في لقاء وصف بالرسمي نحو رسم ملامح “الاقتصاد السوري الجديد”، انعقد لقاء رسمي ضم نخبة من رجال الأعمال السوريين والعرب، هدفه استكشاف فرص الاستثمار المستقبلية في سوريا، وسط سعي حثيث لتهيئة بيئة اقتصادية جاذبة تتماشى مع مرحلة ما بعد الحرب. ومن أبرز الحضور كان رجل الأعمال السوري/البريطاني عدنان شماع، المعروف بعلاقاته الواسعة في الأسواق المالية الدولية، إلى جانب شريكه فادي إيلي حلاق، المؤسس المشارك لشركة بلو فايف كابيتال، وهي شركة استثمارية تتخذ من لندن مقراً لها وتعمل في مجالات الاستشارات المالية وهيكلة الاستثمارات.
وقد انضم إليهم الدكتور فيصل خالد كانو، أحد أبرز الوجوه الاقتصادية في الخليج العربي وعضو مجلس إدارة مجموعة كانو، التي تمتلك حضوراً اقتصادياً واسعاً في البحرين وقطر والسعودية والإمارات، ولها شراكات استراتيجية مع شركات عالمية كبرى مثل مايرسك، إضافة إلى كونها أحد الموردين الرئيسيين لشركة أرامكو السعودية.
كما جاء اللقاء عقب زيارة مهمة لرجل الأعمال السوري/القطري معتز الخياط، رئيس مجلس إدارة Power International Holding (PIH)، التي تعد من أكبر المجموعات القطرية وتتنشط في قطاعات البناء، الأغذية، والرعاية الصحية. وقد تم التباحث خلال هذه الزيارة في سبل التعاون الاقتصادي وإمكانيات مساهمة المجموعة في مشاريع إعادة الإعمار داخل سوريا.
حراك اقتصادي واعد أم مشهد ضبابي؟
ورغم الزخم الذي رافق هذا اللقاء من حيث الوجوه الاقتصادية البارزة والطروحات الاستثمارية، إلا أن المشهد لم يخلُ من انتقادات حادة وتساؤلات جوهرية تتعلق بطبيعة هذا النموذج الاقتصادي الجديد. إذ يرى مراقبون أن الحراك الاستثماري الحالي، بدلاً من أن يعكس نضجاً مؤسسياً وعودة لسيادة القانون، يكشف عن تزايد نفوذ “الوسطاء” وتراجع دور الدولة كمنظم للعملية الاقتصادية.
في هذا السياق، وُجهت انتقادات مباشرة لما يُعرف بـ”بيت الخياط”، في إشارة إلى الدور المتنامي لمعتز الخياط في هندسة التفاهمات الاقتصادية ( السمسرة)، لا من موقع المستثمر بل كوسيط نافذ داخل دوائر القرار، وهي أدوار تُذكّر بممارسات محمد حمشو في مرحلة سابقة، عندما كان يُنظر إليه كسمسار نافذ لغرفة الاقتصاد داخل القصر الجمهوري.
أزمة الثقة وغياب الشفافية
من أبرز مظاهر الخلل التي طُرحت خلال النقاشات، هو غياب آليات التعاقد العلنية والمناقصات الرسمية، واعتماد منظومة القرار الاقتصادي على العلاقات الشخصية والولاءات، ما يضعف مناخ الثقة ويُقلص فرص دخول مستثمرين جديين، لا سيما من الخارج. إذ تُعد البيئة القانونية والمؤسساتية الغامضة، بالإضافة إلى تضخم دور “السماسرة”، من أبرز العوامل الطاردة للاستثمار طويل الأمد.
ويبدو أن الدولة باتت تفتقر إلى القدرة أو الإرادة على فرض معايير الحوكمة والمساءلة، ما يهدد بتحول النموذج الاقتصادي من مسار إنتاجي تنافسي إلى نظام قائم على الزبائنية وتوزيع المكاسب ضمن شبكات مغلقة من المصالح الخاصة.
دعوات للإصلاح… قبل فوات الأوان
في ضوء هذه التحديات، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات هيكلية عميقة تعيد الاعتبار للدولة كمُنظم رئيسي للاقتصاد، وتحد من تغوّل الأدوار غير الرسمية. وتشمل هذه الإصلاحات إعادة تفعيل دور المناقصات العامة المفتوحة، وإصدار تشريعات تُقيّد الوساطة غير المؤسسية، وتضمن شفافية توزيع الفرص الاستثمارية.
إن غياب مثل هذه الإجراءات من شأنه أن يُبقي الاقتصاد السوري رهينة لمعادلات الغموض والولاءات، ويحول دون بناء نموذج اقتصادي قادر على اجتذاب رأس المال المنتج، وتحقيق التنمية المستدامة.
في المحصلة، وعلى الرغم من أن اللقاءات الاستثمارية الأخيرة تشي بنوايا لتحريك عجلة الاقتصاد السوري، فإن المؤشرات الميدانية لا تزال تُنذر بأن هذه النوايا قد تُختطف مجدداً من قبل القوى التي طالما أعاقت التحول نحو اقتصاد شفاف ومنفتح. فإعادة بناء سوريا اقتصادياً لا تتطلب فقط رؤوس أموال، بل منظومة مؤسساتية قائمة على العدالة، الكفاءة، والشفافية، وإرادة سياسية تضع حداً نهائياً لدور الوسطاء في صياغة المستقبل الاقتصادي للبلاد.