الرئيسية » القوانين القديمة وضعف الشبكة المصرفية تعيقان الاستثمارات “المليارية” في سوريا

القوانين القديمة وضعف الشبكة المصرفية تعيقان الاستثمارات “المليارية” في سوريا

بواسطة Younes
محمد كساح

بالرغم من توقيع العهد الجديد عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع شركات عديدة للاستثمار في سوريا، إلا أن ملف الاستثمار لا يزال يواجه حزمة من التحديات، حيث يحتاج النهوض بالواقع الاستثماري إلى متطلبات تشريعية واقتصادية وبيئات تسودها الشفافية والوضوح والتنافسية، بحسب ما يوضح الخبراء الاقتصاديون.

التراضي صيغة خطيرة

ويرى الباحث ومدير منصة “اقتصادي”، يونس الكريم، أن القوانين الحالية المتمثلة بالقانون رقم /18/ لعام 2021، بالإضافة إلى المرسومين التشريعيين /8/ و/9/ للعام 2007، عانت خلال وضعها قيد التطبيق من عراقيل البيروقراطية، رغم إعلان النظام البائد عن كون هذه القوانين تسهل الإجراءات المتعلقة بالاستثمار وتوفر حوافز ضريبية وجمركية لجذب الاستثمارات.

ويضيف خلال حديثه  أن آلية تنفيذ الاستثمارات في العهد السابق، كانت تعتمد على اقتسام كعكة الاستثمارات بين الشخصيات النافذة في البلد، وكان المستثمرون يتقربون من هؤلاء المتنفذين للاستفادة من فرص الاستثمار المتوفرة عبر إقامة شراكات مع الجهات المتنفذة.

ولفت الكريم إلى أن النظام الجديد لا يزال يعتمد على هذه السياسات القديمة، ما انعكس على حجم الاستثمارات الجديدة التي تم وضعها قيد التطبيق المباشر، والتي تعتبر قليلة بالرغم من رفع العقوبات الغربية عن سوريا، عازيًا ذلك إلى العراقيل البيروقراطية وغياب الدقة والمؤسساتية وعدم اليقين من جدوى قوانين الاستثمار التي سوف تصدر لاحقًا.

تتعدد العقبات التي تواجه الفاعلين الاقتصاديين الراغبين بالاستثمار، وبالرغم من رفع العقوبات، فإن الواقع الاستثماري لا يزال سيئًا نتيجة عراقيل لا تتعلق بالعقوبات بشكل مباش

واستنادًا إلى هذه النقطة، يلاحظ الكريم أن العقود التي تم توقيعها بين الحكومة السورية والشركاء الدوليين جرت بصيغة التراضي، من دون أن تُؤطَّر بالقوانين الناظمة ما يضع هذه الاستثمارات ضمن خانة الفوضى، بسبب تداعيات صيغة التراضي هذه على مستقبل الاستثمار، موضحًا أن غياب الاستناد إلى القوانين عند إجراء العقود مع الشركاء الدوليين يعني انشطار ملف الاستثمار إلى قسمين: الأول يتعلق بالشركات الدولية الكبيرة التي تحصل على عقود مباشرة مع الحكومة، والثاني الشركات الأصغر حجمًا، والتي وضعت على قائمة الانتظار، ريثما يتم الإعلان عن القوانين الناظمة لأعمالها.

عراقيل ومتاعب

تتعدد العقبات التي تواجه الفاعلين الاقتصاديين الراغبين بالاستثمار في سوريا،  وبالرغم من رفع العقوبات، فإن الواقع الاستثماري لا يزال سيئًا نتيجة عراقيل أخرى لا تتعلق بالعقوبات بشكل مباشر.

ويوضح الكريم أن من أهم العقبات عدم استقرار العملة الوطنية، حيث تزيد تقلبات سعر الصرف من مخاطر الاستثمار، نظرًا لتسببه بانعدام القدرة الشرائية، وبالتالي صعوبة تصريف البضائع والسلع، بالموازاة مع تأثيرات تذبذب سعر الصرف على نقل الاستثمارات إلى خارج البلاد في حال أراد المستثمر نقلها في وقت لاحق.

ومن العراقيل التي يلاحظها الكريم عدم وضوح القرارات الحكومية وتضارب الصلاحيات، مثل إلغاء شركات الصرافة أو ضرورة توفيق أوضاعها، يضاف إليها بعض التصريحات الصادرة عن المصرف المركزي التي يعتقد الفاعلون الاقتصاديون أنها سابقة لأوانها، ما يوحي بأن المركزي لا يسيطر بشكل كامل على القرار الاقتصادي في البلاد، وإنما يتبع سياسات تنظيرية بعيدة نسبيًا عن الواقع.

ومن أهم العقبات التي يوردها الكريم عدم وجود شبكة مصرفية قوية نتيجة العزلة المصرفية الكبيرة والطويلة عن العالم الخارجي التي جعلت الوضع المصرفي كارثيًا، ما يجعل التأثير الإيجابي المترتب عن رفع العقوبات الغربية محدودًا، يضاف إلى ذلك بعض السياسات التي اتبعها المصرف المركزي التي أثرت سلبًا على الشبكة المصرفية، وعلى رأسها منح صلاحيات واسعة لشركة “شام كاش”، من بينها إدارة البيانات وفتح الحسابات وتسلم كتلة الرواتب.

ويتابع الكريم أن البنى التحتية المتضررة في سوريا تجعل كلفة الاستثمارات مرتفعة جدًا، إضافة إلى أن هذه الاستثمارات تمنح لشركات كبيرة دون تحديد حدود هذه الاستثمارات أو كيفية تنفيذها، لا سيما في عدم وجود بيئة قانونية واضحة ومحددة ومستقرة.

ما أبرز العوامل الطاردة لرأس المال؟ 

ومع أن البيئة التشريعية تعتبر إحدى الركائز الأساسية لجذب الاستثمارات، إلا أن القوانين الاستثمارية الحالية تفتقر إلى العمق المؤسسي اللازم لضمان الأمان القانوني للمستثمرين.

يرى الباحث الاقتصادي، يحيى السيد عمر، أن غياب الاستقلال القضائي، وتداخل الصلاحيات بين الجهات المعنية، وتعقيدات البيروقراطية في الحصول على التراخيص، كُلّها عوامل طاردة لرأس المال، خاصةً في ظل غياب بنية تحتية مؤسسية قادرة على إنفاذ القانون بعدالة وفعالية.

ويضيف خلال حديثه  أنه بناء على ما سبق، لا بد من إعادة صياغة قانون الاستثمار على نحو يعكس التزامًا فعليًّا بتبسيط الإجراءات، وتقديم ضمانات قانونية واقتصادية حقيقية.

وبخصوص تأثير رفع العقوبات على الواقع الاستثماري، يوضح السيد عمر أنها وبالرغم من أهميتها ليست كافية لجذب المستثمرين ما لم تترافق بإجراءات داعمة للاستثمار، مثل: الحوافز الضريبية، وتسهيل الحصول على التراخيص، وتبسيط العمل الإداري، وتوفير حوامل الطاقة، وتحقيق الاستقرار النقدي.

ولفت إلى أن التجارب الدولية، لا سيما في أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا، أظهرت أن تدفق الاستثمارات لا يرتبط فقط بإزالة العوائق الخارجية، بل أيضًا بمدى قدرة الدولة على بناء مؤسسات فاعلة وشفّافة، ومِن ثمّ لا بد من الموازنة بين الانفتاح على العالم ومعالجة المشكلات في الداخل، خصوصًا ما يتعلق بثقة المستثمر بالقضاء المحلي، واستقرار السياسة الاقتصادية، وضمان حرية حركة رأس المال.

تحديات وتجارب

من الضروري، بحسب ما يضيف السيد عمر، أن يتضمن قانون الاستثمار حوافز ضريبية وجمركية واضحة، لا سيما للقطاعات الإنتاجية والموجَّهة للتصدير، إلى جانب تمكين المستثمر من تحويل الأرباح بالعملة الصعبة دون قيود. كما ينبغي اعتماد مبدأ “النافذة الواحدة” لتسهيل تأسيس الشركات وتذليل العقبات الإدارية، وتأسيس هيئة مستقلة للإشراف على شؤون الاستثمار، تتسم بالكفاءة والنزاهة، وتتولى التنسيق بين الجهات المختلفة بعيدًا عن التضارب البيروقراطي المعتاد.

بينما تبقى التحديات المرتبطة بالشبكة المصرفية من أبرز ما يعرقل دخول رؤوس الأموال، خاصةً في ظل عجز النظام المصرفي عن تقديم الخدمات المالية الأساسية، وافتقاره إلى أدوات الدفع الإلكتروني أو الربط مع النظام المالي العالمي. كما أن تقلبات سعر الصرف تُعدّ عائقًا جوهريًّا؛ إذ تفقد المستثمرين القدرة على التنبؤ بتكاليف مشاريعهم أو الأرباح المتوقعة، ما يعمّق مخاوفهم من المجازفة في بيئة غير مستقرة.

ويؤكد السيد عمر أنه لا بد من الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في خلق مناخ استثماري جاذب رغم محدودية الموارد، مثل رواندا وجورجيا وفيتنام، حيث تم التركيز على مكافحة الفساد، وتحقيق استقرار نقدي ومالي، وتقديم حوافز واضحة، وبناء شراكات بين القطاعين العام والخاص على أسس شفافة، لافتًا إلى أن اعتماد مثل هذه السياسات مع مرونة في التعديل المستمر حسب متغيرات السوق من شأنه أن يفتح الباب أمام تحوُّل تدريجي نحو بيئة استثمارية أكثر جذبًا وتنافسية.

المصدر :الترا سوريا.

مقالات ذات صلة