الرئيسية » سرايا الجواد تصعّد الصراع في الساحل بوحدة تجسس جديدة

سرايا الجواد تصعّد الصراع في الساحل بوحدة تجسس جديدة

بواسطة Younes

بعد سلسلة المجازر الدامية التي شهدها الساحل السوري ثم السويداء، اتخذ المشهد الإقليمي منحى أكثر خطورة، إذ بدا واضحًا أن المجتمع الدولي بدأ ينظر إلى سوريا باعتبارها بؤرة قابلة للانفجار من جديد، ليس على مستوى الصراع المحلي فحسب، بل على مستوى حرب ذات طابع ديني ومناطقي قد تعيد رسم الخريطة السياسية بالكامل وبشكل غير قابل للضبط. هذا التحول في الموقف الخارجي لم يأتِ من فراغ؛ فالتقارير الأممية والتحذيرات الغربية الأخيرة أشارت مرارًا إلى أن أي تدهور أمني جديد في سوريا قد يفتح الباب أمام موجة نزاعات تمتد عبر المنطقة، خصوصًا مع تصاعد نشاط مجموعات مسلّحة تعمل خارج إطار الدولة، ما أدى إلى توسع غير مسبوق في انتشار القواعد العسكرية.

هذا المناخ المشحون خلق ما يمكن وصفه بتغيير قواعد الاشتباك داخل سوريا، حيث باتت القوى العسكرية المحلية مضطرة إلى تطوير أساليبها بعيدًا عن المواجهات التقليدية. وبالفعل، اتجهت الجماعات المسلحة – سواء المصنّفة موالية للحكومة الانتقالية أو الخارجة عنها – إلى تعزيز قدراتها النوعية، خصوصًا في مجال تصفية الخصوم عبر آليات تجسسية تعتمد تكتيك “الذئاب المنفردة”. فبدل الاشتباكات المباشرة التي كانت تجرّ إلى ردود فعل عنيفة وتوترات طائفية واسعة، أصبحت عمليات الاستهداف الفردي، والرصد الإلكتروني، والتسلل المعلوماتي هي الأدوات المفضلة، لأنها تحقق نتائج حاسمة دون ترك آثار صدامية شاملة على المجتمع المحلي.

ومع تقلّص المساحات العسكرية التقليدية وتراجع نفوذ المؤسسات الرسمية، أصبحت القدرة على إنتاج معلومات استخباراتية دقيقة هي العامل الحاسم في تحديد من يمتلك الفاعلية داخل الساحة السورية. وهنا تحديدًا برزت “سرايا الجواد” بوصفها أحد أهم اللاعبين الجدد في الساحل.

فالجماعة، المعروفة ببنيتها الهجينة بين العمل العسكري والعمل الأمني، استطاعت استغلال الفوضى الأخيرة لإعادة تجميع شخصيات من “المدرسة الأمنية القديمة” للنظام. وقد وجد عدد من ضبّاط المخابرات العسكرية السابقين في فوضى الساحل فرصة لإعادة التمركز، وبناء شبكاتهم السابقة، واستقطاب عناصر تتمتع بخبرة عالية في الاختراق المعلوماتي والتجسس الميداني. هذه الخبرات، التي كانت جزءًا من منظومة أمنية تقليدية، استفادت من تشتت إدارة مناطق الساحل وتحولت اليوم إلى أداة بقاء وتمدد لجماعة تعمل خارج الإطار الرسمي.

وكنتيجة مباشرة لهذه المعادلة، صعدت سرايا الجواد خلال الأشهر الماضية كقوة تكتيكية قادرة ليس فقط على الصمود، بل على توسيع نفوذها ضمن بيئة تتآكل فيها سلطة المؤسسات الرسمية ويتراجع فيها حضور الأجهزة الأمنية التقليدية. ومع ظهور وحدات تجسسية جديدة مثل “الوحدة 128″، تبدو الجماعة في موقع يمكّنها من لعب دور أمني موازٍ، وربما منافس، للمنظومة الأمنية والعسكرية الهشّة التابعة للحكومة السورية في الساحل.

تأسيس الوحدة 128 الاستخباراتية

ي 18 كانون الأول/نوفمبر 2025، أعلنت قوات رجال النور، المعروفة باسم رجال النور – سرايا الجواد، عن تشكيل وحدة التجسس الجديدة “الوحدة 128″، التي باتت تُعد اليوم بطاقة القوة الرئيسية للجماعة في مواجهة الحكومة الانتقالية في الساحل السوري. ضمت الوحدة مجموعة من ضباط الأجهزة الأمنية للنظام السوري السابق، لا سيما من شعبة المخابرات العسكرية وإدارة المخابرات العامة، وتتمركز عملياتها في مناطق الساحل السوري وأرياف حماة وحمص.

ويتوزع هيكل الوحدة على مستويين رئيسيين:

أولًا : مستوى القيادة:

يشرف على عمل “الوحدة 128” ضابطان من أبرز كوادر المخابرات العسكرية السابقة:

  • العقيد فداء إبراهيم ديب
    ضابط سابق في شعبة المخابرات العسكرية، وشغل منصب معاون رئيس فرع مكافحة التجسس (281). ينحدر من ريف جبلة، ويتردد أنه المسؤول المباشر عن الإشراف العملياتي والهيكلي للوحدة.

  • العقيد عيسى سلوم
    ضابط سابق في شعبة المخابرات العسكرية، وشغل منصب نائب رئيس فرع المعلوماتية (282). ينحدر من مصياف بريف حماة، ويعد العقل التقني للوحدة والمسؤول عن إدارة البنية المعلوماتية الخاصة بها.

ثانيًا: مستوى الخبراء والمهندسين

تضم الوحدة مجموعة من الخبراء في التكنولوجيا الرقمية، معظمهم من كوادر أمن المعلومات في النظام السوري السابق، وينحدرون من الساحل السوري. يشكّل هؤلاء العمود الفقري للقدرات التقنية للوحدة، وبرز منهم:

  • شاهين العلي – مهندس تكنولوجيا، من ريف جبلة.

  • حيدر الحسن – مهندس تكنولوجيا، من ريف اللاذقية.

  • فراس الغانم – مهندس تكنولوجيا، من ريف اللاذقية.

  • أمين إسماعيل – مهندس تكنولوجيا، من ريف جبلة.

يمتلك هؤلاء خبرات متقدمة في أمن المعلومات، الاختراق الرقمي، إدارة الشبكات، وبرامج التجسس، وهي قدرات تشكّل اليوم جوهر عمل “الوحدة 128”.

المهام الاستخباراتية والرقمية للوحدة 128 في الساحل السوري

تعمل “الوحدة 128” ضمن منظومة استخباراتية عالية السرية، وتتركز مهامها الأساسية على مجموعة من العمليات الحساسة التي تستهدف البنية الأمنية والعسكرية في الساحل السوري، أبرزها:

  • التنصت على مقرات القيادة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في الساحل، بما يشمل الاتصالات الداخلية وشبكات التوجيه العملياتي.

  • مراقبة ضباط وعناصر وزارتي الدفاع والداخلية (الأمن العام) وجمع بيانات دورية حول تحركاتهم، علاقاتهم، وارتباطاتهم.

  • مراقبة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لتعقب الأنشطة الرقمية المرتبطة بالعاملين في المؤسسات الأمنية.

  • رصد الأوامر والتحركات العسكرية والأمنية الصادرة عن القطع المنتشرة في الساحل وتحليلها لتحديد توجهات القيادة الرسمية.

  • الكشف المبكر عن عملاء النظام السوري الحالي من أبناء الساحل وملاحقة شبكاتهم داخل البيئة المحلية.

  • جمع معلومات أمنية حساسة تُستخدم في تقييم التهديدات المحتملة وتوجيه عمليات الاستهداف النوعية.

وتعتمد الوحدة في ذلك على برنامج سري متقدم يمكّنها من مراقبة الإنترنت بشكل لحظي، ويتيح الوصول المباشر إلى البريد الإلكتروني، وغرف الدردشة، وسجلات التصفح لأي ضابط أو عنصر في الأجهزة الأمنية أو الجيش داخل نطاق عملها. يشكّل هذا البرنامج العمود الفقري لقدرتها على إدارة عمليات تجسس دقيقة دون اكتشافها.

التجهيزات التقنية والدعم الخارجي لوحدة 128 في الساحل السوري

ستخدم “الوحدة 128” مجموعة من الأجهزة والبرامج التجسسية المتطورة التي تعود في الأصل إلى شعبة المخابرات العسكرية في النظام السوري السابق. وتشير المعلومات إلى أن بعض الضباط والمهندسين قاموا بسرقة هذه الأنظمة قبل سقوط النظام، قبل أن تُعاد هيكلتها وتوظيفها لصالح سرايا الجواد. وتشمل هذه الأدوات:

  • تطبيقات تجسس متقدمة على الهواتف المحمولة قادرة على جمع البيانات والرسائل والمكالمات بشكل خفي.

  • أنظمة لاعتراض الاتصالات المشفرة المستخدمة ضمن الدوائر العسكرية والأمنية.

  • أدوات لاختراق الحواسيب والشبكات الداخلية والوصول إلى الملفات الحساسة.

  • تقنيات للوصول إلى خوادم الإنترنت بهدف تعقب العملاء وتحديد هوياتهم ومواقع وجودهم بدقة.

ولا يقتصر تفوق “الوحدة 128” على التكنولوجيا المسروقة فحسب، إذ تستفيد سرايا الجواد من دعم متعدد المصادر، يشمل:

  • دعم لوجستي وتقني من قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

  • دعم مالي وأمني من إيران.

  • شبكة علاقات يمتلكها ضباط من بقايا النظام السابق، يتحركون بين موسكو، دبي، وبيروت، ويوفرون قنوات اتصال وتمويل وتقنيات إضافية.

هذا المزيج من التكنولوجيا المتقدمة والدعم الخارجي المتنوع مكّن الوحدة من العمل بعيدًا عن أعين المؤسسات الرسمية، وأتاح لها بناء شبكة استخباراتية موازية في واحدة من أكثر المناطق حساسية في سوريا.

يشير تطور سرايا الجواد لتضم وحدة استخبارات متقدمة إلى تعقيد المشهد الأمني والسياسي في الساحل السوري، الذي يحاول الإعلام تصويره على أنه تحت سيطرة الحكومة الانتقالية. هذا التطور يزيد من صعوبة مهمة الحكومة والتحالف الدولي في مواجهة تنظيم “داعش”، خاصة مع انتشار خطر الجماعات المسلحة التي تسعى للسيطرة على السلطة. وقد تتحول عناصر سرايا الجواد إلى أهداف محتملة للحكومة الانتقالية، بحجة ارتباطهم بالتنظيم المذكور.

ويبرز هذا المشهد كأحد وجوه التعقيد في سوريا، حيث يتحوّل انتشار العنف والقتل إلى أخبار يومية يُقدّمها الإعلام على أنها ممارسات فردية، متجاهلًا الروابط التنظيمية والاستخباراتية التي تقف وراء هذه العمليات.

.

مقالات ذات صلة