الرئيسية » الدعم الخليجي المؤقت يكشف عمق الأزمة المالية في سوريا

الدعم الخليجي المؤقت يكشف عمق الأزمة المالية في سوريا

دعم خارجي يسد فراغًا داخليًا

بواسطة Younes

خطوة اعتُبرت إسعافية للمجتمع السوري الذي بات يواجه صعوبات في استلام رواتبه، أعلن كل من الصندوق السعودي للتنمية وصندوق قطر للتنمية عن تقديم دعم مالي مشترك بقيمة 89 مليون دولار أميركي، مخصص لتغطية رواتب العاملين في القطاع العام السوري لمدة ثلاثة أشهر. ويأتي هذا التمويل، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السعودية “واس”، بهدف ضمان استمرارية الخدمات الأساسية وتعزيز مخصصات الميزانية العامة، في ظل أزمة سيولة متفاقمة.

ووفق البيان الذي أعلن المنحة، فإن تنفيذ هذا الدعم سيتم بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في إطار يركّز على تعزيز سبل العيش المستدام، ودعم التعافي الاقتصادي، وتقوية النظم المالية، بما يفتح المجال أمام مقاربة تنموية أكثر شمولاً واستدامة. غير أن هذا الإعلان، رغم ما يحمله من بعد إنساني، يسلّط الضوء في الوقت ذاته على هشاشة البنية الاقتصادية السورية، واعتمادها المتزايد على المنح الخارجية لتلبية أبسط الالتزامات الاجتماعية.

آلية الدعم عبر الأمم المتحدة: بين السياسة والشفافية

اختيار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كمنفذ لهذا التمويل لم يكن قرارًا تقنيًا فحسب، بل يعكس اعتبارات سياسية وقانونية متعددة:

  • الالتفاف على العقوبات الدولية: تمرير الأموال عبر الأمم المتحدة يوفر غطاءً قانونيًا يمنع تعريض الدول المانحة أو البنوك الوسيطة للمساءلة نتيجة العقوبات المفروضة على الحكومة السورية.

  • ضمان الشفافية والرقابة: المؤسسات الأممية تملك آليات محاسبة دقيقة وتقارير دورية، ما يحد من مخاطر الفساد أو سوء الاستخدام.

  • إضفاء الشرعية الدولية: إشراك الأمم المتحدة يضفي على الدعم طابعًا رسميًا مقبولًا دوليًا، ويقلل من حساسيته السياسية.

  • ربط الدعم بالبعد التنموي: بعكس المساعدات المباشرة، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على ربط أي تمويل بمشروعات أوسع مثل بناء القدرات وتعزيز التعافي الاقتصادي، ما يجعله أقرب إلى مقاربة مستدامة بدل أن يكون مجرد منحة إسعافية.

البعد السياسي لاختيار الأمم المتحدة كوسيط

من الزاوية السياسية، يعكس هذا الترتيب توازنًا حساسًا بين مختلف الأطراف:

  • فهو يمنح الحكومة السورية استفادة مباشرة من الدعم عبر دفع الرواتب دون أن تتسلم الأموال بشكل رسمي، ما يجنّبها خرق العقوبات الدولية ويمنحها هامشًا للظهور وكأنها لا تزال قادرة على الوفاء بالتزاماتها.

  • في الوقت نفسه، يضعها في موقع المتلقي لا الشريك، الأمر الذي يقيّد قدرتها على المناورة ويكشف اعتمادها المزمن على أطراف خارجية لتأمين أبسط وظائفها المالية والإدارية، مما تعتب رازمة مزمنة تهدد استقرارها بشمل مستمر,

  • أما بالنسبة للدول المانحة، فإن تمرير الدعم عبر الأمم المتحدة يتيح لها تقديم مساعدة إنسانية–اقتصادية دون أن تُحسب سياسيًا كخطوة داعمة للنظام، وبذلك تحافظ على صورتها المتوازنة أمام المجتمع الدولي.

  • وأخيرًا، يعكس هذا الترتيب استمرار غياب الثقة الدولية بالبنية المالية والإدارية السورية، حيث يُنظر إلى المؤسسات الأممية باعتبارها القناة الأكثر أمانًا وشفافية لضمان وصول الأموال إلى أهدافها المعلنة.

الانعكاسات الاجتماعية للدعم

على المستوى الاجتماعي، يترك هذا النوع من الدعم عدة آثار متشابكة:

  • تخفيف الاحتقان الشعبي مؤقتًا: حصول الموظفين على رواتبهم بانتظام خلال الأشهر الثلاثة القادمة قد يخفف نسبيًا من الضغط المعيشي ويؤجل حالة السخط الاجتماعي.

  • تعزيز شعور الارتهان للخارج: يدرك المواطن أن راتبه لم يعد نتيجة موارد الدولة، بل بفضل منح خارجية، ما يعمّق الإحساس بضعف الدولة وعجزها عن تلبية أبسط واجباتها.

  • تآكل الشرعية الداخلية: استمرار اعتماد الحكومة على المنح لتغطية الالتزامات الأساسية قد يُضعف صورتها كمؤسسة قادرة على إدارة شؤون البلاد، ويزيد من فجوة الثقة مع المجتمع.

  • انقسام في التلقي الشعبي: فبينما قد يرى البعض في الدعم خطوة إيجابية تسهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية و انفتاح على الدول العربية “و بالتالي غدا افضل”، قد يعتبره آخرون إقرارًا بفشل السياسات الاقتصادية والمالية الداخلية.

أزمة التمويل والاعتماد على الخارج

اللجوء إلى منحة خارجية لتغطية الرواتب الأساسية يوضح حجم العجز في الموارد المحلية، ويؤكد أن الدولة لم تعد قادرة على تأمين النفقات الجارية من داخل اقتصادها. كما أن الطابع المؤقت للدعم لا يمثل حلًا للأزمة، بل يقتصر على تأجيل الانهيار المحتمل في الخدمات العامة، الأمر الذي يضعف الثقة بمستقبل الاستقرار المالي ، ويكشف العجز و التردي بسياست الحكومنة ومنها :

1.أزمة السيولة والطباعة النقدية: يمكن اعتبار الدعم المالي الخارجي الأخير مؤشرًا سلبيًا على فشل خطة الطباعة النقدية التي سبق أن أعلنها البنك المركزي السوري لمواجهة أزمة السيولة. إذ باتت الرواتب تُموّل عبر منح ومساعدات إنسانية، لا من خلال موارد الدولة أو احتياطاتها، ما أفقد العملة الوطنية وظيفتها العملية وأضعف جدوى الطباعة كأداة اقتصادية لدفع عجلة الاقتصاد و سيطرة على التضخم.

في هذا السياق، قد يزاد اليقين من عدم جدوى  فكرة حذف الأصفار من العملة معناها،  الليرة اليومبعدما  وتراجعت الثقة بالليرة السورية، التي تُستخدم اليوم كوسيلة لتلقي مساعدات عاجلة عبر الأمم المتحدة، لا كعملة مدعومة بإيداعات أو احتياطات نقدية حقيقية في المصرف المركزي.

إلى جانب ذلك، فإن غياب الشفافية والرقابة المستقلة على إدارة الكتلة النقدية حوّل السياسة النقدية إلى أداة خاضعة لقرارات آنية وارتجالية، بدل أن تكون جزءًا من رؤية استراتيجية تهدف إلى ضبط التضخم وتحقيق الاستقرار المالي.

2.الحوالات المالية: شريان اقتصادي معطّل بفعل القيود الإدارية ، مما اعاق الحوالات المالية من الخارج أن تكون  أحد أهم الروافد الحيوية للعملة الصعبة، ومصدرًا مباشرًا لدعم الاستهلاك المحلي وتحفيز السوق. هذا الشريان الاقتصادي الحيوي بات مقيّدًا بسلسلة من الإجراءات الإدارية والقيود التنظيمية، في دعم السيولة وتنشيط الدورة الاقتصادية.

في ظل هذا الواقع، يُطرح سؤال جوهري: لماذا تنتظر الدولة مساعدات خارجية لدفع الرواتب، بينما تُحرم السوق من تدفق الحوالات التي كان من شأنها رفع الطلب وتحريك عجلة الإنتاج؟ إن تعطيل هذا المسار المالي الحيوي لا يقتصر على خسارة مورد نقدي، بل يمتد إلى إضعاف الثقة بالمنظومة الاقتصادية، وتجميد ديناميات السوق التي تعتمد على التدفق النقدي الحر.

إن تحرير الحوالات من القيود، وتوفير بيئة تنظيمية شفافة وآمنة، يمثل خطوة أساسية نحو استعادة التوازن النقدي، وتعزيز قدرة الاقتصاد المحلي على الصمود دون الحاجة إلى تدخلات طارئة أو دعم خارجي مؤقت.

3.السياسة الضريبية: إعفاءات تُعمّق الأزمة وتُرسّخ الاعتماد على الخارج، فعلى رغم صدور القانون الضريبي الجديد منذ أيام، وما تضمّنه من إعفاءات واسعة، إلا أن هذه الإعفاءات تكشف عن غياب العدالة الاجتماعية، وتُفرّغ النظام الضريبي من دوره الحيوي في دعم الميزانية العامة. فبدل أن يكون هذا النظام أداة فعالة لتمويل الرواتب والنفقات الأساسية، باتت الدولة تعتمد على المساعدات الخارجية، كما هو الحال مع المنحة القطرية-السعودية الأخيرة، لتغطية أجور العاملين في القطاع العام.

هذا التوجه لا يعكس فقط ضعفًا في الرؤية الاقتصادية، بل يؤسس لأزمة مزمنة في تمويل الرواتب، تُدار بالمسكنات المؤقتة بدلًا من الإصلاحات الهيكلية. إن غياب مورد ضريبي عادل ومستقر يُضعف قدرة الدولة على الاستقلال المالي، ويحوّل المساعدات إلى بديل دائم، لا إلى دعم ظرفي يُفترض أن يُستثمر في بناء أدوات تمويل ذاتية مستدامة.

 نحو حلول جذرية

الأزمة المالية في سوريا ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات هيكلية في إدارة الموارد والسياسات الاقتصادية. الدعم الخليجي المؤقت لا يعدو كونه مسكنًا قصير الأمد، فيما الحل الحقيقي يكمن في تبني إصلاحات جذرية، أبرزها:

  • إعادة هيكلة النظام الضريبي بما يحقق العدالة ويحفز النشاط الاقتصادي.

  • تحرير قطاع الحوالات وتشجيع المنافسة العادلة بين شركات الصرافة.

  • السماح بالدلورة الجزئية لتخفيف الحاج الى الطباعة و رقابة العملية
  • وضع خطة متكاملة لبناء نموذج تمويلي مستدام يقلل من الاعتماد على المنح والمساعدات الخارجية.

بهذه الخطوات، يمكن للحكومة أن تنتقل من إدارة الأزمة عبر المسكنات المؤقتة إلى بناء أساس صلب لاستقرار مالي واقتصادي طويل الأمد.

مقالات ذات صلة