أختفت أخبار شركة الفاضل للصرافة والحوالات المالي عن واجهات الإعلام الاقتصادي بعد سنواتٍ كانت خلالها في صدارة المشهد، باعتبارها إحدى الجهات المؤثرة في تشكيل السياسة النقدية السورية، مستفيدة من ارتباطها بشبكات مالية مرتبطة بـ«حزب الله» من جهة، ومن دورها كأحد أبرز قنوات الالتفاف على العقوبات للنظام السوري الشساقط من جهة أخرى.
هذا الدور كان من الأسباب الرئيسية التي دفعت وزارة الخزانة الأميركية لإدراج الشركة ومالكيها ضمن لوائح العقوبات التنفيذية المرتبطة بقانون قيصر، بتهم تتعلق بتسهيل عمليات مالية لصالح كيانات خاضعة للعقوبات .
ورغم صدور العقوبات، ومرحلة التحرير» وما رافقها من تغيّر في أنماط السيطرة، استمرت الشركة في العمل لفترة دون أي مساءلة داخلية. لكن ومع ازدياد الضغط الإعلامي وتنامي الانتقادات لغياب الرقابة على قطاع الحوالات، اتخذ مصرف سوريا المركزي قراراً في 10 يونيو/حزيرانيقضي بسحب تراخيص عدد من شركات الصرافة البارزة، وعلى رأسها «الفاضل»، وذلك ضمن حملة تهدف — نظرياً — إلى ضبط سوق الحوالات ومكافحة المضاربة.
وخلال هذه الفترة، نشر اقتصادي عدة تقارير تشير إلى تورط الشركة وشبكاتها في تهريب كتل نقدية ضخمة وكميات من الذهب إلى الخارج، في وقت كانت فيه سوريا تحتاج إلى أي دولار أو غرام ذهب لتجنّب تفاقم الانهيار الاقتصادي. هذه العمليات — وفق تلك التقارير — أسهمت في تعميق هشاشة السوق المالية السورية، وأعادت إحياء المخاوف من عودة التوترات الداخلية تحت ضغط الانهيار الاقتصادي المتسارع.
شبكة الذهب السوداء: رحلة سبائك “الفاضل” من نبل إلى القامشلي
شقّت شحنة ذهب ضخمة طريقها عبر خطوط نفوذ متداخلة، مخفية داخل شاحنات مخصّصة لنقل الفاكهة، في عملية نسّقتها شخصيات محلية وفاعلون اقتصاديون يخضع بعضهم لعقوبات دولية.
تكشف هذه العملية، التي جرت بسرية تامة، كيف يمكن للأموال والسبائك وحتى السلاح والمقاتلين أن ينتقلوا بين مناطق السيطرة في سوريا رغم كل القيود المعلنة.
- البداية من حمص: فيلا بلوي ونقطة الانطلاق:
في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، انطلقت خمس شاحنات مبردة – تُستخدم عادة لنقل الفواكه والخضار – من فيلا تعود إلى فاضل معروف بلوي في مدينة حمص ، كانت الشاحنات محمّلة بأكثر من 50 كغ من الذهب على شكل سبائك كبيرة، يزن كل منها نحو 400 أونصة تروي (12.4 كغ)، وقد أُخفيت بعناية داخل صناديق حمضيات لتجنّب التفتيش والاشتباه.
إحداثيات فيلا الخاصة ببلوي: 34°40’16.7″N 36°45’43.6″E 34.671306, 36.762111
أشرف على العملية شخص مقرّب من بلوي يُعرف باسم أبو شعيب (ليث محمد سلامة قيادي سابق بفوج قاسم سليماني، وهو مقرب من فاضل بلوي)، بالتنسيق مع أبو البراء الحمصي – قيادي في الأمن العام بحمص – مقابل 25 ألف دولار لضمان مرور الشاحنات دون عوائق عبر مناطق الحكومة السورية.
- المرور عبر الفرات: معبر الميادين النهري:
بعد مغادرة حمص، عبرت الشاحنات إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عبر معبر الميادين النهري الواقع على نهر الفرات في شرق دير الزور، وهو معبر تم ترخيصه حديثاً من قبل الحكومة السورية.
هناك، استلم الشحنة القيادي في وحدات حماية المرأة وعضو قيادة قوات سوريا الديمقراطية جوان إبراهيم، الذي تولى إيصالها إلى القامشلي.
- الوصول إلى القامشلي: فيلا روهلات عفرين:
وصلت الشاحنات إلى فيلا تعود لـ روهلات عفرين (قيادية في قوات سوريا الديمقراطية)، الواقعة في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، حيث تم تخزين الذهب بانتظار نقله لاحقاً إلى إقليم كردستان العراق، ومنها إلى الإمارات العربية المتحدة.
إحداثيات فيلا الخاصة بروهلات: 37°03’28.8″N 41°13’19.8″E 37.058000, 41.22216
الاتفاق السري: 35% مقابل المرور الآمن

روهلات عفرين
تكشف المعلومات أن هذه العملية تمت بناءً على اتفاق مسبق بين فاضل معروف بلوي و روهلات عفرين خلال زيارة الأخير للقامشلي بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر 2025.
الاتفاق نصّ على تهريب الذهب من مناطق سيطرة الحكومة السورية باتجاه مناطق الإدارة الذاتية، مقابل حصول روهلات على 35% من إجمالي الكمية.
الشحنة الأولى من مخزون ضخم:
تُعد هذه الشحنة مجرد الدفعة الأولى من مخزون يقدر بأكثر من 200 كغ من الذهب، ما يزال مخبأً داخل مستودعات ومنازل في حلب، حمص، وجبلة، جميعها تابعة لبلوي وتحت إشراف مباشر منه.
بقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل تمتلك الحكومة السورية الإرادة الفعلية لخوض معركة حقيقية ضد الفساد وشبكات النفوذ الممتدة من رجال النظام السابق إلى حلفائهم داخل حزب الله وإيران؟ أم أنّها تخشى أن تتحوّل مواجهة هؤلاء إلى شرارة تفجير أمني تتجاوز قدرتها على الاحتواء؟
أم أنّ ما نشهده ليس أكثر من إدارة محسوبة لسلطة “أمراء الحرب” أو ما يُعرف بالقطط السمان، بهدف الحفاظ على توازن هش يُبقي الجميع تحت السيطرة دون الذهاب إلى صدام شامل؟
سؤال يبقى مفتوحًا… بينما تستمر الشبكات ذاتها في إعادة تشكيل خريطة النفوذ داخل سوريا من الظل.

