الرئيسية » استهداف روسي لمقاتلين أجانب داخل تشكيلات الجيش السوري: إعادة رسم موازين القوة في الساحل
المسيرات الروسية تستهدف مقاتلين اجانب من الجيش السوري

استهداف روسي لمقاتلين أجانب داخل تشكيلات الجيش السوري: إعادة رسم موازين القوة في الساحل

بواسطة Younes

في تطور يعكس تحوّلًا واضحًا في نمط العمليات العسكرية الروسية داخل سوريا، نفذت قاعدة حميميم في 29 أيلول/سبتمبر 2025 عملية اغتيال عبر ضربة جوية دقيقة. حيث أقلعت طائرتان روسيتان مسيّرتان انتحاريتان من طراز Geran-2 من القاعدة الجوية في ريف جبلة، واستهدفتا بدقة رتلاً عسكريًا تابعًا للفرقة 84 — التي كانت تُعد سابقًا أحد التشكيلات العسكرية الرئيسية لهيئة تحرير الشام — أثناء تحركه من الكلية البحرية باتجاه فندق “إنانا بلازا” المخصّص لتبديل عناصر الفرقة. وتشير هذه العملية إلى انتقال روسيا نحو أسلوب تدخل أكثر مباشرة وفاعلية في الساحة السورية، عبر الاعتماد على طائرات مسيّرة منخفضة التكلفة وقادرة على مقاومة التشويش، لتنفيذ ضربات مركّزة وعالية الدقة.

تشكل العملية أيضًا اختبارًا ميدانيًا لقدرات موسكو التشغيلية والتقنية داخل سوريا، سواء من حيث كفاءة توجيه الطائرات المسيّرة في بيئة معقدة سياسيًا، أو من ناحية دقة الاستهداف لوحدات متحركة تشهد خلافات داخلية، إضافةً إلى إبراز قدرة الاستخبارات الجوية الروسية على توفير دعم دقيق لتحديد الأهداف وتنفيذ عمليات نوعية. وتحمل الضربة رسائل استراتيجية للقوى الدولية والجهات الإقليمية، مفادها أنّ روسيا عادت بقوة إلى الملف السوري، وأنها تمتلك القدرة على التأثير في موازين القوى وإعادة تشكيل المشهد العسكري والسياسي.

كما ترتبط هذه الضربة عمليا بملف التعاون بين موسكو والحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، الذي قام في 5 أكتوبر 2025 بأول زيارة رسمية له إلى روسيا منذ توليه منصبه في ديسمبر 2024. وقد عقد الشرع خلال الزيارة محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمشاركة وزير الخارجية ومسؤولين عسكريين واقتصاديين، في إشارة إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين دمشق وموسكو ضمن إطار جديد بعد إعادة هيكلة الحكومة السورية.

انتشار استخباراتي روسي على الساحل يقود عمليات الحسم الميداني

سبقت الضربة عملية رصد استخباراتي مكثفة، حيث حلقت طائرة استطلاع روسية من طراز Tu-214R  في الأجواء السورية، في خطوة تشير إلى أن موسكو كانت تجمع بيانات جوية واستخبارات إلكترونية وإشارات (ELINT/SIGINT) استعدادًا للعملية. ويُعد هذا الطراز من الطائرات أحد أهم أصول الاستطلاع الروسية، وقد سبق استخدامه في مهام مماثلة داخل سوريا، ما يعكس قدرة موسكو على تتبع تحركات دقيقة للوحدات العسكرية والفصائل.

أتاحت هذه المرحلة جمع معلومات تفصيلية حول تحركات الفصائل المسلحة على الساحل السوري. وتشير مصادر خاصة إلى أن البيانات التي جرى الحصول عليها ربما لم تُستخدم فقط في إطار التخطيط للضربة، بل قد تم تمرير جزء منها إلى أطراف خارجية — بما في ذلك إسرائيل — لتتبع تحركات مقاتلين وعمليات تهريب السلاح على الساحل.

نمط جدي للتجسس الروسي في سوريا: غرفة العمليات بقاعدة حميميم

تزايدت في الآونة الأخيرة حملات الاستهداف الروسية الدقيقة لتأخذ شكلًا أشبه بـ«القتل الصامت»، إذ تحولت العمليات إلى نمط يجمع بين التجسس المتقدم والاغتيالات الموجّهة للوحدات والأفراد المحددين، بدلًا من الاعتماد على الطلعات الجوية الواسعة والضربات العمياء التي ميّزت التدخل الروسي المبكر في عهد بشار الأسد. تعكس العملية في الساحل السوري نمطًا متقدمًا وجديًا من التجسس والاستخبارات الروسية، إذ أشرفت على جمع المعلومات غرفة عمليات مضاد-تجسّس تابعة للخدمات الأمنية الروسية (FSB) بقيادة المقدم ليونيد نيجورودوف (Leonid Nizhegorodov)، ضابط متخصص في عمليات التجسس المضاد. وقد مكّن هذا الهيكل الاستخباراتي من مراقبة تحركات الفصائل المسلحة بدقة وتحليل البيانات الواردة من مصادر جوية وإلكترونية، بما يشمل طائرات Tu-214R وأنظمة الاستطلاع الأرضية، ما يعكس قدرة موسكو على دمج مختلف المصادر الاستخباراتية في شبكة فعّالة واحدة.

تمت العملية بالتنسيق أيضًا مع جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU)، ما يدل على تنسيق عالي بين الأجهزة الأمنية المختلفة، حيث يجمع هذا النموذج بين جمع المعلومات، التحليل الاستخباراتي، والتخطيط الميداني، بما يتيح تنفيذ ضربات دقيقة بأقل قدر من المخاطر. ويبرز هذا النمط الجديد تحولًا واضحًا في أسلوب التدخل الروسي في سوريا، إذ أصبح محدودًا ومركّزًا على استهداف الفصائل المعادية وفرض السيطرة النوعية، بدلًا من التدخل الواسع والمباشر الذي كان سائداً خلال الفترة الأولى من حكم الأسد، عندما اعتمدت موسكو على دعم شامل للقوات الحكومية وتشغيل مباشر للعمليات الميدانية.

اليوم، يُظهر هذا التحوّل استراتيجية أقل بروزًا عسكريًا لكنها أكثر فاعلية سياسيًا واستخباريًا: استنزاف قادة وقيادات فصائل المعارضة وإرباك شبكاتها عبر ضربات متقطّعة ودقيقة، بدلاً من أسلوب القصف الشامل الذي كان يُحدث دمارًا واسعًا ويُكلّف موسكو وحلفاءها عبئًا سياسيًا وعملياتيًا أكبر. ا

لنتيجة هي بروز آلية روسية تُفضّل السيطرة النوعية والتأثير طويل المدى عبر استهداف الفاعلين الرئيسيين، ما يجعل التدخل أقل هدّامة من الناحية المظهرية لكنه أكثر تأثيرًا في إعادة ضبط موازين القوى المحلية.

أثر الضربة الروسية: الخسائر البشرية والمادية

أسفرت الضربة الروسية عن خسائر بشرية محدودة ولكن دقيقة، إذ قُتل ثلاثة مقاتلين أجانب مرتبطين بالفرقة 84 وأصيب آخرون بجروح متفاوتة، من بينهم عناصر معروفون بأسماء حركية تنتمي إلى أصول ألبانية وتركستانية. كما تضرّر جزء من العتاد والذخيرة المخزّنة داخل المقرّ المؤقت للفوج، المتمثل بفندق “إنانا بلازا”.

ويشمل أبرز الضحايا:

  1. صهيب الألباني – مقاتل في الكتيبة الألبانية التابعة للفرقة 84.

  2. أبو حمزة المهاجر – مقاتل سابق في الكتيبة الألبانية التابعة للفرقة 84.

  3. أبو عثمان التركستاني – مقاتل سابق في كتيبة المجاهدين الغرباء التابعة للفرقة 84.

تعكس هذه الخسائر التركيز الروسي على استهداف شخصيات محددة داخل الفصائل المسلحة، وتؤكد تحول العمليات الروسية إلى نمط قائم على الاغتيالات الموجّهة والضربات الدقيقة، مقارنةً بالاعتماد السابق على القصف الشامل والطلعات الجوية العمياء في عهد الأسد. النتيجة هي القتل الصامت والتحكم في موازين القوى عبر استنزاف القيادات الرئيسية، مع تقليل الخسائر العشوائية والدمار الواسع، بما يعزز الطبيعة الاستراتيجية للتدخل الروسي.

فندق «إنانا بلازا»: مركز لوجستي واستراتيجي

يُستخدم فندق «إنانا بلازا» كمقر مؤقت ومرتكز لوجستي لتبديل عناصر الفرقة 84، ويستوعب أكثر من 30 مقاتلًا مزوّدين بكامل عتادهم، مع دورة تبديل دورية أسبوعية. يحتوي الفندق على تجهيزات وذخائر متنوعة تشمل:

  • صواريخ مضادة للدبابات من طراز Cornet.

  • صواريخ مضادة للدروع من طراز Concour.

  • ذخائر للأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

  • صواريخ موجهة تستهدف الأفراد والأهداف المتحركة.

يعمل الفندق كنقطة إسناد ولوجستية للنقاط والحواجز العسكرية التابعة للفرقة في ريف جبلة، ما يعكس أهميته التشغيلية في شبكة الفرقة الميدانية.

كان يُعتقد أن بعض الضربات الاستراتيجية عبر الطائرات المسيرة، والتي أسفرت عن خسائر بين المقاتلين الأجانب، نفذتها تركيا أو كانت نتيجة صراعات داخلية بين الفصائل التابعة للجيش السوري والفلول، إلا أن التحليل الميداني أظهر أن روسيا هي الجهة المنفذة.

ويعكس تصاعد العمليات الروسية الدقيقة والخفية نمطًا جديدًا للتدخل في سوريا، إذ تتحرك موسكو على أساس أن أي جهة تدعمها أو تقف إلى جانبها من القوى العسكرية على خريطة الصراع السوري ستصبح الأكثر قدرة على تثبيت نفوذها. وتعتمد روسيا في ذلك على الحد من تأثير المنافسين لتلك الجهة، سواء داخل حكومة الشرع نفسها، التي يبدو انها  تعتمد على ورقة الفصائل المسلحة الأجنبية في نفوذها ، أو ضد منافسين آخرين مثل قوات سوريا الديمقراطية وبعض القوى العسكرية الأخرى المتشكلة في الجنوب والخارج، لإعادة ترتيب موازين القوى لصالحها، مع الحفاظ على تدخل منخفض البروز ومحدود المخاطر المباشرة.

مقالات ذات صلة