الرئيسية » التعرفة الجمركية ضرورة التوازن بين الحماية والانفتاح في إعادة هندسة الاقتصاد الداخلي

التعرفة الجمركية ضرورة التوازن بين الحماية والانفتاح في إعادة هندسة الاقتصاد الداخلي

بواسطة Younes
حسن المروان حراج

مع سقوط نظام الأسد وتولي حكومة تسيير الأعمال إدارة المشهد الاقتصادي، برزت تغييرات جوهرية في السياسات المالية، أبرزها الزيادة في الرسوم الجمركية، هذه الزيادات جاءت متزامنة مع إعلان الحكومة تبنّيها نهج اقتصاد السوق الحر، مما يطرح تساؤلات حول مدى انسجام هذه السياسات مع أسس تبنّي اقتصاد السوق الحر، خاصة في ظل حالة الانهيار التي يعاني منها الاقتصاد السوري،  تجدر الإشارة إلى أن هذه السياسات هي في سياق سعي الحكومة لأجل تحقيق أهداف وعوائد مالية مباشرة و فورية ، رغم انها قد تخلق ضغوطًا تضخمية على الأسواق المحلية والسوق الصناعية، مما قد يعيق أي جهود لتحفيز الاقتصاد كون تطبيقها جاء في بيئة اقتصادية مضطربة، حيث سجلت الزيادة في رسوم السلع الاستهلاكية نطاقاً يتراوح بين 20-57% من رسومها السابقة، وهي تشمل منتجات غذائية ومواد أولية تُعدُّ ضرورية للاحتياجات الأساسية للمجتمع كما شهدت المواد الخام زيادة في الرسوم الجمركية بنسبة تقدر بحوالي 30% مما دفع معامل الاسمنت شمال غرب سوريا للإضراب عن العمل.

هل يمكن تعميم تعرفة جمركية موحدة بالنظر لاختلاف السياسات النقدية بين المناطق في سوريا ؟

ما زالت سوريا تُعاني من انقسام حاد بين مناطق النفوذ المختلفة، حيث تُستخدم الليرة التركية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة في شمال غرب البلاد، بينما يعتمد الدولار الأمريكي كعملة رئيسية في مناطق قسد شرق سوريا،  والليرة السورية في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد البائد، هذا التباين في العملات والسياسات النقدية والجمركية بين المناطق يؤدي إلى تعدد الأنظمة الاقتصادية في كل منطقة، مما يجعل تطبيق تعرفة جمركية موحدة أمرًا غير عملي ويهدد بتوليد تشوهات اقتصادية في الأسواق هذا التفاوت في الرسوم الجمركية يخلق حواجز اقتصادية ويؤدي إلى تشويش في التبادل التجاري، حيث يمكن أن تساهم الزيادة في الرسوم الجمركية في إحدى المناطق في تحفيز إمراء التهريب أو تحويل التجارة إلى مناطق ذات رسوم أقل، مما يُؤثر سلبًا على الاستقرار الاقتصادي والتجاري في البلاد.

هل تنسجم التعرفة الجمركية مع مبادئ الاقتصاد الحر أم تعيقها؟

فكرة “حماية المنتج المحلي” بدعة اقتصادية تتبناها الحكومة الحالية وكأنها تحاول بناء حصن اقتصادي يحيط بالمنتجات المحلية، كون فرض الحواجز الجمركية مرتكزًا لأفكار قد تكون معاكسة لطبيعة الاقتصاد الحر الذي يمنح السلع والخدمات حرية الحركة بين الدول دون قيود تكاد تُذكر، فإذا كانت حماية المنتج المحلي ستجعل سعر هذا المنتج خمسة أضعاف المنتج العالمي فهذا الامر يخمل آثار خطيرة على المستهلك وعلى الأسواق لأنها بدورها لا تقبل سلع وخدمات بأسعار مرتفعة تفوق الأسعار المتداولة

ضربة جديدة للصناعة السورية

قرار تخفيض الرسوم الجمركية على 269 سلعة تركية، بما في ذلك بيض الدجاج، الطحين، الذرة، الحليب، وفقا لوزير التجارة التركي عمر بولاط ، سيكون له تداعيات سلبية عميقة على الاقتصاد السوري، فمن الناحية الإنتاجية، ستجد المصانع السورية نفسها في مواجهة غير متكافئة مع المنتجات التركية التي ستدخل الأسواق السورية بأسعار أقل، مما يؤدي إلى تراجع الطلب على المنتجات المحلية، وإغلاق العديد من المنشآت الصناعية والتجارية، وتسريح أعداد كبيرة من العمال، مما يفاقم أزمة البطالة في البلاد.

ومن الناحية التجارية، فإن هذا القرار سيزيد من العجز التجاري السوري، حيث سيؤدي إلى زيادة الواردات التركية مقابل تراجع الصادرات السورية، مما يعمّق الاختلال في الميزان التجاري ويزيد من التبعية الاقتصادية إضافةً إلى ذلك، فإن ضعف الإنتاج المحلي سيجعل سوريا أكثر عرضة للتضخم المستورد، حيث ستصبح الأسعار في السوق المحلية متأثرة بشكل أكبر بالتقلبات الاقتصادية في تركيا، مما يحدّ من قدرة الحكومة السورية على ضبط الأسواق وتحقيق استقرار اقتصادي.

لذلك هذا القرار يعكس تحول سوريا إلى مجرد سوق استهلاكي للمنتجات التركية بدلاً من أن تكون اقتصاداً منتجاً ومستقلاً، وهو ما يهدد الأمن الاقتصادي الوطني ويعيق جهود التعافي وإعادة الإعمار، كما أن تراجع الاستثمار في القطاع الصناعي نتيجة ضعف الحماية الجمركية سيدفع المستثمرين إلى البحث عن أسواق بديلة أو التركيز على قطاعات غير إنتاجية، مما يقلل من فرص تحقيق تنمية اقتصادية لذلك، فإن إعادة النظر في السياسات التجارية والحمائية أصبحت ضرورة ملحّة للحفاظ على ما تبقى من القطاع الصناعي السوري ومنع المزيد من التبعية الاقتصادية للخارج.

بما أن سوريا في مرحلة إعادة بناء اقتصادي، فمن الضروري تبني نهج متوازن في السياسات الجمركية فمن الضروري اعتماد إعفاءات جمركية انتقائية وإجراء مراجعة دقيقة للزيادات والتخفيضات المفروضة على المواد الخام والمعدات الصناعية، بحيث يكون الهدف الأساسي هو دعم القطاع الصناعي وتخفيف الأعباء عنه، في المقابل، لا ينبغي أن تركز هذه الإعفاءات على القطاع الغذائي، حيث إن تسهيل استيراد المواد الغذائية قد يؤدي إلى الإضرار بالصناعات المحلية التي يملكها ويشغلها أبناء البلد، مما يقلل من فرصهم في المنافسة والنمو داخل السوق المحلي بالإضافة لنشر تقارير دورية توضح الأهداف المتحققة من الزيادات الجمركية، وكيفية استخدام الإيرادات المحصَّلة، تبنّي هذه السياسات، يمكن لحكومة تسيير الأعمال تحقيق التوازن بين أهدافها المالية وتعزيز ديناميكية الاقتصاد المحلي بما يتماشى مع مبادئ السوق الحر التي تعلن الالتزام بها.

مقالات ذات صلة