البيانات ومكافحة الاحتكار وانتهاكات الخصوصية، وإلزامها على تنفيذ التدابير المناسبة لحماية بيانات المستخدم ومنع الانتهاكات المماثلة في المستقبل.
تهدف هذه الغرامات إلى حماية المستهلكين من الاستغلال أو الأذى من قبل الشركات الصينية، التي شارك في ممارسات خادعة أو غير قانونية، مثل الفوترة غير المصرّح بها أو الترويج للتطبيقات المصابة بالبرامج الضارة، ومنع المنافسة من خلال منع الشركات من الانخراط في ممارسات مناهضة للمنافسة غير القانونية، مثل تثبيت الأسعار أو إساءة استخدام مركز مهيمن في السوق.
تأثير الغرامات والعقوبات الغربية
على الاقتصاد الصيني ما تم ذكره من عقوبات، ليست إلا بعضا من العقوبات التي فُرضت ضد بعض الشركات والكيانات المرتبطة بحكومة بكين، ولكن هل حقا أن هذه العقوبات الممارسة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تقوم بواجبها تُجاه انتهاكات الشركات الصينية، وإلى أي مدى قد يصل تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الصيني، للإجابة عن هذا السؤال وتوضيح بعض النقاط، تحدث يونس الكريم، المدير التنفيذي لمنصة “اقتصادي” بحديث خاص لموقع ” إكسڤار”، بأن الغرامات عادة هو سلاح يمارس بين الدول لتحجيم الأخرى أو لفرض شروط أو لوائح قوانين دولة على أخرى، وهي تُدعى أيضا “القوة الناعمة”.
الصراع الصيني الأميركي بدأ يطفو على السطح، بعد الأزمة المالية العالمية 2008، حيث بدأت الولايات المتحدة تستشعر قوة الصين، وأدركوا أن الصين هو العدو الأول لهم، وذلك نتيجة تنامي قوتها الاقتصادية.
الكريم أشار بأن الصين تعتبر ثالث أقوى اقتصاد في العالم، في حال تم حسبان الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة، ولكن بالرغم من ذلك، فإن الاقتصاد الصيني حساس جدا للعقوبات، فأي تباطؤ في النمو يؤثر بشدة على اقتصادها، وخصوصا العقوبات الأوروبية والأميركية، فحتى هذه اللحظة تعتمد الصين في اقتصادها على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتعتبر هذه ورقة ضغط كبيرة لصالح الغرب، على سبيل المثال، بكين تعتمد على شركات التأمين، وعلى الصناعة البنكية، والدولار هو العملة العالمية، وهذا ما يصيب الصين بشلل في كثير من عملياتها.
حتى في المجال الصناعي، فالصين في الكثير من عمليات الإنتاج بحاجة إلى التقنيات المستورد من الغرب سواء من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو كوريا الجنوبية وهونج كونج.
فيما يخص الغرامات المالية، يشير الكريم بأن ليس لها الدور الكبير المباشر على الشركات الصينية، فالغرامات المالية قد تُبعد التجار والأسواق والمستثمرين عن الشركات المعاقبة بعض الشي، ولكن لكي يكون هناك تأثير كبيرة لهذه الغرامات، لا بد من إرفاقها بمجموعة من العقوبات، التي تحدّ من نمو الشركات المعاقبة، على سبيل المثال، شركة “هواوي” التي مُنعت من الحصول على أشباه الموصلات الحديثة؛ وهذا ما جعلها تتباطأ في الإنتاج وتتأخر في التطور.
العقوبات المالية قد ثؤثّر بشكل طويل المدى على الاستقرار المالي للشركة وسمعتها وقدرتها على العمل في أسواق معينة، ويمكن أن تؤثّر أيضا على قدرة الشركة على زيادة رأس المال وجذب المستثمرين، مما قد يمثل تحديا كبيرا للشركات الصينية التي تتطلع إلى النمو أو التوسع في أسواق جديدة.
العقوبات إلى متى؟
على ما يبدو أن الغرامات وحدها قد لا تكون كافية لمعالجة جميع القضايا المتعلقة بحماية البيانات ومكافحة الاحتكار والقوانين واللوائح الأخرى، ولكن من المهم أن تواصل الحكومات والجهات التنظيمية مراقبة الشركات الصينية وفرض الامتثال للقوانين واللوائح بشكل متسق وبطريقة فعالة، لضمان امتثال هذه الشركات للقوانين واللوائح ومنعها من الاحتكار أو انتهاك خصوصيات العملاء وحماية بيانات المستخدمين من التطبيقات الصينية، التي ما تلبث أن تعود لممارساتها السابقة، ولكن في حلّة جديدة.
لذا من المفيد مراقبة عمليات الانتهاكات والاحتكارات من قبل الشركات الصينية، واتخاذ التدابير المناسبة للحماية من الاستثمارات الضارة والأخطار الأمنية الناجمة عن التجارة الصينية العالمية.