الرئيسية » خلايا الظل: كيف شكّل داعش شبكة استخباراتية لزعزعة «الفرقة 84» في دمشق والساحل (25 حزيران 2025)
عودة داعش الى سوريا

خلايا الظل: كيف شكّل داعش شبكة استخباراتية لزعزعة «الفرقة 84» في دمشق والساحل (25 حزيران 2025)

بواسطة Younes

انتقال داعش إلى عملٍ استخباري ممنهج

خلال النصف الأول من عام 2025 شهدت سوريا تصاعدًا في نشاطات تنظيم الدولة الإسلامية باتجاه العمل الخفي والاستخباري داخل المناطق الحضرية والساحلية السورية ، بعد تراجع قدرته على الاحتفاظ بمناطق مفتوحة في البادية. هذا التحول اتخذ أشكالًا متعددة: هجمات نوعية، اغتيالات مختارة، وزرع خلايا نائمة داخل تشكيلات عسكرية محلية وأجنبية بهدف إشعال توترات داخلية واستغلالها سياسياً وعسكرياً. الملاحظات والتحليلات الميدانية والسياسية لشهور ربيع وصيف 2025 تشير إلى أن التنظيم ركّز على استراتيجية «التزعزع الداخلي» بدل السيطرة الميدانية التقليدية.

 إعلان بداية مرحلة تنفيذية لخلايا أمنية

بالاعتماد على مصادر خاصة نقلها موقع «الاقتصادي» بتاريخ 25 حزيران (يونيو) 2025، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية مرحلة جديدة من عملياته في سوريا، تمثلت في تشكيل خلايا أمنية يقودها قيادي يُعرف باسم «أبو عائشة السوري» ضمن جهاز «الأمنيات»، وهو الاسم الذي يُطلق على الجهاز الاستخباري الميداني للجماعات الإسلامية الراديكالية.

تمثل هذه الخطوة تحولًا نوعيًا في تكتيكات التنظيم من المواجهة العسكرية المباشرة إلى العمل السري داخل البُنى المسلحة التابعة للجيش المنضوي تحت الحكومة الانتقالية في دمشق، ولا سيما داخل الفصائل العاملة تحت مظلة ما يُعرف بـ«الفرقة 84 قوات خاصة».
تُعدّ هذه الفرقة العمود الفقري للقوة الضاربة للرئيس الشرع، إذ تضمّ في صفوفها عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب ذوي التوجهات الإسلامية المتشددة، وتُعدّ وفق المراقبين ورقته الأساسية في التفاوض مع الجانب الغربي حول ملف مكافحة عودة تنظيم داعش.

ووفقًا للمعلومات المسربة، كان الهدف من هذا التحرك إحداث انقسام داخلي وتمهيد الطريق لتمرد أو انقلاب عسكري، من خلال تنفيذ عمليات اغتيال وتفجير موجهة تُنفّذ بأسلوب يوحي بأن أجهزة استخبارات سورية تقف خلفها، ما يُسهم في تعميق الشكوك داخل صفوف المقاتلين الأجانب والسوريين على حد سواء.

وقد تزامن ذلك مع تصاعد لافت في الحوادث الأمنية الغامضة التي شهدتها دمشق والساحل في أواخر يونيو، وهو ما يُفسَّر كمؤشر على نجاح التنظيم في الانتقال من مرحلة السيطرة الميدانية إلى مرحلة “اختراق الخصوم من الداخل” عبر استخدام أدوات استخباراتية وحرب نفسية تستهدف زعزعة الثقة وتقويض البُنى الأمنية والعسكرية للدولة وحلفائها.

خلايا الظل: توزيع المحاور وأنماط العمليات

وزّع التنظيم خلاياه على محاور استراتيجية في دمشق وريفها واللاذقية وريفها (ساحل سوريا)، حيث صيغت هذه الخلايا كوحدات أمنية متخصِّصة مكلفة بتنفيذ عمليات نوعية شملت اغتيال قيادات وشخصيات من المقاتلين الأجانب — مثل الإيغور والتركستانيين والطاجيك والأوزبك وغيرهم — داخل التشكيلات العاملة في الصفوف؛ وشن تفجيرات واستخدام عبوات متحكَّم بها إلكترونيًا بغرض تحويل الاتهامات إعلاميًا وسياسيًا إلى جهات استخباراتية محلية مما يعمّق الشكوك ويثير الفتنة؛ بالإضافة إلى استهداف مقرات ونقاط لوجستية تابعة للفصائل الأجنبية لإحداث فوضى تنظيمية قد تُفضي إلى سحوبات أو إعادة تموضع تكتيكية. تتوافق هذه الأنماط مع تقارير ميدانية وتحليلات رصدت تحوّل داعش نحو أساليب «الهجمات الصغيرة والمتكررة» والاغتيالات الانفرادية التي تُقدَّم أحيانًا على أنها أعمال ذئاب منفردة، في محاولة لزعزعة السلم الأهلي وإخراج الصراع من إطار المواجهة التقليدية إلى ساحة الحرب النفسية والاستخباراتية.

 

 

خلايا داعش واستثمار النزاع الداخلي للفرقة 84

يمكن فهم هيكلية مجموعات تنظيم الدولة على أساس قسمين تكتيكيين مترابطين، وكيف استغل التنظيم الخلافات الداخلية الناتجة عن سياسات أحمد الشرع واستئثاره بالسلطة في سوريا :

القسم الأول — خلايا داخلية من مقاتلين أجانب: ضمت هذه الخلايا عناصر من جنسيات متعددة كانوا منخرطين سابقًا في فصائل أجنبية تابعة للفرقة 84 أو تشكيلات محلية، ثم جرى استقطابهم عبر وسطاء وقياديين سابقين، بعضهم منشق عن هيئة تحرير الشام. وقد ساعد التنظيم في استمالتهم على استغلال الخلافات حول منهجية أحمد الشرع واستئثاره بالقرار وملف تطبيق الشريعة في إدلب، ما جعل شعورهم بالإحباط والغضب fertile ground لاستغلاله في عمليات سرية. هذه الخلايا النائمة استفادت من معرفتها بالمسارات والروتين الأمني لتنفيذ عمليات تخريبية وتحليلية داخل الفرقة.

القسم الثاني — مجموعات سورية وعراقية مُدربة ميدانيًا: تكونت هذه الوحدات من نحو 40 مقاتلاً خضعوا لتدريب مكثف في معسكرات بالبادية تحت إشراف قيادات أمنية تنظيمية، مع تركيز على التفخيخ والاغتيال والتشويش الإلكتروني. تم نشر هذه المجموعات في البيئات الحضرية الساحلية وريف دمشق لتنفيذ عمليات نوعية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار داخل الفصائل الأجنبية، بما يتماشى مع استراتيجية التنظيم في اعتماد «الهجمات الصغيرة والمتكررة» وعمليات الذئاب المنفردة.

كل هذا جعل من تداعيات الخلافات الداخلية نتيجة  أسلوب أحمد الشرع في أدارة الحكم سوريا  واستئثاره بالسلطة وملف التفاوض مع الغرب إلى شعور بعض المقاتلين بالإقصاء، وهو ما استغله داعش لاستغلال الانقسامات داخليًا. هذه الديناميات أضعفت جزئيًا الثقة بين القيادات والقاعدة، وزادت من احتمالات الانسحاب أو إعادة التموضع التكتيكي، ما جعل الفراغ السياسي والأمني ميدانًا خصبًا لعمليات التنظيم الاستخبارية والفوضوية.

الهيكل الأمني للمقاتلين: تسريبات «الاقتصادي» عن القيادات الميدانية

بحسب تقرير الذي  اطلع عليه موقع «الاقتصادي»، ظهرت أسماء متفرقة لقيادات ميدانية ضمن هيكلية تنظيم الدولة، يُعتقد أنها تلعب أدوارًا مركزية في العمليات الأمنية والاستخباراتية للتنظيم. هذه التسريبات توضح توزيع المسؤوليات داخل التنظيم وكيف استغل داعش الخلافات الداخلية في صفوف الفصائل التابعة للفرقة 84.

وفيما يلي جدول يعكس الأسماء المذكرة في التقرير، مع التنويه بأن المعلومات لم يتم تأكيدها قضائيًا بعد، لذا يجب التعامل معها كمعطيات أولية:

الاسم الجنسية الصفة التنظيمية
أبو مجاهد الديري سوري قيادي أمني في داعش (ميداني)
أبو مصعب السامرائي عراقي قيادي أمني في داعش
أبو القاسم الأدلبي سوري قيادي أمني في داعش
أبو محمد الحسكاوي سوري قيادي أمني في داعش
أبو المعتصم العراقي عراقي قيادي أمني في داعش

ملاحظة :يشير التقرير إلى أن هذه الأسماء جُمعت من مصادر ميدانية مسربة، ولم تعلنها أي جهة قضائية رسمية بعد، ما يجعل استخدامها مؤشراً أولياً للتحليل الأمني وليس حقيقة مثبتة قانونيًا. كما يبرز التقرير كيف ساعد استئثار أحمد الشرع بالقرار وملف التفاوض مع الغرب في تعميق الانقسامات الداخلية، ما أتاح لداعش استغلال هذه الثغرات لتعزيز نفوذه داخل الفرقة 84 وتوسيع قدرته على تنفيذ العمليات الاستخباراتية والفوضوية.

تصاعد التوتر داخل «الفرقة 84» واستراتيجية داعش في زعزعة الثقة

في الأسابيع التي تلت تشكيل الخلايا الأمنية لداعش، ظهرت مؤشرات ملموسة على نجاح جزئي للمخطط التنظيمي، حيث شهدت مناطق دمشق وريفها واللاذقية سلسلة حوادث اغتيال وتفجير غامضة أو ذات دوافع متقاطعة، اتُهمت فيها جهات استخباراتية رسمية، وتفاقمت الخلافات بين المقاتلين الأجانب والحكومة، مع اتهامات متبادلة لبعض العناصر الأجنبية بمحاولة تسويق التنظيم. وقد نتج عن ذلك عدة تداعيات مباشرة:

  • انقسامات داخلية بين المقاتلين الأجانب، وارتفاع مستوى الاتهامات المتبادلة بين القيادات، ما أدى إلى ضعف التنسيق وتراجع الثقة بين الوحدات.

  • انسحاب بعض الكتائب أو إعادة تموضعها في ريف دمشق واللاذقية تحت ذرائع أمنية أو خوفًا من الاختراقات الداخلية، مما خلق فراغات في مواقع استراتيجية حساسة.

  • دعوات متفرقة للتمرد ظهرت عبر مسودات اتصالات قيادية وبلاغات داخلية، ما دفع السلطات المحلية إلى تعزيز الوجود الأمني واتخاذ إجراءات احترازية لتجنب تفاقم الأزمة.

تعكس هذه الديناميات الاستراتيجية الراهنة لداعش، التي لم تعد تركز فقط على إحداث خسائر ميدانية، بل تسعى إلى استغلال الخوف والشك لتفكيك البنية التنظيمية للفصائل المضادة وخلق شروخ طويلة المدى داخلها.

تقارير الحوادث في الساحل ودمشق خلال حزيران 2025،  تُعد دليلاً  ميدانيًا على هذه الاستراتيجية النفسية والاستخباراتية للتنظيم، التي تركز على استنزاف الثقة الداخلية قبل الهجمات المباشرة.

أن تنظيم الدولة تبنّى مرحلة «استراتيجية الفتنة» داخل البيئة السورية الجديدة: تشكيل خلايا نائمة، استثمار المقاتلين الأجانب والخلطات الطائفية والمناطق الساحلية لفتح جبهات غير تقليدية. التداعيات المتوقعة: استمرار دورات عدم الثقة داخل الفصائل الأجنبية، فرص لاستغلال قوى إقليمية متباينة لهذه التوترات، وضرورة تكثيف العمل الاستخباري والتعاون الدولي لمواجهة تهديد تحوّل الهجمات الصغيرة إلى أزمات سياسية أوسع.

مقالات ذات صلة