الرئيسية » صناعة النخبة في سوريا: بين شرعية النفوذ وشرعية الكفاء

صناعة النخبة في سوريا: بين شرعية النفوذ وشرعية الكفاء

من "الاقتصادي 100" إلى "قدرات سورية 1000": كيف يُعاد إنتاج النخبة السورية بين مرحلتين

بواسطة Younes

في سوريا، حيث تتقاطع خيوط الاقتصاد بالسياسة، وتنسج السلطة الإعلام بخيوطها المحكمة، لم تكن القوائم التي تُصنّف الفاعلين الاقتصاديين والعلميين يومًا مجرد إحصاءات أو توثيقًا للجدارة. بل تحوّلت إلى أدوات رمزية تساهم في رسم خارطة النفوذ، وإعادة تعريف من يستحق أن يكون داخل “المشروع الوطني” ومن يُدفع إلى هامشه.

القائمتان الأبرز في هذا السياق — “الاقتصادي 100″ عام 2008 و”قدرات سورية 1000” عام 2025 — لا تعكسان فقط مراحل سياسية متباينة، بل تمثلان رؤيتين متقابلتين لطبيعة النخبة ودورها في إعادة إنتاج السلطة.

من “الاقتصادي 100” إلى “قدرات سورية 1000”: من يملك الحق بالظهور؟

أُطلقت قائمة “الاقتصادي 100” في ذروة صعود اقتصاد السوق الاجتماعي، وسلّطت الضوء على أبرز رجال الأعمال الذين نالوا دعم الدولة، مثل رامي مخلوف وطريف الأخرس، في ظل بيئة مغلقة احتكرت فيها قلة من المحظيين مسارات النمو والاستثمار.

جاءت القائمة كأداة لشرعنة هذه النخبة، وتجسيدًا لرغبة السلطة في منح وجوهها الاقتصادية موقعًا إعلاميًا مرئيًا.

في المقابل، أتت قائمة “قدرات سورية 1000” في مرحلة ما بعد الحرب، ضمن سياق تَبنّي خطاب تنموي جديد.

أطلقتها مؤسسات إعلامية تنتمي إلى “مجموعة مجرة” برعاية وزير الاتصالات عبد السلام هيكل، لاستقطاب طاقات شبابية وتكنوقراطية. رُوّج لها كشكل من أشكال الاعتراف بالكفاءة، بعيدًا عن الارتباطات الأمنية والسياسية التقليدية، رغم أنها — وبشكل غير معلن — استبعدت أصوات المعارضة والمنتقدين.

اختلاف في المنهج.. واتساق في الوظيفة

رغم تباين السياق والمنهج، من ترتيب غير شفاف في “الاقتصادي 100” إلى تصنيف مهني معلن في “قدرات سورية”، فإن الوظيفة النهائية ظلت ثابتة: فرز النخبة ومنح الشرعية لما تختاره السلطة بوصفه “مفيدًا” للدولة.

في قائمة 2008، كانت الدولة هي الراعي العلني للنخبة. أما في قائمة 2025، فهي شريك صامت — تراقب، وتُصفّي، وتُقنّن دون إعلان.

جانب المقارنة الاقتصادي 100(2008) قدرات سوريا 1000 (2025)
الهدف المعلن إبراز الأسماء القوية في بيئة السوق الناشئ استقطاب كفاءات لبناء دولة حديثة
السياق الساسي حقبة صعود طبقة موالية تقليدية إعادة صياغة النخبة بعد الحرب
المنهجية ترتيب أبجدية غير شفاف تصنيف وفق معايير مهنية واضحة
الخلفيات رجال اعمال تقليديون ومقربون كوادر متنوعة من القطاعات
دور الدولة الحاضنة والمواجهة للنخبة الاقتصادية الشريك الصامت في إعادة الفرز

عبد السلام هيكل: من هندسة الصورة إلى هندسة الوعي

لا يمكن فهم المشهد دون التوقف عند شخصية عبد السلام هيكل، الذي انتقل من موقعه كناشر شاب يرعى رموز النفوذ الاقتصادي، إلى وزير تقانة يسوّق نخبة المستقبل بلغة الكفاءة والحداثة. تنقلُه هذا يجسّد تحوّل السلطة من شرعية الثروة إلى شرعية المعرفة… أو على الأقل إلى صورتها الظاهرية.

ساهم هيكل في ترسيخ أسماء رجال الأعمال السابقين، ثم عاد في مرحلة لاحقة ليقود مشروعًا يصوغ نخبة جديدة، تستند إلى خطاب التكنولوجيا، ولكنها تخضع للفرز ذاته: من ضمن المشروع ومن خارجه.

 هل تبدّلت النخبة فعلًا، أم أعيد تغليفها؟

قد تبدو “قدرات سورية 1000” مختلفة في الشكل والادعاء عن “الاقتصادي 100″، لكنها تؤدي الغرض ذاته: تحديد من يُسمَح له بأن يكون في مركز اتخاذ القرار. وهنا، يصبح التساؤل مشروعًا: هل يشكّل ذلك انتقالًا حقيقيًا نحو دولة الكفاءة؟ أم هو إعادة توزيع للولاءات ضمن قالب أكثر نعومة وحداثة؟

مقالات ذات صلة