الرئيسية » لماذا فشلت أذرع نظام الأسد في التخلص من العقوبات الأوروبية؟

لماذا فشلت أذرع نظام الأسد في التخلص من العقوبات الأوروبية؟

بواسطة يونس الكريم

مع تنفس النظام السوري الصعداء بإعادته إلى الجامعة العربية في مايو/ أيار 2023 ظن رجال أعمال ومسؤولون سابقون فيه أنهم باتوا قوب قوسين أو أدنى من رفع العقوبات الأوروبية المفروضة عليهم.

ومن أبرز تلك الأسماء رجل الأعمال السوري البارز محمد عصام شموط وهو أقوى شركاء رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، ومدير منظومته المالية من عام 2000 وحتى عزله في 2020.

طلبات مرفوضة

في 14 يونيو 2024 رفضت المحكمة العامة الأوروبية طلبا تقدم به مالك شركة “أجنحة الشام”، عصام شموط، لشطب اسمه من قائمة العقوبات المفروضة على النظام السوري.

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شموط، في يوليو/ تموز 2022، بصفته أحد أبرز رجال الأعمال في سوريا الداعمين للنظام، وبصفته مالكا لشركة “أجنحة الشام” للطيران، ورئيس “مجموعة شموط التجارية”.

ورأت المحكمة العامة الأوروبية أن المجلس الأوروبي “التزم بأسباب الدولة، والحق في الحماية القضائية الفعالة، ومبدأ التناسب”.

وأكدت المحكمة أن شموط المولود في دمشق عام 1971 “فشل في إثبات أنه غير مرتبط بالنظام”، مشيرة إلى أن “مصادرة النظام السوري ممتلكاته بسبب عدم سداد الديون ليست كافية لدحض افتراض الارتباط”.

وشموط يعد مديرا وشريكا مؤسسا في “شركة أجنحة الشام” الخاصة للطيران، والتي بدأت أولى رحلاتها عام 2007، وتصفها وسائل إعلام النظام بالناقل الوطني الثاني، بالإضافة إلى مؤسسة الطيران السورية الحكومية.

ووفقا لموقع “مع العدالة” السوري، فإن شموط قام بمساعدة نظام الأسد منذ اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011 على الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه وخاصة في مجال الطيران الحكومي.

 

“أجنحة الشام”

ومثلت “أجنحة الشام” البديل الأمثل للتغطية على الأنشطة العسكرية والانتهاكات التي ارتكبها النظام، إذ عمدت الشركة إلى نقل معدات لوجستية وأسلحة وذخائر عسكرية من إيران.

وكذلك لعبت “أجنحة الشام” دورا كبيرا في نقل عناصر من الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا؛ للمشاركة في العمليات القتالية، وذلك من خلال تسيير رحلات إلى مطار النجف العراقي بشكل شبه يومي، لنقل عناصر المليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية إلى سوريا.

كما كانت شركة “أجنحة الشام” من بين عدد من الكيانات التي فرض عليها الاتحاد الأوروبي في 23 يناير/ كانون الثاني 2024 عقوبات لدعمها النظام السوري وداعميه.

وقال الاتحاد الأوروبي في بيان إن “بعض هذه الكيانات تشارك في نقل المرتزقة السوريين، وتجارة الأسلحة، وتهريب المخدرات أو غسل الأموال، مما يدعم أنشطة النظام السوري”.

وكان الجيش الليبي، أعلن في مايو 2021، أنه رصد عشرات الرحلات الجوية لشركة “أجنحة الشام” نقلت المقاتلين المرتزقة من سوريا إلى ليبيا للقتال مع مليشيا الانقلابي خليفة حفتر بين أكتوبر/ تشرين الأول 2020 حتى مايو 2021.

وفي معركة أخرى خاسرة لأحد أبرز أذرع نظام الأسد السابقة، فقد أصدرت محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية باريس في 7 يونيو 2024 حكما بإسقاط الحصانة عن حاكم “مصرف سوريا المركزي” السابق، أديب ميالة، على خلفية التحقيق في دوره بتمويل الجرائم التي ارتكبها النظام.

وأكدت المحكمة عدم جواز تطبيق الحصانات الوظيفية في حالة الجرائم الدولية، ورفضت منح الحصانة التي طالب بها أديب ميالة، الذي يخضع للتحقيق بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

ورأت أن “هذه الجرائم الدولية لا يمكن أن يشملها مبدأ الحصانة للسماح بإفلات مرتكبيها من العقاب”، وفق ما ذكر “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.

ويجري القضاء الفرنسي منذ عام 2016 تحقيقا في دور ميالة إبان توليه منصب حاكم “مصرف سوريا المركزي”، للاشتباه في تمويله، من خلال منصبه، الجرائم المنسوبة إلى نظام الأسد.

نظام مجرم

وقال مصدر قضائي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن ميالة، بصفته حاكما للمصرف المركزي، مشتبه في قيامه بتمويل نظام متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بين عامي 2011 و2017.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2022، وُجهت إلى الرجل الذي يحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 1993 ويقيم في باريس حاليا، تهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وفي جرائم حرب وغسل عائدات هذه الجرائم والمشاركة في توافق مثبت بهدف ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، قررت محكمة الاتحاد الأوروبي السماح لميالة بالاستمرار في زيارة فرنسا كونه يحمل جنسيتها وذلك رغم عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تشمله أيضا لدعمه نظام الأسد.

وميالة منذ مايو 2012 مستهدف بالعقوبات الأوروبية ضمن قائمة تشمل 211 شخصا و63 كيانا أسهمت في قمع الثورة التي اندلعت في مارس 2011.

وفيما يتعلق بميالة المولود في محافظة درعا عام 1955، فإن العقوبات مردها إلى “الدعم الاقتصادي والمالي” الذي قدمه إلى نظام الأسد.

وبدأت النقلة النوعية في حياة ميالة، حينما عينه رئيس النظام، حاكما للمصرف المركزي منذ عام 2005 وحتى 2016.

وهذا المنصب حساس لدرجة أن راتب حاكم المصرف المركزي الذي أسس عام 1956 وتعويضاته تصدر بمرسوم جمهوري.

ويعد ميالة أبرز المسؤولين عن تدهور الليرة السورية منذ أن أعلن النظام قمع الثورة وجابهها بالحديد والنار وأصبح همه الوحيد تأمين العملة الأجنبية لحربه ومليشياته القادمة من الخارج.

ووصل سعر صرف الليرة أمام الدولار من 50 ليرة عام 2011، إلى عتبة الـ14 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد عام 2024، وبذلك تحولت حياة المواطن في مناطق نفوذ الأسد إلى جحيم يعجز فيها عن تأمين قوت يومه.

كما قاد ميالة الكثير من العلاقات والصفقات الخارجية للنظام، لإنشاء وتحقيق مصالح مالية ترتبط بنشاطات غير مشروعة، عبر تحويل المصرف المركزي العريق إلى مجموعة “مافياوية” حقيقية تدار من قبل الأجهزة الأمنية وعراب الاقتصاد السوري آنذاك رامي مخلوف.

محاولات فاشلة

وعلق مدير “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، مازن درويش، على القرار الفرنسي بحق ميالة بقوله: “جاء نتيجة معركة قانونية طويلة خاضتها منظماتنا والضحايا السوريون لضمان عدم تمكن المسؤولين المفترضين عن ارتكاب جرائم دولية من الهروب من العدالة بحجة الحصانة”.

وأكد درويش خلال تصريحات صحفية في 7 يونيو 2024 أن ذلك “أمر ضروري لتمكين الضحايا، وخاصة الضحايا السوريين، من الأمل في الحصول على العدالة أمام الولايات القضائية الوحيدة المتاحة حتى الآن: تلك الموجودة في بلدان أخرى”

اللافت أن محاولات رجال أعمال ومسؤولين سابقين في نظام الأسد الخروج من قوس العقوبات الأوروبية في هذا التوقيت يتزامن مع تمكن محاكم أوروبية من إصدار أحكام غيابية بالسجن المؤبد بحق مسؤولين حاليين وسابقين في النظام بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

ففي 25 مايو 2024، أصدر القضاء الفرنسي حكما غيابيا بالسجن مدى الحياة على مستشار شؤون الأمن الوطني لدى النظام، اللواء علي مملوك، والمدير السابق لشعبة المخابرات الجوية، اللواء جميل الحسن، ومسؤول التحقيق في الفرع، اللواء عبدالسلام محمود، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتورطهم بقتل مواطن فرنسي ونجله تحت التعذيب في سجون النظام.

وضمن هذه الجزئية، أرجع الباحث السوري، مدير موقع “اقتصادي”، يونس الكريم، فشل أذرع النظام السوري ومسؤوليه في رفع العقوبات عنهم، “لكون ملفات هؤلاء بيد استخبارات دول أوروبا التي ما تزال تجمع معلومات بشأن تورط هؤلاء بقضايا تتجاوز الملف السوري إلى ملفات أخرى”.

وأضاف الكريم قائلا: “فعلى سبيل المثال شركة أجنحة الشام متورطة في نقل مرتزقة لصالح روسيا إلى عدد من دول في العالم”.

واستدرك قائلا: “لذلك فإن ملف هؤلاء ليس فقط بيد القضاء ويكون هناك أمر روتيني ويسهل بالتالي رفع العقوبات عنهم لمجرد رفع هؤلاء الدعوى القانونية لإلغاء العقوبات المفروضة عليهم من قبل الاتحاد الأوروبي”.

 

ومضى الكريم يقول: “كما أن عدم تجاوب نظام الأسد مع الحل السياسي في سوريا طبقا للقرارات الدولية يدفع الأوروبيين إلى عدم التساهل مع رفع العقوبات عن أذرعه، لا سيما أن أغلب هؤلاء فرضت عليهم العقوبات أصلا لمشاركتهم في دعم النظام ومساندته لقمع وقتل السوريين والتهرب من العقوبات الدولية والالتفاف عليها”.

ولفت إلى أنه “في حالة أديب ميالة الذي يحاكم كمواطن فرنسي كونه حاصلا على الجنسية الفرنسية فإنه ينفي التهم الموجهة إليه ويزعم أنه كان موظفا إداريا لدى نظام الأسد ولا علاقة له بأي قروض أو علاقات مع إيران، وهذا الكلام لدى الاستخبارات الأوروبية غير صحيح”.

عقوبات مستمرة

ونوه الكريم إلى أن “رفع العقوبات الأوروبية عن أمثال هؤلاء من التابعين لنظام الأسد لا يمكن إلا وفق حالتين، في حال فرض الحل السياسي بسوريا أو بالتعاون معهم”.

وفي ضوء خطورة الوضع الراهن في سوريا وجمود الحل السياسي ورفض نظام الأسد تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، يواصل الاتحاد الأوروبي تعقب الداعمين للنظام وفرض عقوبات عليهم.

وآخر حزمة أصدرها المجلس الأوروبي في 22 يناير 2024 وشملت مستشارا اقتصاديا للأسد وثلاثة رجال أعمال بارزين يدعمون النظام ويستفيدون منه وشخصين مرتبطين بعائلة الأسد.

وتمنع الدول والشركات الأوروبية من تجارة الغاز والنفط والأسلحة والذهب والمعادن الثمينة مع سوريا.

ولا يمكنهم الاستثمار في صناعات الطاقة السورية أو تقديم المشورة لها، أو تمويل الشركات السورية وشركات القطاع العام من خلال القروض أو المنح أو التأمين أو أسواق الأوراق المالية.

ومع ذلك، مع مراعاة مجموعة من الشروط، يمكن للحكومات والشركات الأوروبية التجارة مع قطاع الطاقة وتقديم الخدمات له في مناطق المعارضة السورية التي يسيطر عليها الائتلاف الوطني للمعارضة شمال البلاد.

كذلك فإن سلطات الاتحاد الأوروبي ملزمة بتفتيش الطائرات والسفن إذا اشتبهت في أن “الشحنة تحتوي على أسلحة أو معدات للقمع الداخلي” متجهة إلى سوريا.

وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على السفن والطائرات المتجهة إلى سوريا تقديم تفاصيل إضافية عن حمولتها، بينما يُمنع “الناقل الجوي الوطني السوري” من دخول المجال الجوي للاتحاد الأوروبي.

وكان الاتحاد الأوروبي، قرر في 28 مايو 2024 تمديد العقوبات الحالية المفروضة على النظام السوري عاما جديدا.

وأوضح مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان، أن الإجراءات التقييدية المفروضة بسبب القمع المفروض على السكان المدنيين في سوريا ستستمر حتى 1 يونيو 2025.

كما حدث الاتحاد قائمة الشخصيات والهيئات التي تشملها العقوبات، وأصبحت تضم 86 هيئة و316 شخصا فرض عليهم حظر السفر وتجميد الأصول.

وتتضمن العقوبات أيضا الحظر النفطي، وقيودا على بعض الاستثمارات، وتجميد أصول البنك المركزي السوري لدى الاتحاد الأوروبي، وتقييد استيراد معدات أو تقنيات مستخدمة في القمع ومراقبة الاتصالات.

المقالة منشور على موقع صحيفة الاستقلال

اترك تعليق

مقالات ذات صلة