كشفت وزارة المالية السورية عن منحة قطرية شهرية بقيمة 29 مليون دولار أميركي، لتمويل رواتب الموظفين في سوريا. وقد خلقت هذه المنحة حالة من التفاؤل لدى السوريين بأنها ستساعد الحكومة على دفع زيادات في الرواتب، بينما تساءل آخرون عن مدى مساهمة هذه المنحة في إنعاش الاقتصاد السوري.
قالت وزارة المالية إن المنحة القطرية ستغطي رواتب العاملين في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، والمتقاعدين من غير العسكريين، دون أن تشمل وزارتي الداخلية والدفاع. وتمتد المنحة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وتُدار من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على أن تغطي نحو خُمس فاتورة الأجور والرواتب الحالية.
هل تغطي المنحة زيادة 400%؟
مرّت أشهر على إعلان الحكومة السورية عزمها رفع رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400%، إذ أوضحت آنذاك أن التنفيذ سيكون اعتباراً من شباط الماضي، وهو ما لم يتم تطبيقه حتى الآن.
وعقب إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر لقطر لتمويل الرواتب في سوريا، كشفت مصادر في وزارة المالية أن الزيادة الموعودة ستُطبَّق تدريجياً خلال الأشهر القادمة.
ومن المتوقع أن تُقرَّ زيادة بنسبة 100% في شهري تموز أو آب المقبلين، تليها زيادة بنسبة 200% ثم 100%، فيما أفادت مصادر بأن الزيادة لن تتجاوز 20% من إجمالي الراتب، مع توقعات بتطبيقها اعتباراً من الشهر القادم.
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم، إن المنحة القطرية البالغة 29 مليون دولار تكفي فقط لتسديد زيادة بنسبة 100% على الرواتب لمدة ثلاثة أشهر. أي أن الحكومة ستدفع الراتب الأساسي البالغ 300 ألف ليرة سورية، بينما تُغطَّى الزيادة (أي 300 ألف إضافية) من المنحة.
وأضاف الكريم أنه مع نهاية المنحة، ستكون الحكومة عاجزة عن الاستمرار بدفع هذه الزيادة. ولذلك، من المرجح أن تكتفي بزيادة بنسبة 20% فقط. وفي هذه الحالة، فإن كل دفعة شهرية من المنحة (29 مليون دولار) تكفي لتغطية زيادة 20% لمدة خمسة أشهر، وبالتالي قد تمتد فائدة المنحة لثلاثة أشهر إلى أكثر من عام.
وفي حال تم تمديد المنحة ثلاثة أشهر إضافية، فإنها قد تكفي لتغطية زيادات لمدة عامين ونصف، بحسب الكريم، الذي أوضح أن هذا مجرد تقدير رياضي تقريبي.
زيادة لرواتب الموظفين بالليرة
يوجد في سوريا ثلاثة أنواع من الموظفين:
- أولاً، الموظفون الذين يتقاضون أجورهم بالليرة السورية، ويُقدّر عددهم بمليون موظف تقريباً.
- ثانياً، موظفون يتقاضون رواتبهم بالدولار من “حكومة الإنقاذ” السابقة.
- ثالثاً، الاستشاريون الذين يقدمون نصائح للحكومة بشأن تجاوز العقوبات وكسب الدعم الخارجي.
ويرى الكريم أن المنحة القطرية ستغطي فقط رواتب الفئة الأولى، أي الموظفين بالليرة السورية، ولا تشمل من يتقاضون بالدولار أو الاستشاريين.
وكانت الحكومة السورية قد أعلنت، في 5 كانون الثاني الماضي، عن رفع الرواتب بنسبة 400%. ويُقدَّر عدد موظفي القطاع العام بأكثر من 1.25 مليون موظف، بينما بلغت كلفة الزيادة نحو 1.65 تريليون ليرة سورية (نحو 127 مليون دولار أميركي).
هل تؤسس المنحة لانتعاش اقتصادي؟
يرى المحلل الاقتصادي سمير طويل أن المنحة القطرية تمثّل حلاً إسعافياً مؤقتاً في ظل شح الموارد، وقد تساهم في إنعاش الاقتصاد السوري جزئياً، إذ إن تحسين الإيرادات العامة يتطلب وقتاً وعوامل عديدة.
وأضاف طويل ، أن هناك مؤسسات حكومية إنتاجية تموّل رواتب موظفيها، لكن في المقابل توجد قطاعات إدارية غير منتجة، وتحتاج الدولة إلى تمويل رواتب العاملين فيها لضمان استمرار الخدمات.
ودعا طويل الحكومة إلى البحث عن مصادر إيرادات جديدة لتأمين استمرار تمويل الزيادات بعد انتهاء المنحة، مشيراً إلى أن إيداع المنحة في البنك المركزي سيساهم في دعم احتياطي النقد الأجنبي.
في السياق ذاته، قال يونس الكريم إن المنحة القطرية قد تُسهم في تهدئة الشارع السوري وتخفيف الاحتقان، خاصة مع التأخر في تنفيذ وعود الزيادة منذ مطلع العام.
وأشار إلى أن المنحة جاءت بعد ضوء أخضر أميركي خفف تدريجياً من العقوبات على سوريا، ما قد يُبدد شكوك الشارع تجاه قدرة الدول الصديقة على تقديم الدعم.
وأكد الكريم أنه إذا نجحت الحكومة في تسخير المنحة لتسديد الزيادات وإنعاش الاقتصاد، حتى ولو بشكل جزئي، فقد تحفز دولاً أخرى، مثل السعودية، على تقديم منح لاحقة.
لا تحسّن ملموس في الاقتصاد
رغم الإيجابيات المتوقعة، يرى يونس الكريم أن هناك آثاراً سلبية محتملة، إذ إن الزيادة المؤقتة في الدخل قد تدفع الموظفين إلى زيادة الإنفاق على السلع الأساسية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها نتيجة قلة العرض.
وأوضح أن ضخ هذه الأموال في السوق على مدى ثلاثة أشهر فقط لن يكون كافياً لتشجيع التجار على توسيع الإنتاج، ما يقلّل من الأثر الاقتصادي الإيجابي للمنحة.
ولفت إلى أن قيمة المنحة ومدة تنفيذها لا تكفيان لتحقيق تحسّن ملموس في قيمة الليرة أو احتياطي النقد الأجنبي. ووفق تقديرات عام 2023، تحتاج السوق السورية إلى نحو 7 ملايين دولار يومياً لتحريك الاقتصاد.
من جهته، قال المحلل الاقتصادي محمد بكور إن هذه المنحة تؤكد وجود أزمة سيولة خانقة لدى الحكومة، لا سيما في تغطية الرواتب، في ظل انكماش اقتصادي وتراجع العائدات الضريبية.
وأضاف أن المنحة تخفف من عجز الموازنة لكنها ليست حلاً مستداماً، إذ إن استمرار الاعتماد على التمويل الخارجي يؤجل الإصلاحات الهيكلية الضرورية.
ونبّه بكور إلى أن تدفق النقد الأجنبي دون إدارة حكيمة من المصرف المركزي قد يؤدي إلى اختلالات نقدية وتضخم مستقبلي.
وأشار إلى أن الاعتماد المفرط على المساعدات، كما في فلسطين ولبنان، يؤدي إلى هشاشة اقتصادية وتقويض للسيادة المالية.
هل تستمر الزيادة بعد المنحة؟
المنحة القطرية لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، ما أثار تساؤلات حول استمرار الزيادات بعد انتهائها: هل ستعود الرواتب إلى مستوياتها السابقة (300 ألف ليرة) أم ستُحافظ الحكومة على الزيادة؟
توقّع يونس الكريم أن تستمر الحكومة في دفع الزيادة، ولكن عبر إجراءات تعويضية مثل رفع الضرائب أو تقليص أعداد الموظفين، خاصة من الذين لا يؤدون مهام فعلية أو المرتبطين بالنظام السابق.
وكان وزير المالية في حكومة تسيير الأعمال، محمد أبازيد، قد كشف عن وجود 400 ألف “موظف شبح” يتقاضون رواتب من الدولة دون مزاولة العمل، في مؤشر على حجم الفساد في عهد النظام المخلوع بشار الأسد.
وقد بدأت الحكومة بالفعل بإجراءات لتقليص عدد الموظفين، عبر فصل كثير من “الموظفين الأشباح” الذين كانوا يتقاضون أجوراً دون عمل حقيقي.
المصدر: تلفزيون سوريا.