يامن مغربي
تعد مدينة حلب شمالي سوريا عاصمة البلاد الاقتصادية، وكان لها دور كبير سياسيًا واقتصاديًا خلال سنوات طويلة، وكذلك خلال سنوات الثورة السورية، وشهدت معارك عسكرية أدت إلى دمار أجزاء كبيرة منها حتى سيطر عليها النظام في عام 2016.
ورغم أن مطار “حلب” يملك أهمية كبيرة باعتباره منفذًا للمدينة على العالم الخارجي، فإنه لا يحظى بالاهتمام الذي يوليه النظام السوري لمطار “دمشق الدولي”.
وكانت حلب قبل الثورة السورية 2011 إحدى أهم مدن الشرق الأوسط، ولعب موقعها الاستراتيجي دورًا في منحها الأفضلية بعملية التبادل التجاري ضمن المحيطين الإقليمي والمحلي.
لماذا لا يهتم النظام بمطار “حلب”؟
سبق لرئيس غرفة صناعة حلب، فارس شهابي، أن انتقد عدة مرات عدم اهتمام النظام السوري بمطار “حلب” على الرغم من أهميته للمدينة، آخرها في 25 من تموز الماضي.
الشهابي طالب في منشور عبر حسابه في “فيس بوك”، بتفعيل الحركة الجوية من وإلى مطار “حلب الدولي”، على اعتبار أن هذه الخطوة “كفيلة بضخ أموال كثيرة في السوق المحلية”، وأن الحركة الجوية عبر مطار “حلب” ضعيفة وغير منطقية.
وبالإضافة إلى الأسباب المذكورة حول أهمية مطار “حلب”، فإنه يمتلك ميزة إضافية جغرافية، وهي قربه من الطرق الدولية بين دمشق وحلب (5M) واللاذقية وحلب (4M).
ويبدو مستغربًا عدم اهتمام النظام السوري بالمطار وحركة الملاحة فيه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ودعواته المستمرة للمسؤولين العرب للاستثمار في مناطق سيطرته.
الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، أوضح أن النظام السوري يحاول إعادة هيكلة الاقتصاد لمصلحة مدن الساحل السوري، وسحب البساط من مدن دمشق وحلب، وتحويل الدفة إلى مدن جديدة لتكون أساس الاقتصاد السوري.
وتأتي هذه المحاولات في ظل مخاوف للنظام من أن تكون حلب خارج سيطرته ضمن أي تسوية دولية مقبلة تخص سوريا، وفق شعبو.
وسبق أن تحدثت صحيفة “صباح” التركية، المقربة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، في 13 من آب الحالي، عن تعليمات وجهها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتنفيذ “نموذج حلب”، عبر آلية ثلاثية بين وزارة الداخلية التركية والحزب وكتلته النيابية، وتستهدف الخطة المناطق الآمنة في عموم حلب، وهو ما سيسمح بعودة مئات الآلاف من السوريين إلى بلادهم ، الصحيفة أشارت إلى مفاوضات بين تركيا وروسيا والنظام السوري في هذا الصدد.
وتعد المطارات جزءًا من سيادة الدولة وفق الباحث الاقتصادي يونس الكريم، الذي أوضح أن غيابها يعني عدم وصول المستثمرين ومساهماتهم في الاقتصاد، وكذلك غياب السياحة، وهي أسهل القطاعات القادرة على ضخ الأموال والقطع الأجنبي للدولة، كما أن عملها بشكل طبيعي يمنح انطباعًا عن مدى تعافي الدولة.
وحول مطار “حلب” وأهميته قال الكريم، إن وجود المطار وعمله يعني جذبًا لاستثمارات خليجية وعربية تسهم في الاقتصاد.
ووفق موقع “Flight Radar” المختص بحركة الملاحة والرحلات الجوية، لا تزيد عدد الرحلات من وإلى مطار “حلب”، في الفترة بين 18 من تموز الماضي و15 من آب الحالي، على 28 رحلة جوية.
ويرى الكريم أن عدم الاهتمام بمطار “حلب” يعود إلى رؤية النظام أن المطار ورقة تفاوض بين عدة قوى إقليمية ويتعلق بملفات سيادية ونفوذ إقليمي، بما في ذلك إيران، حليفة النظام السوري.
في حين أشار الباحث الاقتصادي خالد تركاوي إلى أن حركة الطيران في سوريا ضعيفة بالأساس، ولا تحتاج إلى عدة مطارات، والأسطول الحكومي لا يتجاوز ثلاث طائرات، وكذلك الطيران الخاص.
بينما يرى شعبو أن غياب حركة تجارية واقتصادية حقيقية في حلب، يجعل استخدام المطار بلا جدوى حقيقية.
كما يعد الموقع الجغرافي للمطار، وقربه من النقاط العسكرية التركية في ريف حلب، عاملًا إضافيًا لعدم تشغيله بشكل كامل، وفق شعبو.
نفوذ إيراني وقصف إسرائيلي
في آذار الماضي، أعلن النظام السوري عن استهداف إسرائيل مطار “حلب” بصواريخ أخرجته عن الخدمة، قبل أن يعود للعمل مجددًا.
استهدفت الضربة حينها شحنة أسلحة إيرانية، ضمن استراتيجية تطلق عليها إسرائيل “الحرب ما بين الحروب”، تستهدف من خلالها مواقع إيرانية أو شحنات أسلحة.
الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن إعادة ترميم المطار مكلفة ولا قدرة للنظام عليها ماليًا.
في حين يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن الوجود الإيراني في المطار كما الوجود الروسي بطبيعة الحال، ولا يوجد طرف واحد من القوى الموجودة في سوريا يسيطر على مطار “حلب” بشكل كامل.
التحركات الإيرانية تعكس نفوذًا لها في مطار “حلب” وفي المدينة كذلك، وسبق لمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أن ذكر بدراسة نشرها في 2021، تحت عنوان “التعافي الاقتصادي في سوريا”، وجود ميليشيات إيرانية (“أبو الفضل العباس” و”لواء الباقر” و”حركة النجباء”) في الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وتمارس هيمنتها على عدد كبير من المؤسسات المحلية كمجلس المدينة، وتتحكم بالخدمات الأساسية الأخرى.
خالد تركاوي قال لعنب بلدي، إن أي مطار هو منشأة لها أهميتها، لكن وجود مطار “حلب” في منطقة ذات نفوذ للإيرانيين يدفعهم للسيطرة عليه بطبيعة الحال، سواء بشكل مباشر أو عبر جماعات تابعة لهم ولديها اليد العليا، بعكس مطار “دمشق” الذي يتقاسم فيه حلفاء النظام السوري النفوذ، بحسب رأيه.
هل يمكن خصخصة المطار؟
في ظل تحركات النظام الأخيرة نحو خصخصة مؤسسات وشركات القطاع العام، والتوجه نحو طبقة جديدة من رجال الأعمال، والإعلان، في تموز الماضي، عن شركة جديدة تستثمر في مطار “دمشق الدولي”، لا يبدو أن مطار “حلب” سيكون خارج هذه التحركات أيضًا، وذلك ضمن “اقتصاد الحرب”، عبر بيع لقطاعات حيوية تشكّل موارد اقتصادية مهمة للدولة، بصيغ قانونية.
الشركة التي أعلن عنها النظام، وتحمل اسم “إيلوما”، ومن خلال المعلومات التي جمعتها عنب بلدي في تحقيق أعدته في 16 من تموز الماضي، يتضح أن الاستثمار المقبل لن يكون في مطار “دمشق” فقط، بل بجميع المطارات السورية التي تستخدمها “المؤسسة السورية للطيران”.
ورغم أن هذا الإعلان يشمل كل المطارات، تباينت آراء الخبراء الذين التقتهم عنب بلدي للحديث عن إمكانية أن تطال الخصخصة مطار “حلب”، كحل أو خطوة يتخذها النظام ضمن الهيكلة الاقتصادية التي يعمل عليها.
وفي حين يرى الباحث الاقتصادي خالد تركاوي أن خصخصة مطار “حلب” تحديدًا ليست بيد الأسد بسبب نفوذ إيران عليه، واستخدامه لرحلات أمنية أو عسكرية أو لتنقل شخصيات مهمة، يذهب يونس الكريم للاعتقاد أيضًا بأن الصراع على المطار بين عدة قوى يمنع خصخصته.
وأضاف االكريم أنه يمكن لأسماء الأسد أن تحاول خصخصة المطار كما فعلت مع مطار “دمشق” سابقًا، ثم الإعلان عن مشاركة شركات أخرى إلى جانب “إيلوما”، لتلافي العقوبات الغربية، بحسب رأيه.
وعدم استثمار المطار يضيع موارد مالية مهمة للدولة، وعملية تشغيله للرحلات الدولية بين حلب والمدن العربية أمر مهم للغاية للمدينة، لأن حلب لا تزال العاصمة الاقتصادية لسوريا رغم كل ما أصابها من أضرار، قال فراس شعبو، معتبرًا أن عدم الاهتمام بالمطار يعطي إشارة إلى سوء نية النظام تجاه المدينة.
المقالة منشوررة على موقع عنب بلدي