تمت عملية شحن الفوسفات الأخيرة من منجم تدمر في سوريا إلى صربيا، وذلك في فترة حرجة تسبق سقوط نظام الأسد. وتُبرز هذه العملية التداخل المعقد بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية؛ إذ تُعد صربيا، بكونها دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي وتتقيد بإطارها التشريعي الصارم، محط تساؤلات حول إمكانية استمرار تأثير دوائر النفوذ المرتبطة بالنظام السوري السابق ضمن الفضاء القانوني الأوروبي.
كما تُثير هذه الواقعة جدلاً حول كفاءة الإجراءات القانونية المتخذة لملاحقة تلك النفوذات، خاصةً في ظل محاولات تعويم النظام البائد اقتصادياً ضمن النظام الجديد الذي يتشكل.
تفاصيل العملية اللوجستية والتجارية
في 28 أغسطس 2024، وصلت أربع سيارات شحن مدنية محملة بحاويات قياسية (40 قدم) إلى ساحة الحاويات بمرفأ اللاذقية. احتوت الحاويات على أكثر من 100 طن من ثنائي الأمونيوم الفوسفات (DAP)، الذي يُستخرج من منجم الفوسفات الشرقية في تدمر. وتتم عملية النقل عبر مسار معقد؛ إذ يُشحن المنتج أولاً إلى قبرص بواسطة سفن شحن تابعة لدول شرق آسيا، ومن ثم يُعاد توجيهه نحو صربيا. تعكس هذه السلسلة اللوجستية مدى تعقيد واستراتيجية إدارة سلاسل الإمداد في ظل بيئة تجارية عالمية متقلبة
الأطر القانونية والاقتصادية للصفقة
ترجع ملكية الشحنة إلى شركة الفوسفات (Phosphate CYS)، التي ترتأسها أسماء الأسد والتي تم تأسيسها في قبرص في أواخر ديسمبر 2023. تأسس هذا الكيان، الذي يُصنف ضمن الشركات الوهمية، تحت إشراف رجل الأعمال سامر الفوز برأسمال يقدر بـ500 مليون دولار، مما يفتح الباب أمام العديد من الاستراتيجيات المالية المعقدة. وقد أبرمت الشركة سلسلة من العقود طويلة الأجل مع شركاء دوليين، أبرزها اتفاقيات مع شركة “ستروي ترانس” الروسية، والتي قامت سابقًا بشحن ما يزيد عن 250 طن من الفوسفات إلى دول أوروبية مثل رومانيا وسلوفينيا وبولندا. تم تمديد بعض عقود الشراء لعشر سنوات قابلة للتمديد لعشر سنوات إضافية مع ممثل الشركة الروسية، ما يعكس رغبة واضحة في تثبيت العلاقات التجارية واستغلال استراتيجيات السوق العالمية.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية
ترتكز أهمية هذه الصفقة على كونها ليست مجرد عملية تجارية عادية، بل تُعد جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية والنفوذ السياسي في المنطقة. فالملاحقة القانونية والاقتصادية لشركات الأسد وعلاقاتها تُستغل كمؤشر على محاولات السيطرة على الدوائر الاقتصادية الداخلية والتأثير على استقرار الشأن السوري. من جهة أخرى، تُظهر هذه العمليات دور العقود طويلة الأجل في خلق توازنات اقتصادية جديدة، حيث تُستخدم كأدوات لتأمين مصالح رجال الأعمال المحايدين في الأطر الدولية، وفي الوقت نفسه تهديد السيادة الوطنية عبر إبقاء ممتلكات الدولة تحت سيطرة أطراف أجنبية.
التداعيات المستقبلية والفرص الاستثمارية
تؤكد هذه الصفقة بوضوح على ضرورة إعادة النظر في الترتيبات والتسويات التي وُفِّرت سابقًا لرجال أعمال النظام السابق، وكشف الطبقات المموكلة في عملياتهم التجارية. إذ وجب تعزيز الرقابة القانونية وتفعيل آليات الحوكمة الفعّالة لضمان حماية الثروة الوطنية من أي محاولة لاستغلال مآخذ الأسواق العالمية لتحقيق مكاسب شخصية لتلك السلاسل التجارية و تفقدنا الوصول لتلك الثروات. في هذا السياق، أضافة انه من الضروري لصناع السياسات الاقتصادية اعادة دراسة نماذج الأعمال المتبعة وتحليل المخاطر الناشئة عن تلك الممارسات، مع التأكيد على أهمية إنشاء أُطر قانونية شفافة تضمن العدالة الاقتصادية وتمنع تسرب الموارد الوطنية عبر آليات تجارية معقدة.
يمثل حدث شحن الفوسفات نموذجاً متكاملاً يجسد تعقيد العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية للاقتصاد السوري ، حيث تتداخل الأبعاد اللوجستية والتجارية والقانونية ضمن استراتيجية تهدف إلى إعادة توزيع القوى الاقتصادية للنظام البائد ضمن الاقتصاد السوري الذي يتشكل الان ، مما يدعو إلى إعادة تقييم التسويات السابقة والبحث عم تخفيه تلك الطبقة من ثروات وطنية ، وإضافة الى استكشاف آليات التأمين المالي والقانوني التي تضمن حماية الثروات والحقوق الاقتصادية للدولة.