في خطوة مفاجئة لكنها مشروطة، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ج. ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بإنهاء برنامج العقوبات المفروضة على سوريا، فاتحًا الباب أمام إعادة دمج دمشق في النظام الاقتصادي العالمي. لكن القرار لم يكن بلا ثمن، إذ حمّله سلسلة من الشروط الصارمة التي تعكس أولويات استراتيجية أميركية متجددة في المنطقة، وتضع السوريين، نظامًا ومجتمعًا، أمام مفترق طرق حاسم: هل يقبلون الثمن السياسي والأخلاقي مقابل الخروج من العزلة الاقتصادية؟
أولًا: سوريا موحدة أو لا رفع للعقوبات
واشنطن اشترطت عودة سوريا كدولة موحدة وسلمية، وهو ما يعني عمليًا إنهاء الانقسامات الجغرافية والسياسية التي تحوّلت إلى أمر واقع خلال سنوات الصراع. الساحل بقبضته الأمنية، الشمال الشرقي بمناطقه الكردية المدعومة أميركيًا، والجنوب بنفوذه الإيراني – الاسرائيلي الروسي جميعها مطالبة بالتفكك لصالح “نسيج وطني متماسك”، وفق التعريف الأميركي. لكن السؤال: من يعرّف هذا “النسيج”، ومن يملك أدوات إعادة تركيبه؟
اليوم تقرير رويترز يجعل قضية الساحل تتطلب تحريك عجلة العدالة الانتقالية لعودتها الى الحضن السوري ، فهل ستتحرك ؟
ثانيًا: التطبيع مع إسرائيل كشرط لا يُمس
الشرط الأبرز والأكثر حساسية يتمثل في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهو تحول جذري في موقع سوريا الإقليمي وتاريخها السياسي. القرار لا يكتفي بالحياد، بل يطالب بتقارب فعلي. في ظل استمرار احتلال الجولان، وغياب أي أفق لحل عادل للقضية الفلسطينية، يبدو الشرط أشبه بإعادة تعريف لـ”العدو” و”الصديق” في الثقافة السياسية السورية.
علما ان صيغة التطبيع تشير ان هناك خطوات فعلية بدأت بين حكومة الشرع و بين الاسرائيليين برعاية امريكية.
ثالثًا: فك الارتباط مع الحلفاء التقليديين
المطلوب من دمشق التخلي عن محاور نفوذها التقليدية: روسيا،، تركيا، وحتى الصين. ومن بعيد ايران وهو ما ينسف بنية تحالفات تشكلت على مدار أكثر من عقد.
فالشرط الامريكي لا يُسمح بتمرير أي مشروع طاقة – خصوصًا الغاز – إلا بإشراف أميركي مباشر. بكلمات أخرى: إعادة هيكلة الاقتصاد السوري بما يخدم المصالح الغربية، لا فقط “تحريره” من العقوبات.
رابعًا: الفلسطينيون والجماعات “المتطرفة”
من بين أكثر الشروط إثارة للجدل، اشتراط طرد الجماعات “المتطرفة” – دون تحديد واضح – إلى جانب إبعاد الفلسطينيين، ما يتناقض مع التوجهات الرسمية في دمشق حول “التجنيس الاجانب ” والاحتضان التاريخي لقضيتهم مالى داعش . الشرط يُقرأ على أنه محاولة لتصفية البُعد القومي في السياسة السورية، وربما ما تبقى من “هوية جامعة” في الدولة من جهة ، منع انضمام اجانب الهئية تحرير الشام داعش
خامسًا: لا عودة لداعش… وفق تعريف من؟
الرئيس ترامب وضع أمن الشمال الشرقي تحت المجهر. المطلوب هو ضمانات أمنية بعدم عودة تنظيم داعش، والبقاء على المعتقلين من داعش ، إضافة إلى تقديم قوائم تفصيلية حول “جذور التنظيم” التي يُزعم أنها بدأت بالنمو مجددًا للامريكيين.
لكن ما لم يُذكر هو كيف ستُعاد صياغة خريطة القوى المسلحة في تلك المناطق، ومن يملك سلطة القرار فيها: واشنطن، أم الحلفاء المحليون؟
هل السوريون مستعدون للثمن؟
القرار الأميركي لا يُمكن تجاهله. إنه يمثل لحظة مفصلية تتجاوز الاقتصاد إلى إعادة تعريف سوريا ذاتها: حلفاءها، أعداءها، نظامها السياسي، وتركيبتها الاجتماعية.
هل تقبل دمشق هذه الشروط على مضض، تحت ضغط الحاجة الاقتصادية؟
هل يملك السوريون – في الداخل والخارج – صوتًا في هذا التفاوض؟
وهل يمكن بناء “سلام اقتصادي” من دون عدالة تاريخية؟
ما الدلالة وراء تفويض الرئيس ترامب وزارة الخارجية بملف العقوبات على سوريا؟ هل يُعتبر هذا التحوّل إغلاقًا لقنوات التفاوض المباشرة؟ أم أنه إشارة واضحة إلى رغبة واشنطن بفرض شروط صارمة من خلال أدواتها الدبلوماسية؟
في النهاية، لم تُرفع العقوبات. بل عُلّقت على مشجب الشروط.
ويبقى السؤال الأهم: هل الثمن الذي يُطلب من السوريين هو طريق إلى التعافي، أم إلى فقدان ما تبقى من سيادة؟