الانطلاق بمشاريع صغيرة كان الشغل الشاغل لسوريين عادوا إلى بلدهم بعد سقوط نظام الأسد، في ظل قلة فرص العمل وضعف الرواتب. إذ اتجه عددٌ منهم نحو مشاريع بتكاليف صغيرة ومردود مادي جيد.
موفق بكور أحد العائدين إلى سوريا اختار البدء بمشروع صغير عوضاً عن المغامرة باستثمار كبير، بينما فضل آخرون ممن يمتلكون رأس مال انتظار تحسن البنية التحتية واستقرار الظروف الأمنية والسياسية للبدء بمشاريع كبيرة، وفقاً لما أكده بكور.
تنوعت مشاريع العائدين بين زراعي وصناعي وتجاري، حسب اهتماماتهم وخبراتهم وحجم رأس المال لديهم. يقول بكور إنه بعد عودته من إسطنبول إلى حلب فكّر بفتح ورشة لتصنيع مواد التنظيف المطلوبة في كل بيت. لكن تكلفة المشروع العالية التي تصل إلى 2500 دولار حالت دون العمل عليه.
يشرح بكور التكاليف بقوله: “يحتاج المشروع ماكينة تعبئة وتغليف سعرها ألف دولار وخلاط سعره 500 دولار، إضافة إلى آلات لإغلاق الأغطية ووضع تاريخ الصلاحية والماركة، ومعدات قياس الحرارة والوزن. عدا عن أجرة العمال و تكلفة إيجار الورشة الذي يصل إلى 300 دولار”.
بنصف تكلفة مشروع المنظفات وجد موفق مشروعاً آخر وهو ورشة صغيرة لإنتاج الطحينةوالزيوت الطبية، مثل زيت حبة البركة وزيت بذور الكتان وزيت السمسم ، يقول إن المشروع يحتاج إلى 1400 دولار موزعة بين آلة طحن السمسم وآلة عصر البذور لاستخراج الزيوت الطبية.

آلة تصنيع الطحينة من ورشة موفق بكور في حي الفردوس بمدينة حلب.
استأجر موفق محلاً لورشته في حي الفردوس بحلب بـ 200 دولار شهريًا، وبدأ العمل على صنع وإنتاج الطحينة. يخبرنا أن الآلة تنتج 50 كيلوغراماً من الطحينة خلال ساعة، ولا تحتاج إلا إلى سمسم والقليل من الزيت النباتي.
أصبح لدى بكور منذ فتح ورشته مطلع آذار كميات من الطحينة اتفق مع عدة محلات تجارية على بيعها بأقل من سعرها في السوق لتشجيعهم على التعامل معه كما أخبرنا. يخطط موفق خلال الفترة المقبلة لتطوير مشروعه الصغير، وتصنيع الحلاوة، إلى جانب صنع الطحينة، التي تعد سلعة غذائية مطلوبة في الأسواق وتحقق هامش ربح جيد.
من خلط زيوت السمسم إلى خلط الكلور اختار عبد الله ماغوني 31 عاماً وهو خريج كيمياء، أن يكون مشروعه الإنتاجي من صميم تخصصه الجامعي، وقرر بعد عودته من لبنان إلى منطقة اللوان في كفرسوسة بدمشق، فتح مشروع صغير لإنتاج مادة الكلور الخام المستخدمة في تصنيع مواد التنظيف. يقول: إن مشروعه يختص بإنتاج هذه المادة تحديدًا، وذلك لندرتها في السوق.
خبرة ماغوني في إجراء التفاعلات الكيميائية شجعته على اختيار مشروع تصنيع الكلور، الذي لا يحتاج، وفق ما أكده، إلا إلى الملح الصخري وهيدروكسيد الصوديوم “القطرونة” إذ توضع هذه المواد ضمن آلة خاصة تتفاعل داخلها المركبات وتستخرج مادة الكلور الخام. يقدّر ماغوني تكلفة مشروعه الخاص بسبعة آلاف دولار، إذ يصل سعر آلة إنتاج الكلور إلى 5 آلاف دولار، إضافة إلى تكلفة شراء منظومة طاقة شمسية لحل مشكلة انقطاع الكهرباء.
مطلع العام الجاري بدأ ماغوني العمل في الورشة مع ثلاثة عمال آخرين، وبلغت كمية الإنتاج 500 لتر من الكلور الخام يوميًا يقوم ببيعها إلى تجار الجملة في كفرسوسة والميدان وباب مصلى بدمشق. الأرباح الجيدة حسب وصفه جعلته يفكر في مشروع آخر ضمن نطاق المنظفات، وخطط لإنتاج “سيفة جلي”. يقول إن تكلفة شراء المعدات تصل إلى 4 آلاف دولار ثمن آلة تصنيع السيفة وعلب كرتون للتعبئة، و أسطوانات سلك ستانلس، إذ أن كل كيلوغرام سلك ستانلس ينتج 70 قطعة.
حجم الدمار الكبير الذي شهدته مدينة حمورية في الغوطة الشرقية بريف دمشق أوحت إلى أنس أبو الذهب بفكرة الاستثمار بمشروع إعادة ترميم المنازل، فقرر فتح مشروع صغير لصناعة البلوك. عمل في البداية بشكل يدوي لإنتاج البلوك في قوالب إسمنتية، لكن الأمر كان مرهقاً جدًا ودون فائدة، حسب قوله، لذلك قرر تطوير مشروعه وشراء آلة خاصة لتصنيع البلوك.

شاب يقوم بانتاج حجر البلوك في دمشق عن طريق آلة “البياضة”.
تكلفة المشروع الذي بدأه أبو الذهب بلغت ألف دولار، إذ اشترى آلة تصنيع البلوك المعروفة باسم “البياضة” بـ 750 دولار، والتي تنتج ست قطع في كل دقيقة، و استأجر مستودع لتخزينها بـ 250 دولار شهريًا.
أضاف أبو الذهب، أنه يخطط لتطوير ورشته إلى معمل صغير لتصنيع البلوك بطاقة إنتاجية تصل إلى 500 “بلوكة” في الساعة، بعد أن تلقى طلبات كثيرة من الزبائن. تبلغ تكلفة معمل “البلوك” 20 ألف دولار، ثمن (آلة تصنيع مع قوالب، وجبالة إسمنت، وعربات نقل، وصناديق للتخزين).
عائدون إلى مناطق ريفية، قرروا العمل على مشاريع زراعية صغيرة. حسين العلي، أحد أوائل المزارعين في كلجبرين بريف حلب. يقول “هناك زراعات يمكن للأهالي العائدين إلى بلدهم العمل بها، لاسيما من يملكون مساحات زراعية صغيرة ورأس مال ضئيل، ويريدون مردودًا ماديًا سريعًا”.
نصح العلي بزراعة البابونج كمشروع صغير بتكلفة بسيطة، إذ يمكن لكيلو غرام من البذور يصل سعره إلى 20 دولار، ويزرع في دونم واحد مع اعتماده على مياه الأمطار أو سقايته في مواسم الجفاف أن يعطي إنتاجًا لثلاث أو أربع مرات كل عام تربح نحو 450 دولار بمعدل إنتاج وسطي قدره بـ 400 كيلوغرام سنوياً.
نصح العلي السوريين باستغلال زراعات نادرة غير منتشرة مثل زراعة الزعفران. يقول: إن زراعة دونم بمئة كيلوغرام من أبصال الزعفران بتكلفة 2500 دولار تعطي إنتاجًا بعد ثلاث سنوات قدّره بنحو كيلوغرام سعره 10 آلاف دولار.
إضافة للزعفران والبابونج تحدث العلي عن زراعة زهور اللافندر أو الخزامى، التي تؤمن مصدر دخل جيد للمزارع. وأضاف أن اللافندر يُزرع شتلات تعطي زهوراً، ويمكن زراعة دونم بألف شتلة تصل تكلفتها إلى ألف دولار، تعطي إنتاجاً بنحو 500 كيلوغرام من الزهور. يقول العلي إنه يمكن الاستفادة من الزهور باستخراج زيت الخزامى في آلة خاصة، ثمن كيلو الزيت يصل إلى 100 دولار، وكل 500 كيلوغرام منها ينتج 15 كيلوغراماً من الزيت.

لشاب حسين العلي خلال قطافه لأزهار الزعفران في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي.
يعتبر العلي زراعة اللافندر مشروعًا ناجحًا لو توفرت آلات عصر الزهور واستخراج الزيت منها، فضلاً عن إمكانية الاستفادة من بقايا الزهور في صناعة الشاي أو المستحضرات الطبية والكريمات.
ينصح الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم أي شخص يريد فتح مشروع صغير بدراسة عدة أمور منها حاجة السوق والمنافسة، وتوفر المواد الأولية، والمعدات وتكلفة المشروع فضلاً عن الاطلاع على الناحية القانونية والتراخيص والضرائب وعدد العمال الذي يحتاجه وتكلفة الرواتب التي تصرف لهم. يرى يونس الكريم أن أنجح المشاريع الصغيرة التي يمكن للسوريين البدء فيها اليوم، هي التي تلبي احتياجات الناس الأساسية، وعلى رأسها المواد الغذائية.
يقول من تحدثنا إليهم من عائدين حديثاً إلى سوريا إن الاستقرار يبدأ بالعمل، ويمكن للمشاريع الصغيرة أن تساعد أصحابها في تأمين دخل مادي مقبول ريثما تتعافى البلاد من آثار الحرب وتنطلق المشاريع الاستثمارية الكبيرة في المجالات كافة.
المصدر: فوكس حلب